الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذهب للكراهية...مذهب للتسامح

مهدي النجار

2006 / 10 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعتقد جميع أبناء الديانات و/أو المذاهب اعتقاداً تاماً بان ديانتهم و/أو مذاهبهم هي الصائبة وهي التي تمتلك الحقيقة دون سواها وبالتالي لا طريق للنجاة بغير طريقها وحصر الفلاح بأتباع ملتها هي فقط. هذه الاعتقادات الوثوقية ناشئة عن عوامل كثيرة مرتبطة بظروف ولادة الشخص ونشأته حيث نرى بشكل طبيعي أن الدين و/أو المذهب الذي يتبعه الإنسان عادة هو دين العائلة التي ولد فيها، وهذه مسالة بديهية لا ينكرها إلا المتشددون والمتطرفون بآرائهم، وإذا كان من حق الناس الالتزام بدياناتهم ومذاهبهم وعدم التخلي عنها باعتبارها تشكل نواة هوياتهم والملامح الأساسية لشخصياتهم فالأحرى عليهم من جانب آخر الالتفات إلى أتباع سائر الديانات واعتبارهم يفكرون بديانتهم كما يفكرون هم ولا يجوز تفضيل دين على آخر مجرد الانتماء له، أو بعبارة أخرى ينبغي على من ينظر إلى دينه باعتباره الدين الأمثل والأحق أن يعترف بان أتباع الديانات الأخرى لهم نفس الحق وينظرون لدينهم مثلما هو ينظر، وكما يقول جون هيك، الداعية الأكثر شهرة في بريطانيا والولايات المتحدة إلى التعددية الدينية والحوار بين الأديان: "يجب أن ننظر إلى أتباع سائر الديانات بنفس العين، لنستطيع الاستفادة من أفكارهم وحتى من طقوسهم. فلا يجوز لنا النظر إليهم كأعداء ومنافسين، أو احتقارهم. يجب إقامة علاقات ود وصداقة معهم، فقد تمنع هذه العلاقة من الانغلاق الديني الخطر، الفكرة الكامنة وراء جميع الصراعات القائمة اليوم في العالم " والى نفس المعنى يشير المتنور السعودي أبو بكر احمد باقادر حيث يستنتج بان عصر الوثوقية التقليدية انتهى: "إنما الحل هو كيف احترم دين غيري، حتى ولو كان ذلك يتعارض مع معتقداتي".
حين نتبصر في جوهر الرسالات الدينية سنجد فعل الخير وايتان الأعمال الصالحة هي ما دعت إليه جميعاً دون استثناء، دعت إلى الحب والسلام، دعت إلى التواصي بالحقِّ والصبر والرحمة، وبالإحسان والاستقامة، وبالتقوى والشكر، وبرعاية الأمانة وحفظ العهد....كل ذلك مما اهتمت به الرسالات الدينية، مثلما نهت عن الكراهية والضغينة، وعن القتل و الظلم والاعتداء، والطغيان والاستكبار،والفسق والزنا، والكذب والنميمة،والتبذير والبخل، وحب المال والتطفيف....إنها كلها بمثابة " مصابيح متعددة لنور واحد، إن هذا النور يأتي من الأقاصي " على حد تعبير جلال الدين الرومي (شاعر مسلم عاش في القرن الثالث عشر الميلادي). إنها بمثابة توجيهات أساسية لمعايير السلوك المستقيم والأخلاق الفاضلة التي ينبغي على الإنسان أن يستنبطها ويسلكها، ولم تتوقف أي ِّ من الرسالات الدينية بالإنسان عند حدٍ معين لا يتجاوزه بل سعت بالعكس من ذلك إلى أن تفتح له آفاقاً رحبة وتحمله المسؤولية كاملة في كيفية العبادة وفي تنظيم حياته، وهو حرٌّ لا رقيب عليه سوى ضميره ويشهد على ذلك ما جاء في الحديث النبوي الشريف: "خُذوا عني ما جئت به من أمور دينكم، وانتم اعلم بشؤون دنياكم " وكذلك رفض السيد المسيح الخلط بين الواجبات الدينية والواجبات الدنيوية حيث قال: "علينا أن نعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله ".
إن طمس الجوانب المشرقة في الديانات والمذاهب وإنكار طاقات المحبة والإبداع فيها يعكس توجه الفئات المتشددة من الناس التي أعطت لنفسها حق التحدث باسم الدين وخولتها صلاحية التعبير عما في قرارة نفوس الناس حتى شاركت سبحانه وتعالى في علمه بما في الصدور، وأسرفت هذه التيارات المتشددة في نشر مذاهب الكراهية والضغينة والحقد بين أبناء الجنس البشري، ومارست العنف والضغط لحمل الأفراد والجماعات على الالتحاق بمذاهبهم وتياراتهم ورفضت أي تعايش مع الديانات والمذاهب الأخرى، وكفرت المختلفين معها، واستمرت في تشويه الأديان عن طريق إنزالها من تنزيهها المتعالي إلى خضم الصراعات البشرية والأهواء وتضارب المصالح، واستغنت عن العقل والاجتهاد بحجة أن النص الديني ليس فيه للعقل مجال وان العقل عاجز عن إدراك أسرار العقائد وخفاياها.
تدعو مختلف الشرائع إلى الحب والرحمة والتسامح وتعتبرها سبباً لتعالي الإنسان، فقد جاء في الكتب المقدسة العبرية ما يدعو للنظر إلى الجميع بعين واحدة: "أحبوا جاركم كما تحبون أنفسكم" (لويتيسيوس19:18) وجاء في تلمود بليونيان: "اكره لجارك ما تكره لنفسك" هذه شريعة موسى كلها.
وتؤسس المسيحية نفسها على مذهب الحب والتسامح كما جاء في توصيات المسيح عليه السلام: "هذه وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكمُ، ليس لأحد حبٌ أعظمُ من هذا أن يضع احدٌ نفسه لأجل أحبائه " (إنجيل يوحنا/الإصحاح الخامس عشر). ولا تختلف عن بقية الرسالات في النظر إلى الجميع بعين واحدة: "فكل ما تريدون أن يفعلَ الناس بكمُ افعلوا هكذا انتم أيضًا بهم. لان هذا هو الناموس والأنبياء" (إنجيل متي/6). ومثل ذلك كان الإسلام يضع الحوار في صلب نداءاته: "ادعُ إلى سبيلَ رَبكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهُم بالتي هي أحسن أن ربك هَو اعلمُ بمن ضلَّ عن سبيله وهو اعلم بالمهتدينَ" النحل/25. وببيان واضح لا لبس فيه ولا غموض يحدد سبحانه تعالى مسؤولية رسله وأنبيائه، يحددها بالإنذار والتبشير والتبليغ فيخاطب رسوله الكريم: "فإنما عليك البلاغُ وعلينا الحسابُ" الرعد/40 وأعطت الرسالة المحمدية على ضوء نصوص القران حرية واسعة لاختيارات الإنسان وتدينه: "قل كلٌ يعمل على شاكلته فربكم اعلم بمن هو أهدى سبيلاً" الإسراء/ 84 ( شاكلته بمعنى دينه أو مذهبه). ولم تذهب مذهب الإكراه والقسر: "لو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" يونس/99 .
ونرى نفس هذه التعاليم، التي بنى المهاتما غاندي حياته عليها، تعاليم الهندوس: "إذا سقاك شخص ماء وسقيته في المقابل ماء، فهذا ليس بعمل مهم. الجمال الحقيقي هو أن تحسن لمن أساء إليك. الإنسان الشريف من ينظر للجميع بعين واحدة ويحسن لمن يسئ إليه" (السيرة الذاتية لغاندي). وأيضا جاء في التعاليم البوذية: "كما الأم تفكر بابنها الوحيد وترعاه على الدوام، يجب أن يفكر الناس بكل موجود حي ويهتم لأمره" (سوتانيباتا).
من تلك التعاليم والوصايا والنداءات نرى بان الأديان والمذاهب تستند إلى رؤية أخلاقية أساسية وعالمية يجسدها مذهب الحب، ولكن هل يلتزم المتدينون من هذا الدين أو ذاك بتلك الأخلاقيات السامية، وهل سيقدمون أنفسهم كنماذج إنسانية راقية، أي "أسوة حسنة" كما في التعبير القرآني، تتجاوز الانغلاق والإقصاء وتتخلى عن مذهب الكراهية والعنف وتطهر عقولها ونفوسها من البغضاء والضغينة والتعصب، وتنظر إلى الإنسان كقيمة بحد ذاته وتحترمه بغض النظر عن مشروطيته الدينية أو المذهبية أو العرقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عواطف الأسدي: رجال الدين مرتبطون بالنظام ويستفيدون منه


.. المسلمون في النرويج يؤدون صلاة عيد الأضحى المبارك




.. هل الأديان والأساطير موجودة في داخلنا قبل ظهورها في الواقع ؟


.. الأب الروحي لـAI جيفري هنتون يحذر: الذكاء الاصطناعي سيتغلب ع




.. استهداف المقاومة الإسلامية بمسيّرة موقع بياض بليدا التابع لل