الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عُقْدَة أبولهب

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 12 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مثل عُقدة أوديب، يحمل الإسلام منذ ولادته عُقدة اسمها ’أبولهب‘. هذا الرجل- القريب إلى النبي من الدرجة الأولى- يؤدي دوراً محورياً لا يقل عن دور ابن أخيه ذاته في نشأة الإسلام واستمراريته حتى اليوم- "تكثيف" مشاعر الكراهية والعداء لدى الجماعة. ثم يتكفل ابن أخيه- وفيما بعد المتحدثون باسمه- بـ"توظيف" هذه المشاعر المكثفة ضد من يريدون. النبي يحتاج إلى أبولهب حاجة الله إلى إبليس، والنور إلى الظلام، والميلاد إلى الموت، والخير إلى الشر، والقطب الشمالي إلى الجنوبي- لكي تكتمل الحلقة وتدور عجلة الحياة. لولا أبولهب، ما كان النبي؛ أو أن حاجة النبي إلى أبولهب هي حاجة وجودية: ما هي حاجتنا إلى الأنبياء- أو الآلهة- لو كان العالم خالياً من شر أمثال إبليس وأبولهب؟

ينتمي الإسلام إلى شجرة الأديان الإبراهيمية التي قد نبتت وترعرعت في البقعة الجغرافية ذاتها من العالم وتشكل اليهودية والمسيحية والإسلام الأفرع الثلاثة الرئيسية منها. ولكونها قد نبتت ونضجت عبر آلاف السنين من الحياة والتطور في هذه الأرض ولم تنزل من السماء مكتملة دفعة واحدة في صورة معجزة كما يصورها أتباعها، كان طبيعياً أن ترث سمات وخصائص بيئتها الطبيعية والبشرية والثقافية الممتدة عبر آلاف السنين في هذه المنطقة تحديداً. وكان من أبرز هذه الخصائص، محل تركيزنا هنا، الارتباط الوثيق فيما بين السلطة والدين لدرجة أن أغلب أنبياء هذه الشجرة، حتى مؤسسها إبراهيم ذاته، كانوا يجمعون في شخصهم كلا سلطتي الحكم والدين معاً وسط جماعتهم من المؤمنين بهم. وبناء عليه، اجتمعت هذه الشجرة الدينية على وجه الخصوص على صفة أساسية مشتركة بينها جميعاً: الرغبة الفطرية في التوسع الجغرافي المطرد (ما نسميها اليوم باللغة الحديثة "الدعوة" أو "التبشير"). هذه الرغبة التوسعية (الدعوية أو التبشيرية) مردها الأساسي إلى سلطة الحكم، لا إلى الدين بحد ذاته.

في الحقيقة، قامت الأديان الرئيسية الثلاثة فوق أساس ميثولوجي مشترك واحد، وخَصّت بالعبادة الإله نفسه. ورغم أن الإسلام يشترك ميثولوجياً أكثر مع اليهودية منه مع المسيحية، إلا أن الأول والثانية قد سلكا واقعياً مسارين متباعدين كثيراً. ففي حين بقيت اليهودية ديانة مغلقة على القومية اليهودية فقط، توسع الإسلام انفجارياً ليبتلع كل قوميات وعرقيات العالم تقريباً. ومرد هذا المسار التطوري المتباين يعود إلى سبب أساسي بارز: اليهودية كدين، بسبب ظروف تاريخية معينة، لم تتهيأ لها فرصة التزاوج بسلطة الحكم طيلة عمرها الأقدم من كل من الإسلام والمسيحية. ومع أن الإسلام كان أكثر بعداً من الناحية الميثولوجية عن المسيحية مقارنة مع اليهودية، إلا أن الاثنان عادا ليتلاقيا واقعياً على أرض التاريخ بعدما اجتمعت المسيحية بسلطة الدولة الرومانية، ليبلغا ذروة التشابه والتنافس والصراع في حقبة "الحروب الصليبية". في تلك الحقبة، أصبحت الديانتان الإبراهيميتان الشقيقتان شيئاً واحداً والشيء نفسه تقريباً، ما تسبب في صراع وجودي مميت بينهما. وذلك لأن ارتباطهما بالسلطة الحاكمة كان قد بلغ أوجه، ومن ثم الرغبة المسعورة في التوسع المطرد من كلا الجانبين. لذا، حين ضاقت بهما الأرض اتساعاً، كان لابد لأحدهما أن يقضي على الآخر لكي يواصل التوسع.

نحن البشر نحتاج الكراهية والعدوان لكي نحكم سلطتنا ونتوسع، لاسيما إذا أردنا أن نتوسع باطراد. وربما كان ذلك بالضبط هو ما أراده محمد ابن عبد الله من وراء "دعوة الإسلام". كان المجتمع آنذاك متسامح ومتعدد الأديان لدرجة أن كل شخص كان يصنع أو يختار إلهه لنفسه. ولم نسمع عن أي حرب دينية بين القبائل، أو فتنة داخل نفس القبيلة بسبب مخالفة أي من أفرادها لدين الآباء. في أسوأ الأحوال كانت القبيلة تنبذ المخالف وترفع حمايتها عنه، لكنها تتركه يمضي في حال سبيله ليؤسس لنفسه وطناً آخر وقبيلة بديلة. وهذه بالضبط هي العقوبة التي قد أوقعتها قريش فعلاً بحق ابنها المخالف. وكان من الممكن أن تنتهي هذه الواقعة، كما انتهى ما لا يحصى قبلها من وقائع مماثلة، عند هذا الحد وتضيع في طي نسيان التاريخ. لكن النبي كان شخصاً من طينة أخرى غير جميع من قد سبقوه في هذا الصدد. هو ما كان يريد مجرد "دين" جديد يُضاف إلى عديد الأديان القائم؛ بل أراد "التوحيد"- تحديداً وحصراً. وهذا لا يتحقق من دون القضاء أولاً على "التعدد" القائم. ولكي يتحقق التوحيد لابد من "سلطة" تفرض- طوعاً أو كرهاً- الاتساق والوحدة على الجميع. هذه السلطة لا تقوم بغير "القوة"، التي بدورها لا تقوم ولا تستمر بغير الكراهية والعدوان المتواصل ضد المنشقين والمخالفين- ضد كل من هو "آخر" غير منتمي إلى الجماعة المؤمنة. وحتى تستمر نار الكراهية والعدوان مشتعلة، لابد لها من حطب متجدد. هذا الحطب قد وفره ولا يزال "أبولهب".

مثل عُقْدَة أوديب، كانت عُقْدَة أبولهب حاجة غريزية فطرية في الدين الإسلامي من أجل النمو والتوسع في مراحله التكوينية المبكرة. لكنها عندما تلازم المرء إلى ما بعد سن البلوغ والرشد، تتحول إلى حالة مرضية تستدعي العلاج- وفي حالة الإسلام، الإصلاح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رضي الله عنه
انور نور ( 2022 / 12 / 10 - 15:27 )
سيدنا - أبو لهب - رضي الله عنه , كان مناضلاً شريفاً , جاهد ضد دواعش عصره : الصلاعمة وكبيرهم : الصلعوم الأكبر الشرير - نزيل جهنم - مؤسس الصلعمة والأب الروحي لدواعش عصرنا
رضي الله عن - أبو لهب - وعن زوجته السيدة أم جميل - أم المناضلين الشرفاء

اخر الافلام

.. 116-Al-Baqarah


.. 112-Al-Baqarah




.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟