الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسس الديانة العراقية القديمة ح 7

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 12 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


هذه الفكرة الشبه متكاملة بأعتقادي عن العالم الأخروي أو أرض العودة تمثل مع قدمها وأصالتها الرؤية المنطقية التي يجب أن ننظر لها بواقعية، فبعد سبعة ألاف سنه من تبلورها أو ظهورها كمعتقد نجد أن المنطق العلمي والعقلي الواقعي يعزز من حضورها |لأسباب كثيرة، منها على سبيل المثال أن الكائن الحي وبعد أن تنتهي دورة حياته الطبيعية يعود للوعاء الأول القديم الذي جعل منه، يعود للأرض بشكل مواد أولية تتحلل وتنفذ مع مكونات التربية لتدور في دورة ثانية وثالثة وربما لا نهائية طالما أن الوجود لا يتوقف، البعض يتحجج بأن الله قال أنه قادر أن يعيد الموتى ووصل الجزم إلى درجة تسوية البنان، الحقيقة أن القدرة الإلهية لا نشك فيها عندما ننظر لها وفق قوانين العلم الإلهي والمنطق الإلهي.
العلم النظري والعملي بأصوله هو جزء من المنطق الإلهي ولا يمكن أن يكون إلا جزء منه، هنا لا يمكن أن يكون علم الله متناقض أو متعارض بعضه مع البعض، الله خالق نعم لا جدال في هذا الأمر، والامر في الخلق معروف "ليبلوكم أيكم أحسن عملا"، لا يريد الله منا أن نكون أكثر من عمال جيدين ننفع وجودنا وأنفسنا وأن نعمر الأرض، إذا ما قيمة أو أثر أن يحاسب الإنسان على عمل مضى وأنتهى ورتب أثاره ونتائجه قبلا وفي عالم أخر لا ينفع فيه الحساب وفق القاعدة السابقة ولا يؤثر بموازين العمل الصالح، نعم يمكن أستخدام الوعد والوعيد للحث على الإصلاح والعمل الصالح، أما تنفيذيا لا يمكن أن يكون نهاية البشر جنة ونار لا قيمة لهما في صنع الواقع الذي خلقه الله ليكون البيئة التي يجب أن يبدع ويعمل فيها الإنسان ليكون عنصر نافع.
إذا كانت عقيدتهم في الحياة تتلخص في أن الإنسان بغض النظر عن مكانته الأجتماعية ومنزلته وديانته فأنه سيكون بخير ما دام يعمل صالحًا، فقد استحق رضى الإله عنه لأنه أطاع الواجب فقط وعاش ممتعًا بالسعادة، أما إذا أذنب - بقصد أو دون قصد - فإن الإله حاميه سيتخلى عنه فتتلقفه مخلوقات الشر ويتردّى في عالم الرذيلة ليلقى الجزاء المحتوم هنا في أرض العودة والتي تعني في مجملها البعيد إمكانية العودة عن الفعل خيرا كان أو شر لنقيضه، لأن ذلك ممكن وطبيعي وليس فقط العودة من عالم لعالم، وعندما يأتي الموت تنفصل الروح عن الجسم الأنفصال الأخير الذي لا تلاقي بعده أبدا وأنتهاء قدرة الإنسان على العودة مرة أخرى، وتنتقل شخصياه بكل ما فيها من قدرة وقوة وفعل وإرادة إلى طور جديد من الوجود، إذ تنحدر بعد وضع الجسم في القبر إلى عالم الأرواح وهو العالم السفلي "عالم اللا عودة أو أرض اللا عودة" 1 وتعيش هناك إلى الأبد حيث لا قيامة ولا جنة ولا نار.
إذا على عكس الديانات اللاحقة التي تأثرت بشكل مباشر بالقيم الأخلاقية التربوية التي تشجع الخشية من الله كطريق للإصلاح، كانت الديانة العراقية القديمة واضحة وصريحة ومباشرة، وتطرح أفكارها بكل جدية، لم تستخدم الدافع النفسي بقدر ما طرحت الموضوع على جدياته ووضعت العقل البشري في صورة الواقع، هذا الأسلوب لا يمكن تطبيقه اليوم ولا في عصر الديانات الإبراهيمية لأن الإنسان طبيعيا محبول على حب الأكتشاف والفضولية والبحث عن المشاكل، الأسلوب المباشر والواضح لا يثير أهتمامه كما لا يثير لديه المخاوف التي تدفعه للبحث عن حلول غير مطروحة بجدية أمامه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. كان شعب بلاد ما بين النهرين القديمة يؤمنون بالآخرة التي يعتبرونها أرضاً تحت عالمنا. وكانت هذه الأرض المعروفه بأرالو و قانزير واركالو، وتعني الأخيرة "آخر أرض سفلية"، حيث يذهب جميع الناس إليها بعد الموت، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو الأعمال التي يؤدونها خلال الحياة. لم يكن شعب بلاد ما بين النهرين يعتبر العالم السفلي ثواباً أو عقاباً على عكس جحيم المسيحية. ومع ذلك فإن وضع الموتى لم يكن يعتبر كوضعهم سابقاً في الحياة بتمتعهم على وجه الأرض فهم كانوا يعتبرون مجرد أشباح ضعيفة وعاجزة. فأسطورة هبوط عشتار إلى العالم السفلي تروي أن "الغبار هو طعامهم والطين هو قوتهم، فهم لا يرون الضوء حيث يسكنون في الظلام." قصص مثل الأسطورة البابلية تروي أنه يجب أن يموت جميع البشر بسبب أخطائهم الفادحة، وأن الحياة الأبدية الحقيقية هي صفة للآلهة وحدها. ديانة الرافدين القديمة _ WWW.marefa.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيرا على الأقدام.. جيش الاحتلال يجبر آلاف الفلسطينيين على ال


.. زعيم حزب فرنسا الأبية لوك ميلونشون: الرئيس لديه السلطة والوا




.. يورو 2024.. المنتخب الإنكليزي يجري حصة تدريبية من نوع خاص


.. مكتب نتنياهو: المقترح الذي وافق عليه رئيس الوزراء حظي بدعم ا




.. شروط جديدة لنتنياهو قبل المفاوضات حول الصفقة مع حماس