الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يقرر مصير مركز خليل السكاكيني الثقافي

مهند عبد الحميد

2022 / 12 / 6
المجتمع المدني


أبلغت وزارة الثقافة مركز خليل السكاكيني بقرار استلامها مبنى المركز بصفتها المالك الرسمي له، وذلك بالتزامن مع انتهاء عقد الاستخدام في نهاية العام 2022، وفي الوقت ذاته وقعت وزارة الثقافة عقد تأجير المبنى مع اتحاد الكتاب، ابتداء من تاريخ الانتهاء، وأبلغت الوزارة إدارة مركز خليل السكاكيني أنه بإمكانها استخدام جزء سفلي من المبنى لمدة سنة.
للوهلة الأولى يعتقد المراقب أن هذه العملية عادية، من زاوية حق المالك باستلام المقر بعد نهاية مدة الاستخدام، وتأجيره لطرف آخر. ولكن في الواقع، لا ينظر لقرار وزارة الثقافة من زاوية واحدة فقط، زاوية مالك عقار ومستأجر ومدة صلاحية الاستخدام المنتهية. مركز خليل السكاكيني كان جزءا من بنية تحتية لثقافة فلسطينية سعت أول سلطة فلسطينية إلى تأسيسها بعد انسحاب دولة الاحتلال من المدن الفلسطينية. وكان جزءا من مشروع ثقافي وطني هدفه التحرر من قبضة الاحتلال وتحويل الثقافة الى رافعة استنهاض وبناء.
قرار وزارة الثقافة يعني عمليا وضع نهاية كئيبة لمركز ثقافي فلسطيني ارتبط باسم المربي والمثقف الفلسطيني خليل السكاكيني، أحد أهم رموز التنوير والحداثة والتحرر في فلسطين، ويعني إغلاق وتعطيل رافد من روافد الثقافة الفلسطينية. لا أحد يتخيل ان وزارة الثقافة المسؤولة عن تطوير ودعم واحتضان المراكز الثقافية، تسعى الى إغلاق هذا المركز، وتحويل وظيفته الثقافية الى وظيفة إدارية بسقف تحسين شروط مسؤولين، والانتقال من دور ترويج الثقافة وتنمية الفنون والمهارات الابداعية ورعاية المواهب الجديدة، الى دور إداري بيروقراطي وعلاقات عامة، في الوقت الذي تملك فيه وزارة الثقافة عمارة كاملة كمقر لها، ويوجد مقر خاص باتحاد الكتاب. لا أحد يتخيل بأن يافطة خليل السكاكيني ستزال وتستبدل باسم مكتب وزارة الثقافة ومكتب لاتحاد الكتاب. او بقاء اسم خليل السكاكيني شكلا وإزالة وإبطال المضمون والدور الثقافي للمركز. لا احد يستطيع تجاهل ان هذا المركز جرى تقديمه كمشروع ثقافي عام تحت مسمى خليل السكاكيني وعلى هدى افكاره التربوية التنويرية؟وان الدعم والتغطية المالية من الدول المانحة جاء على هذا الأساس فقط.

قد يقول البعض أن وزارة الثقافة سمحت سابقا بأن تتشارك مجلة الكرمل ورئيس تحريرها الشاعر محمود درويش مقر خليل السكاكيني ، وبالمثل يجوز للوزارة أن تسمح راهنا لاتحاد الكتاب ولنفسها بالوجود داخل المقر. ثمة انسجام في المرة الاولى، كون مجلة الكرمل كانت منبرا للثقافة والمثقفين، وقد أغنى الشاعر ومجلة الكرمل بوجودهما وعلاقاتهما هذا الرافد الثقافي. حين أنشئا جسرا لعبور المثقفين العرب والعالميين الملتزمين بقضايا الشعوب الى فلسطين. مقابل قبول اتحاد الكتاب حاليا أن يكون بديلا للمركز، والذي تجمعه علاقة مع اتحادات كتاب بيروقراطية مدافعة عن أنظمة مستبدة وشمولية. بالمقارنة بين الحالتين شتان بين مثقفين مدافعين عن الشعوب ومثقفين مدافعين عن الانظمة.
يبقى سؤال، هل يجوز إطفاء مركز خليل السكاكيني الذي رفد الثقافة خلال ربع قرن ويزيد؟ للبت في مشروعية أو عدم مشروعية قرار وزارة الثقافة، يلزم العودة الى أبرز الادوار التي اضطلع بها المركز: حدد المركز أربعة برامج وعمل على تنفيذها وهي : برنامج الأرض، وبرنامج الفنون البصرية، وبرنامج الأدب، وبرنامج الشراكات والاستضافات. وقدم المركز منذ العام 2020، 6 معارض فنية 3 منها للفنون البصرية -برغم كورونا -و عمل مع 200 مثقف وفنان، وجرى تنظيم فعالية ثقافية، والعمل مع 50 مؤسسة شبابية، وشمل التفاعل الثقافي والفني شريحة تقدر ب 6 آلاف شخص.، وأنشأ المركز مساحة سوق زراعة عضوية لترويج منتجات المزارعين تجسيدا لسياسة الاعتماد على الذات ومقاطعة سلع دولة الاحتلال. وأسس المركز نادي كتاب السكاكيني، ومختبرا للمسرح، وأطلق حملة التمويل الجماعي لدعم برامج المركز. فضلا عن عروض الموسيقى والامسيات الشعرية، وإطلاق الروايات والكتب وتنظيم عروض مسرحية. ومن أبرز نشاطاته "معرض المعرض" حول المعارض العربية التي أقيمت في مدينة القدس في ثلاثينات القرن العشرين وجلبت معها حرفا وصناعات من أنحاء العالم العربي. ونظم المركز حفل الموسيقى لطلبة من مختلف المستويات والاعمار الذين عزفوا مقطوعات تعلموها استنادا لنظريات الموسيقى والتأليف، على آلة التشيلو والبيانو.
والمركز يستلهم مبادىء خليل السكاكيني وهي : التأمل ، والتجربة، والمجاورة، ويعمل على هديها في أنشطته مع الاطفال لتكون مرافقه وحدائقه مساحة يشغلها الاطفال والفئات الشابة من خلال التعلم والابداع وطرح الاسئلة والتفاعل مع المجتمع . وغير ذلك من نشاطات وبرامج عديدة شغلها المركز والتي أقل ما يقال عنها أنها جزء من ثقافة متحررة ونقدية منفتحة داخليا وخارجيا.
بفعل الدور والنشاط أصبح مركز خليل السكاكيني جزءا من حياة الكثيرين في مدينة رام الله، مئات وآلاف ممن حضروا الفعاليات والانشطة يشهدوا على ذلك، ولا أعتقد قبولهم بوضع هذه النهاية المأساوية لعلاقتهم الحميمة مع المركز ورمزه الاول خليل السكاكيني، ورمزه الثاني محمود درويش. الموضوع ليس حقوقيا ولا يقتصر البت في مصيره على وزارة الثقافة وعلى الطامعين في وراثة المكان. مصير مركز خليل السكاكيني شأن عام يخص نخب الفن والثقافة الفلسطينية في الوطن وخارجه وشأن جماهير الفن والثقافة وكل الذين شاركوا في أنشطة المركز، وشان كل المدافعين عن التراث الوطني والرموز الثقافية.
وكما جرت العادة بتجديد العقد بعد انتهاء مدته انطلاقا من الحرص على تنمية الثقافة، مطلوب الآن تجديد العقد لمركز خليل السكاكيني، والتوقف عند ضرورة دعمه وتطويره ودعم وتطوير المراكز الثقافية الاخرى والدفاع عنها في لحظة الهجوم على الثقافة والتضييق عليها من قبل قوى التعصب والمحافظة والانغلاق. لا شك في ان مصير مركز خليل السكاكيني بحاجة الى تدخل المستوى السياسي للحيلولة دون تنفيذ قرار وزارة الثقافة، وقبل كل ذلك بحاجة الى تدخل المراكز الثقافية والاكاديمية وتدخل التنظيمات السياسية وامتدادها في اتحاد الكتاب من أجل التجديد لمركز خليل السكاكيني. وبحاجة لتدخل اللجنة المركزية لحركة فتح التي يحدث هذا النوع من التقهقر باسم تنظيمها!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كم عدد المعتقلين في احتجاجات الجامعات الأميركية؟


.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين




.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في


.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال




.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال