الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- خصخصة - الايمان

منى نوال حلمى

2022 / 12 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خصخصة الإيمان
----------------
شهدت مصر في الآونة الأخيرة تغييرات جذرية في مسيرتها الاقتصادية، حيث الانتقال بشكل أكبر وأساسي إلى اقتصاد السوق الحرة . استلزم هذا التحـول بالضرورة اتخاذ «الخصخصة» مبدأ ، باعتبارها الموجه أو «المايسترو» الذي يقود حركة النشاط الاقتصادي ، وعلى يديه تتجمع وتلتف وتتناغم ، خيوط وأصـوات الفرق العازفة على «النوتة» الاقتصادية الجديدة.
كل يوم تطالعنا الإجـراءات والتشريعات والسياسات لزيادة مساحة «الخصخصة»، وتوسيع قاعدة الملكية للأفراد والبنوك والشركات ومرافق البنية التحتية ، وغيرها من أعمدة النشاط الاقتصادي.
وتتزامن مع هذا المناشدة المتزايدة لتذليـل كل العقبات الإداريـة والقانونية والمالية والجمركية ، لتسهيل مد الخصخصة، وتمكين القطاع الخاص من أداء دوره على أكمل وجه.
أدت تلك المتغيرات الجذرية في حـال الاقتصاد المصري، إلى سيادة مناخ يعطى الأهمية والأولوية والتقدير لمبادرات المشروع الفردي والمبادرة الخاصة، والجهد الذاتي، فكر غير تقليدي، وحلول جذرية.
هناك تناقض جوهرى وأساسي بين إقامة الخصخصة في الاقتصاد ، وبين التأميم في الفكر. فالخصخصة باعتبارها حركة ديناميكية تستنفرالملكات الخاصة والقدرات المتميزة، والرؤيـة الابداعية الفردية المتفردة، تختنق وتموت في مناخ فكرى جامد مهیمن، مرکز فى اتجاه واحـد، ولا يعكس إلا نغمة مستهلكة، الإيقاع والصـوت ، تجهض الاختلاف،والإبداع في الفكر والثقافة.
وتمثل العقيدة الدينية، والإيمان بالله، وطريقة النظر إلى دور الدين في الحياة، أساس تفكير الفرد ، وهي التي تشكل أحلامه وتحدد علاقته بنفسه ، وبالآخرين.
ولذلك فنحن حين نتكلم عن مناخ عام يؤمن بالخصخصة في الاقتصاد ، لابد أن نتوقع إيمانا مماثلا موازيا للخصخصة في الفكر ، والتي تبدأ منطقيا في أهم ما يصنع فكر الإنسان ، ألا وهي العقيدة الدينية وعلاقته بربه.
إن الإيمان بالله مشروع خـاص جـدا.. ومشروع فـردى جـدا والعقيدة الدينية ، هی أكثر الأمور غير القابلة للتخطيط المركزى والوصاية المركزية والرقابة والتحكم، والمتابعة والتقييم وضبط الأداء , وهي الوظائف أو المبادئ التي تخدم نوعا من الجماعة وسيادة الهياكل المتشابهة المنمطة.
إن العقيدة الدينية اختيار حر. ولا معنى لها، ولا فضيلة فيها، إلا إذا كانت مشروعا خاصا ، وكذلك الإيمان بالله، يكتسب عظمتـه مـن حقيقة أنه أكثر الأمور خصوصية وفردية.
إن توسيع مساحة الملكية الخاصة للأفراد في الناحية الاقتصادية ، يستلزم توسيع مساحة ملكيتهم الخاصة لأفكارهم ومشاعرهم ورؤاهـم عـن أنفسهم وعن العالم.
إن شكل العقيدة الدينية وملامح الإيمان بالله هما (ولابد أن يكونا كذلك) بالمنطق «ملكية خاصة» للفرد، باعتبارهما أساس مكونات الفكر والمشاعر، والرؤية أو في كلمة واحدة «الشخصية».
كما نحن في أمس الحاجة الآن ، إلى فكر إبداعـي مفتحـم وجـرى، في الإنتاج والثقافة والفنون ، نحتاج بالمثل إلى فكر إبداعى مقتحـم وجـرى يتناول العقيدة الدينية للفرد وعلاقة الإنسان بربه ودورهما في الحياة . نقيم من فترة لأخرى مهرجانات وملتقيات للفنون تحـت أسماء «ليالي الإبداع» أو «المبدعون يتلقون» ، وغيرها والتي تتناول الغناء والرقص.
لكن الإنسان السوى الرشيد قبل أن يغني أو يرقص ، عليه أن يبدع في إشكاليات فكرية أساسية يكون الموقف من الدين، والإيمان بالله ، هما حجر الزاوية فيها بالضرورة.
لماذا لا تقام ملتقيات منتظمة تخصص للإبداع في الفكر الدينـى ، والإبداع في علاقة الإنسان بربه، والإبداع في مكانة العقيدة الدينية فى الحياة ؟! .
وعلى هذه الملتقيات أن تعد وتدار بشكل مبدع أيضا . فتضم كل الفئات والطوائف والشرائح والمهن والاتجاهات ، وليس كما قد يتصور أنها تكـون قاصرة على منْ يتكلم باسم الدين.
كما نزهو بما أنجزناه من إصلاح اقتصادي ، نحتاج بالمثل إلى إصلاح ديني يؤمن أن الفكر الديني بكل مفرداته العقائدية والإيمانية ، ملكية خاصة للفرد هو وحده المسئول عنها.
وما على المجتمع إلا تذليـل كـل العقبات التي تعوق ذلك ، وخلق الضمانات لأن يمتلك كل فرد إيمانه الخاص ، وأن يمارس علاقته بربه في أعلى درجات وأشكال الخصوصية الممكنة.
وهـذا كـاف لأن يحول دون وجـود ونمـو أشكال التطرف الدينـي والوصاية الدينية.
------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج