الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتهامات مفيد فوزي ... وهداياه

فاطمة ناعوت

2022 / 12 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في مكتبة "مصر الجديدة"، وأمام الحضور، أمسك بالميكروفون وقال: “فاطمة ناعوت، أنت متّهمة بما يلي: متهمة بازدراء كل ما هو قبيح، وكل ما هو شرٌّ، وكل ما هو ظلمٌ. حضرتك متهمة بازدراء كل من يكره، ويبغض، ولا يعرف الحب. في عيد ميلادك أقول لك: كل سنة والحب زايد في قلبك.” أمسكتُ الميكروفون وأجبتُ: “أستاذ مفيد فوزي، أُقرُّ وأعترفُ بجميع التهم.”
كان ذلك في صالوني الشهري: “السلفُ المصريُّ الصالح"، سبتمبر ٢٠١٧، وكان "مفيد فوزي" ضيفَ الشرف. قرّر فريق عملي مفاجأتي بالاحتفال بعيد ميلادي في الصالون. طفرت موسيقى الميلاد من أرجاء المكتبة، وبانتهائها وجّه الأستاذُ لي تلك الاتهامات، التي كانت واحدة من أجمل هداياي. ولم تكن الهدية الوحيدة التي قدمها لي الإعلامي الكبير. عام ٢٠١٦، حين كنتُ في منفاي الجميل بمدينة أبو ظبي، صدر كتابه: “اسمح لي أسألك"، وأرسلتُ له: " أستاذ مفيد، عاوزة نسختي تؤنسني في غربتي" وبعد أيام وصلني الكتاب مع هذه الكلمات المشرقة بخطّه الجميل: “إلى عاشقة الحروف، صديقة الكلمات، رفيقة الوجدان، ابنة الحريّة، سفيرة الحب، حليفة السفر، ساكنة الدروب، ذائقة الشرود، فاطمة بنت ناعوت، مع محبتي، مفيد فوزي".
ألجمتني الكلماتُ. فتركتُ الكتابَ على المكتب، ونهضتُ إلى الشرفة أنثرُ حبوبَ البُرغل والقمح على سور شرفتي، حتى تتجمّع اليماماتُ والعصافيرُ في صومعتي الصغيرة، كعادتها كل صبحٍ. حينما يباغتني الجمالُ أتريّث، ولا أتعجّلُ ارتشافَه دُفعةً واحدة. أُقسِّمُ كلَّه إلى جرعاتٍ صغيرة أتناولها على مهلٍ حتى لا تنفدَ قبلما أرتوي من قطْرِ العذوبة الشهيّ. وهذا "مفيد فوزي". العملاق الذي تتلمذ على أيادي عمالقة، وجالس عمالقة، وحاور عمالقة. فهذا الذي بين يديّ إذن ليس كتابًا، بل دغلٌ كثيفٌ مشتجرُ الأغصان من عقولٍ فذّة تتحاور وتتعاصفُ وتتعاركُ وتتصالحُ وترتكبُ الخطيئة الكبرى: التفكير. وما أجملَ الحياة حين تسودُ المحبّةُ! ما أجملَ المحبّة حين تكونُ عونًا لنا على مواجهة الصعاب! رغم أنف الغُربةِ، ورغم أنف السفر والأميال والأنهار والبحار، تصلُني هدايا السماء من مصرَ، إلى حيثُ أكون. المحبةُ غيرُ مرهونة بالجغرافيا، ولا الفرحُ رهينُ المكان.
أما أغلى هداياه لي، فكانت وقوفه إلى جواري، شأنَ جميع مثقفي مصر والعالم "الحقيقيين"، في القضية الكيدية التي لاحقني بها "الإخوانُ" بعد إسقاطهم. ساندني الأستاذ مفيد بقلمه وخرج للإعلام صارخًا: (أنا مخضوض! الحكم على فاطمة ناعوت بالسجن، خلاني "مخضوض. لو ناعوت اتسجنت هاخاف، وأنا مش عاوز أخاف!! ) كان يقصد أنه سيخاف أن يفكر بحرية ويتكلم بحرية.
بمجرد أن تفتح دفتي كتابه الثريّ "تسمح لي أسألك"، سوف تسمعُ صخبَ عصوف ذهنية هائلة بين خمسة وعشرين عقلا حرونًا صاخبًا مشاكسًا متمرّدًا. عقلٌ مشاكسٌ، هو عقل المحاوِر "مفيد فوزي"، في مقابل ثلاثة وعشرين عقلا مشاكسًا، هم عقول المحاوَرين، وفي الخلفية ثمّةُ عقلُ شاعرٍ رقيقٍ يرقبُ جلساتِ العصف الذهني ليكتب مقدمة بديعة عنوانها: “درس مفيد فوزي” هو الشاعر الكبير: “فاروق شوشة”.
حين أمسكتُ قلمي لأكتب عن الكتاب الصادر عن "دار العين"، دثّرتني الحَيرةُ. كيف بوسعي أن أنقل أربعةً وعشرين جبلا شاهقًا من الألماس بكفّ يدي النحيلة، لأودعَ جواهرَه ودُرَّه وألماساتِه في جيوب القراء؟ كيف بوسعي أن أختزل أربعةً وعشرين مقالا، في زاويتي الصغيرة بجريدة "المصري اليوم"؟ رحتُ أتجوّل بين أفنان وأغصان حدائق الفكر الرفيع في حواراته مع الكبار متجاوزي الألقاب: مجدي يعقوب، يحيى الرخاوي، الإمام الشعراوي، البابا تواضروس، الفريق مهاب مميش، المستشار الدستوري ماهر سامي، فاروق حسني، فاتن حمامة، ماجدة الرومي، رشوان توفيق، الموسيقار محمد عبد الوهاب، وزوجته نهلة القدسي، الشاعرة سعاد الصبّاح، مصطفى سويف، علي السمّان، علي سالم، حمدي رزق، بثينة كامل، السياسيان بطرس غالي، أمين فخري عبد النور، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وزيرة الثقافة البحرينية مي آل خليفة، ورجل الأعمال أنسي ساويرس.
أشكرك أيها الأستاذ الكبير على ما قدمت لمصر من إعلام نظيف، وعلى إثرائك مكتبتنا العربية وشاشاتنا بالبرامج والحوارات المهمة التي كانت جميعها تصبُّ في خانة "الوطن" العزيز مصر، التي عشقتَها وقدمت لها عمرك في مجال الصحافة والإعلام. شكرًا على الشخصية الوهمية التي غرستها في قلوبنا وعقولنا: “نادية عابد" التي كتبت باسمها قرابة العقدين حتى تحكي على لسانها همومَ المرأة وعذاباتِها في مجتمع يقسو عليها. شكرًا لأنك قدمت لنا صديقتي الجميلة "حنان مفيد فوزي" التي أدعو الَله لها بالصبر والاحتساب بعد فقدها صخرتها وصخرتنا. نَمْ ملءَ جفونك عن شواردها، فأنت باق في ذواكرنا.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع


.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية




.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا


.. 161-Al-Baqarah




.. 162--Al-Baqarah