الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا أتكلم لغتك فلماذا لا تتكلم لغتي ؟ مدخل لحوار الأثنيات في العالم العربي

حميد الهاشمي
مختص بعلم الاجتماع

(Hamied Hashimi)

2006 / 10 / 7
المجتمع المدني


سألني أحد الإخوة الأكراد المهاجرين إلى هولندا بمرارة، السؤال التالي: "يا أخي، لماذا نحن الأكراد نتكلم لغتكم العربية وانتم لا تتكلمون لغتنا الكردية" ؟؟
وطبعا هذا السؤال يحمل في طياته عمقا بعيدا وشؤونا وشجونا شتى. فمنها واقع العلاقة الإنسانية بين العرب والأقليات الإثنية الأخرى التي تعيش في كنفهم أو تشاركهم الأرض والثقافة، ومنها سؤال المواطنة والتهميش الذي عاناه ولا زال يعانيه البعض من هذه الأقليات، ومنها حرية التعبير عن الرأي و(جرأة) هذا السؤال الذي يعد من ضمن التابوات في معظم البلدان العربية، ومنها أيضا مكانة اللغة العربية ماضيا وآنيا ومستقبلا في ضوء المتغيرات الجديدة التي تشهدها المنطقة.

كان جوابي بسيطا لهذا الأخ الكردي، وهو عبارة عن سؤال معاكس، وهو: "من برأيك أفضل أنت أم أنا" ؟ فتعجب من السؤال؟
فكررته عليه بإيضاح، وإجابة، حيث قلت له طالما انك تفهم لغتي وأنا لا افهم لغتك، فانك أفضل مني، أي انك تتكلم لغتين من حيث المبدأ وأنا أتكلم لغة واحدة وهذه ميزتك عني، وهو فضل لك أن تفهمني بلغتي. فما كان من الأخ الكردي إلا أن انبسطت أساريره، وقال ما مضمونه إن هذه لهجة جديدة في الحوار لم أصادفها من قبل وهذه أعطتني ثقة بالنفس أكثر، بدلا من الشعور بالدونية مقابل الآخر التي كنت أتصورها. وانطلقنا في نقاش اتفقنا فيه على أن الشخص الذي يتحدث بأكثر من لغة هو امتياز له، وانه ممكن أن يوصل ثقافته ويدافع عن نفسه بأكثر من سلاح وان له قابلية البروز والنجاح والاستمرار أكثر من غيره.
وفي موروثنا العربي ما روي عن النبي (ص) انه قال: "من تعلم لغة قوم أمن شرورهم". وهذا امتياز ودافع لان تتعلم لغة أخرى.

وبعد أن عدل الأخ محدثي عن تصلبه عرج بنفسه طواعية للحديث عن اللغة العربية، ومزاياها وفضائلها، وتاريخيتها وعلاقتها الوثيقة باللغات الأخرى في المنطقة مثل الكردية والفارسية والامازيغية والتركمانية والتركية وغيرها. وإنها لغة القرآن ولسان أهل الجنة ..الخ
وخلصنا إلى أن تعلم أو تعليم العربية لا ينتقص من أبناء الإثنيات التي تتعايش جنبا إلى جنب مع العرب في هذه المنطقة.
إن تعايش اللغات واقترابها من بعضها، يقويها ويثري كل منها، ومتى ما كانت اللغة الكردية أو الامازيغية أو التركمانية أو غيرها من اللغات قريبة من اللغة العربية، فان ذلك يساعد في سرعة إيصالها وتفاعلها مع محيطها، كما أن المتحدث بها يسهل عليه تعلم وفهم اللغة العربية واللغات القريبة منها، ولا يعني بالضرورة أن تكون قوة اللغة (أية لغة) في تفردها بالحروف مثلا أو خلوها من مفردات أجنبية.
نجد هنا ومن وجهة نظر شخصية إن هذا الطرح ممكن أن يكون مدخلا للحوار والتفاهم بين الإثنيات والمجاميع العرقية في محيطنا العربي، ويفتح آفاقا للتعايش السلمي المشترك، ويخفف من حدة الاستقطاب العرقي والقومي والأثني السائد هذه الأيام بفعل حدة التغيرات والتحديات التي تشهدها المنطقة. ولا بد من الإقرار بان الأقليات المتشاركة مع العرب في الأرض والثقافة، عانت كثيرا من جهل الجاهلين ومن اضطهاد بعض الحكومات العربية سواء تحت لواء الدين أو القومية أو القطرية أو القبلية أو غيرها، الأمر الذي انعكس في حالة انكسار شديد وحمل عقدة الاضطهاد لدى البعض. وقد تم إسقاط هذا الأمر بصيغة كراهية وصلت إلى اللغة العربية. ويزيد جريان هذا التيار وشدة سرعته، المتغيرات والمفاهيم الجديدة التي اجتاحت العالم ووصلت إلى المنطقة وليس آخرها الحرب في العراق وما ترتب عليها.
فهناك ملفات الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري والتعليمي وغيرها، وهناك العولمة وأدواتها التي فتحت العديد من الأبواب والملفات، التي لم يعد الوقت يسمح لغض الطرف عن تداركها، وأدخلت الكثير من المفاهيم التي تتسع العالم اجمعه ولم يعد العالم العربي بمنأى عنها.
فمبدأ حرية وصول المعلومات إلى أي كان، وخاصة عبر تكنولوجيا الاتصال المختلفة ومنها الستالايت والانترنت، حركت المياه الراكدة في المنطقة وحرضت الكثير من الساكتين والمُُسكّتين عن أحوالهم، وبات متاحا للجميع أن يحاكي الآخرين أمثاله ويقارن أوضاعه. وأضحت مفردات من قبيل الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية شعارات يرفعها كل سياسي ومثقف ومتعلم وناشط اجتماعي.
وفي ظل هذه المتغيرات علينا نحن العرب أن نتدارك أمرنا في مجال مصالحتنا مع محيطنا، وترميم بيتنا، وتصحيح مساراتنا، وخلق لغة حوار جديدة مع أشقائنا وشركائنا من أبناء المكونات الأخرى لأوطاننا، تقوم على احترام هوياتهم الثقافية، ومنها لغاتهم وان يمنحوا ولو هامشا من الاعتبار قبل أن نصحو على مرحلة نجد فيها ردود أفعال انتقامية، أول ما تنصب على لغتنا العربية ابتدءا من استبدال حروفها، كما حدث حينما استبدل أتاتورك الحروف العربية باللاتينية، وكما استبدل الأذربيجانيون وغيرهم من الدول السوفيتية السابقة المستقلة حروف اللغة الروسية بالحروف اللاتينية و كما ينادي البعض الآن من الأكراد والتركمان والامازيغ باستبدال حروف لغاتهم بالحروف اللاتينية.
إن منهجا من هذا النوع يقوم على أساس التخفيف من عقدة المركزية والتفوق لذواتنا، واحترام الآخر باعتباره شريكا ومساويا يعطيه إحساسا أقوى بالمواطنة ويقطع الطريق على جهات خارجية ستفرض علينا أي نوع من الإملاءات، ونخسر فيها الأشقاء قبل الأصدقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخبر فلسطيني | تحقيق أممي يبرئ الأونروا | 2024-05-06


.. مداخلة إيناس حمدان القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في




.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل