الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا توجد إمرأة عاهرة بل مجتمعات عاهرة

اتريس سعيد

2022 / 12 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لم تُوسَم شريحة إجتماعيّة بالخزي والعار و الشر والفسق مثلما وُسِمَتْ العاهرات ولكن لا بدّ من معرفة أنّ العاهرات كنّ ولا يزلن يلعبن دوراً حيويّاً يساهمن من خلاله في ترميم خلل موجود.
وقبل أن تبدأ علامات الإستفهام والإتهامات بالظهور، أوضّح ما أرمي إليه، إذا أهملنا كلّ التعاليم الدينية و التقييمات الإجتماعية والثقافية والأخلاقية والأحكام العقلية التي تضع العاهرات في أسفل سلّم الإنسانية الموهوم، وإذا ما تركنا مؤقتاً الجانب غير الصحّي في مسألة العهر وتحديداً التعاطي مع الجسد كسلعة، إذا تركنا جانباً كلّ هذا، فإننا سنلتفت إلى ما لم يُلتفت إليه، سنفكّر فيما ليس مفكّراً فيه، و قد لا يدرِك ذلك إلا من عاش تجربة معينة مع عاهرة أيقظت شيئاً ما كان غامضاً لديه وقسره على إعادة حساباته مع نفسه ومع الحياة ومع المجتمع والتاريخ.
في مجتمعاتنا العربية (مثلا) نعلن تكفيرنا، نبذنا، تحقيرنا، لكلّ عاهرة، لكننا نخفي (أقصد هنا الذكور على الأغلب) إعجابنا، شوقنا، متعتنا، راحتنا، لذتنا، سعادتنا المؤقتة وغير المؤقتة التي تحققها لنا العاهرات، فـ(المجتمعات المهووسة بالجنس هي الأكثر تحريماً له) على حدّ تعبير الفيلسوف "ميشيل فوكو".
في هذه المجتمعات التي تحرّم الجنس وتحيطه بجبال من الوصايا والتحذيرات، تلعب العاهرات دوراً في ترميم الخلل النفسي والإجتماعي النّاجم عن الكبت الجنسي والذي يطال تأثيره كافة ميادين الحياة الإجتماعية و الإقتصادية والدينية، يتنكّر بعض أو أغلب الذكور في مجتمعاتنا عادة للمتعة التي قدّمتها لهم العاهرة، لفضلها حينما حرّرتهم من كبتهم الجنسي يوماً ما، يقتلهم الخوف من كلّ هذا الوضوح لديها، من كلّ الأسرار المفضوحة، لطالما حاولت العامّة بكلّ ما لديها من قوة وأساليب مخادعة أن تنزل الستار على هذه الأسرار، فيركض بعض الذكور هاربين إلى حضن زوجة مقدّسة وهي و العاهرة على حدا سواء لأنها أخذت ثمن فرجها بطريقة مقدسة أو يتوهم المجتمع أنها مقدسة لكنهم فيما بعد قد يكتشفون وهم القداسة فيرغبون بالإنعتاق من ألوهيّة الزّوجة المقدسة، يهربون من سجنها خلسة ليعودوا إلى الحياة، إلى العاهرة التي عاشوا معها لذة حيويّة، لم يتذوقوها في القداسة، وهكذا يتأرجحون بقلق مستمر بين الحياة والقداسة، بين المتعة والواجب، يصعّدون وتيرة نبذهم للعاهرة كلما إزدادوا يقيناً أنها المتعة التي لا يمكن الأنفكاك عنها، قد يرحلون عن بلادهم، يسافرون للبحث عنها في كلّ أصقاع الأرض، فالعاهرة غجريّة، حياة، ترفض الجغرافية والحدود.
العاهرة إذن ليست بالشر المطلق، كما أنها ليست بالخير المطلق، فلنعترف أنها إنسانة تحتمل الشر ونقيضه، والإنسان بالنهاية ليس ملاكاً ولا شيطاناً، بل الملاك والشيطان كلاهما من صنعه، وإنْ كان لا مهرب من الحكم على العاهرة بـ "الفاسقة" فلنطلق هذا الحكم أيضاً على الرجال الذين يشربون من مياه "الفسق" هذه! ويبقى الإنسان أهم من كلّ حكم وإعتبار.
إنْ كنّا لا نريد توازناً نفسيّاًّ وإجتماعيّاً قادماً من العاهرات، فلنتحرّر إذن من عقدنا الجنسيّة ولنفكّر في الجنس على أنه عنصر حيوي طبيعي، دون أن نقولبه بأعراف مريضة، أو تعاليم دينية ممسوخة، أو ذاكرة مترهّلة لعبت بأبجديّة الجنس الأوليّة صانعة منها صفحات مسطّرة بجمل مشوّهة لا معنى لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة