الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأس العالم والتبشير بالإسلام

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2022 / 12 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا أعلم ما هو ذلك الهوس الديني في كأس العالم بقطر 2022 وهل شهدنا من قبل أن ألمانيا صنعت هوسا مسيحيا في مونديالها عام 2006 ؟ وهل صنعت كوريا واليابان هوسا بوذيا شنتويا في مونديالهما سنة 2002؟ أم صار هذا الاحتفال المونديالي على حاله كملتقى إنساني عالمي؟

لكي نقارب المسألة بشكل صحيح علميا فقد يكون الرد المنطقي على ذلك أنه ليس لأن الهوس الديني لم يتحقق من قبل فلا يعني أنه خطأ عندما يحدث في قطر، نظرا لأن مونديال العالم لهذه السنة حدث لأول مرة في التاريخ ببلد إسلامي عربي، فكان لابد من إظهار الطابع الديني والهووي للبلد المضيف من ناحيتين، الأولى وهي: حفظ الهوية العربية والإسلامية ضد القيم الغربية وأخلاق العولمة الغازية، والثانية: أنها فرصة كبيرة لن تتكرر ولن تعوض لنشر تعاليم الإسلام أو كما يدعي البعض نشر الإسلام بطريقة صحيحة بعيدة عن المغالطات

لكن الرد على ذلك يكمن في استفسار هام، متى كان الإنسان مستعدا لقبول الجدل الديني والنقاش في شأن المعتقدات وهو في (حدث ترفيهي بحت)؟..وهل يصح القول أن دعوة الناس على الشواطئ أمر عملي سوف يحبب الناس في الدين؟..وهل وقف أهازيج الموسيقى والغناء والرقص في الحفلات لتُعلى صيحات الخطباء والأئمة؟..نحن ورثنا القاعدة العرفية الهامة وهي أنه "لكل مقام مقال" فلا يصح أن نوقف احتفالات الناس بالزفاف ونذكرهم بعذاب القبر أو جهنم، هذا سوف يقضي فورا على فرحة الناس بالحفل، وبالقياس يمكن فهم ما يحدث الآن من هوس ديني في مونديال قطر أنه خلط بين المقامات وتشويه لسمعة الدين الإسلامي العظيم بتصدر بعض الدعاة المتشددين وتجار الدين هذا الحدث الترفيهي الكبير الذي يعد أكبر حدث ترفيهي عالمي يشهده المليارات للاستمتاع بلذة المنافسة ومتعة الفوز وتحدي الخسارة..

البعض يقول أن الشيخ ذاكر نايك حضوره مطلوب لكونه أجنبيا يعرف ثقافة القوم، وهو شيخ مشهور بالمناظرات الدينية والجدل العقائدي..لكنه في ذات الوقت مطلوب أمنيا من دول كثيرة أبرزها الهند وبنجلاديش بتهم تتعلق بغسيل الأموال والإرهاب، وممنوع من الخطابة والإمامة في ماليزيا منذ عام 2020 لأسباب تتعلق بتحريضه على 40% من المجتمع الماليزي من سكانه البوذيين والمسيحيين والهندوس، وفي ذلك وقفة مميزة لابد من الانتباه إليها، وهي ملاحظة جديرة بالاهتمام والدراسة ملخصها أن أكثرية المناظرين ضد اﻷديان والمذاهب اﻷخرى تجدهم من المتطرفين والتكفيريين ودعاة الكراهية ، بينما من يهتم بالتسامح والتعايش لا يهتم بالمناظرات أصلا.

الأمر له بعد فلسفي ..فالذات التي لا تستجيب للآخر في المناظرة وتصر على إفحام الخصم مهما حدث حتى لو تبين أنها مخطئة.. تملك في داخلها كم كبير من التمرد والعناد والرفض..هذا له تأثير لديها في البعد الديني ثم يدفعها ذلك إلى التكفير وربما التحريض..والسبب أنها تضطر للتفكير من داخل الصندوق لصناعة التمييز..ولمزيد من اﻹثارة تستعين بحشد القطيع والدهماء كإجراء دفاعي لإثبات هذا التمييز ضمن أحداث المناظرة، والسبب أن رأي القطيع دائما من داخل الصندوق فيأتي رأي المناظر في العادة موافقا لرأي القطيع، وهذا كان سبب وعامل مساعد في الاضطهاد الديني..فكل جريمة دينية سبقتها في الغالب فترة تناظر مبنية على اﻹفحام لا القبول والسعة كما هو مفترض في الندوات والحوارات الهادئة...

لذلك كان رأيي منذ 12 عام أن القنوات الدينية المنظمة لتلك المناظرات تقوم بنفس الدور الذي يقوم به خطيب الفتنة في الجامع..كقنوات المستقلة وصفا وفدك ثم وصال وغيرها..لاحظ أن أغلب المتناظرين على تلك القنوات أصبحوا زعماء للفتنة المذهبية الحالية..بل بعضهم حشد المجاهدين للحرب في سوريا والعراق..

إن معرفة الحقيقة الدينية لا تأتي باﻹفحام والتكفير والرفض..بل تأتي بالحوار الهادئ المبني على التسامح..ويجب قبل كل شئ امتلاك المحاورين ملكة العقل واﻹلمام بتراثهم الديني...وبكل وضوح هذه الشروط غير موجودة عند أغلب المشايخ، أما الذي يحدث اﻵن بتصدر متطرفين وتكفيريين ساحة التناظر يعني تأسيس لفتنة جديدة وحشد القطيع باتجاه جديد..وبعد ما يفرغوا من سوريا والغرب المسيحي..لا نعلم ما هي وجهتهم القادمة، ففي الأمر لذة ومتعة انتصار وقتية لا تتعدى حواجز الزمان والمكان ، ولنشوة الافتخار بالهوية التي نرضيها بكم كبير من الزيف والمعلومات الخاطئة، ذلك لأن العامل الأكثر إثارة في المناظرات والذي يفشلها دائما ويجعلها سببا كبيرا للعنف المستقبلي هو "رجل القش" وهو خطأ منطقي شهير يقع فيه المتناظرون الذين يدخلون بنوايا الإفحام لا بنوايا التواصل والمعرفة وهم مسلحين بكمّ كبير من الصور الذهنية الخاطئة عن خصمهم مما يؤدي لحدوث صدام وعنف حتمي..

وإن غاية ما يملكه رجل الدين أنه يقول ما يُرضي الناس، فهو مقيد بجمهوره في الزمان والمكان المحدود، فإذا كان سنيا بمجتمع شيعي تحول لداعية تقريب مذهبي والعكس صحيح، لكن فورعودته إلى بلده يعود للطعن في مذهب الخصم وإيهام الناس بأنه منتصر وأن دعواته للتقريب في الماضي لأن مذهبه لا يرفض التسامح، وهكذا يحدث الفارق بين القول والعمل ويتحول تجار الدين إلى آلة عنف وكراهية دينية مستعرة إذا أخذوا حريتهم في التحريض مثلما يريدون، مما يعني أن قوة السلطة بإمكانها تحجيم دعاة الكراهية ووقفهم للأبد إذا شاءت، أو تقييد نفوذهم في الوصول للجمهور مع الاحتفاظ بقدر قليل من الحضور الديني لهم بدعوى ضرورة بقاء الهوية وعدم إشعار الأغلبية بالخطر الذي يتهدد معتقداتهم..

أختم بأن الإيمان هو شعور ذاتي وتجربة شخصية، وحرص بعض المؤمنين على هداية الملحدين أو المسلمين على هداية المسيحيين والعكس يعني اعتقادهم أن الدين منتج نهائي واضح المعالم بحاجة لاكتشافه، هذا غير صحيح..النبي إبراهيم عليه السلام نفسه كان متشككا في قدرة الله وأنزل الله عليه إعجازا لتقوية إيمانه، ثم هناك أشخاصا متفتحين يصلح معهم الحوار، إنما الأغلبية لا يصلح معهم ذلك، وأذكر أنني عندما أناقش ملحدين فليس بدافع إقناعهم بالإسلام، بل شرح لوجهة نظر دينية مخالفة لتصورهم عن الإيمان الذي فهموه من الجماعات الإرهابية، فكانت ردة فعل البعض منهم عنيفة صادمة والبعض الآخر متشكك والبعض متقبل للطريقة لكن مختلف في التفاصيل..الفئة الأولى تصورت أنني أفرض عليهم إيماني..والثانية تصورت أنني أشككهم في قناعاتهم، والثالثة فهمت ما أصبو إليه واكتفت بالتفاعل وتسجيل اعتراض خفيف..

نحن مجتمع يعيش على ثنائية (العادة والمصلحة) ليس بثنائية (النقد والمعرفة) أي أن لجوء العرب لإقناع بعضهم بالإيمان أو الإلحاد هو في حقيقته تطويع للعُرف والمصالح الشخصية أكثر من كونه بحثا عن الحقائق بتجرد..لذا فطبيعي أن يخرج تاجر دين يزعم أنه دعا مشجعين كأس العالم للدخول في الإسلام فأٍسلموا في (نصف ساعة) وهذا لعمري لم يحدث ولن يحدث في تاريخ البشرية إلا إذا كان هذا الداعية مغفلا ونجح الآخرون في استدراجه وكسب الأموال منه بدعوى الإسلام، ثم يعودون لدينهم ومصالحهم فور تحط رحال الطائرة في مطار دولتهم.

إن التحوّل الديني يحدث في الواقع بطريقة مختلفة وعلى أشكال متنوعة، ومن هذه الأشكال التحول الجماعي، ويحدث حين تفرض سلطة نفسها على مجموعة وتأمرهم بالتحول أو العقاب..فيحدث التحول أولا بطريق الجبر والقمع ثم يتطور هذا التحول عند الأحفاد بطريق القناعة والموروث والعُرف، أي أن ملايين ممن انتسبوا لدين ما ويقتنعون به ليس دليلا على أن أجدادهم الذين تحولوا كانوا بنفس الطريقة، إنما التطور الزمني له قوانين وإسقاطات على الإنسان والواقع ، أما من يتحول بطريقة فردية فالأمر يحدث بمنتهى الصعوبة والقسوة حيث يعاني من الصدمات والتجارب ويكون هذا الشخص باحثا عن الحقيقة أو ثائر على معتقده القديم أو متشكك فيبحث عن الحقيقة حتى يصل إليها بمفهومه النسبي فيحدث الانتقال، وهذه العملية تحدث في سنوات وليس في نصف ساعة..

إن تحويل كأس العالم لمناسبة تبشيرية دينية لهو من أكثر الأمور التي شوّهت الدين الإسلامي وخلقت له أعداء ، فالمحتفلون في حلِ من الجدل الديني وإنفاقهم الأول كان للمتعة وليس للبحث عن الحقيقة أو إشغال أنفسهم بجدل عقائدي هم في بلدانهم الأصلية يفتقدوه لأن علمانية دولهم كفلت حرية الاعتقاد والتعبير، فلم يحدث هذا الجدل لديهم بشكل عنيف حتى يصبح علامة بارزة تدهشهم أو تصنع لديهم شغفا لمعرفة عقائد جديدة.

كذلك ينبغي التفريق بين فكرة نشر الدين وفكرة التجارة بالإسلام تحت زعم نشر الدين، فكثير من الإرهابيين والجماعات يدعو حرصهم على نشر الإسلام ، ومواقعهم تعج بأخبار زعمائهم ودعاتهم ورموزهم الروحية في هذا النشاط، ولمن لا يعلم فالجانب التبشيري في المعتقدات يحصل على شعبية كبيرة تؤهل المبشرين لتصدر المجتمع والحصول على الثقة المطلوبة ومن ثم إيجاد وخلق الداعمين ورجال الأعمال الذين ينفقون بسخاء على هذا النوع من النشاط، لكنه يبقى في الأخير تجارة بالدين تحت ستار نشر الإسلام وأهدافه معروفة تتلخص في رغبة هؤلاء بالصعود السياسي والاجتماعي ، فللأمر أبعاد مادية ومصالح دنيوية بعيدة تماما عن دين الله الحقيقي الذي أهمله هؤلاء والذي يدعو بوضوح أن يكون المسلم قدوة بالأخلاق الحسنة والنجاح، فالناس مهما بلغ بها الغباء فهي لا تقلد فاشلا بل ناجحا، وأن يكون داعية سلام وتسامح لا أن يدعو لدينه في ظل مهاجمته وتشنيعه على معتقدات الآخرين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا على هذه الاضآءة
سمير أل طوق البحراني ( 2022 / 12 / 2 - 05:38 )
اخي الكريم بعد التحية. نحن في القرن الحادي والعشرين وكلنا بعيدون كل البعد عن المؤسسين ولا علاقة بيننا وبينهم الا بما ورثناه من الآبآء والاجداد والذي لا يستطيع اي احد ان يثبت صحة معتقده مهما حاول لان ايدي التحزبات والغلو والتطرف قد اخترق جميع الاديان كما ان الاديان في هذا العصر يجب ان تكون شان شخصي لا علاقة به بشئون الحياة وان الله كلي القدرة والخالق لكل الكآئنات لا يحتاج لمبشرين عنه ولا مدافعين ولا شك ان جميع المجتمعات كيفته حسب البيئة التي نشات فيها لا غير.ماذا يضير المسلم من اصحاب الاديان الاخرى ان التزم هو بما يعتقد؟؟. لا شيء ان الاديان اصبحت مجالا واسعا للسيطرة باسهما لا غير لذى يجب على العاقل الابتعاد عن هذه الترهات وسوى كان مسلما ام هندوسيا او بوذيا او مسيحيا لا يغير في الامر شيء. الواجب على جميع البشرية الالتزام بدين الانسان فقط وهي القوانين المتفق عليها بين البشر. لا احد من المسلمبن يحكم باسم الخلفاء الراشدين ولا باسم اهل البيت والذي يدعي ذالك فهو واهم وانما هي السياسة وفنونها لاستعباد البشر. اما المنظمات الارهابية التي تدعي الدفاع عن الله هي جاهلية الفكر والجهل فنون. شكرا لك