الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض وجود الإله

هيبت بافي حلبجة

2022 / 12 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من الضرورة ضرورة أن نصوغ مفهوم فكرة الإله في المجالات التالية ، مجال فكرة الإله نفسها ، مجال فكرة الإله في الأديان ، مجال فكرة الإله في الفلسفة ، مجال فكرة الإله في الإسلام ، مجال فكرة الإله لدى العرفان ، مجال فكرة الإله لدى الديانات الإنسانية ، البوذية ، الإيزيدية ، الزرادشتية ، الهندوسية ، الكونفوشوسية ، المانوية .
في المجال الأول ، المجال الصرف لفكرة الإله ، أي فكرة الوجود الإلهي ، من حيث هو هو ، من حيث هو هناك ، لا من حيث الوجود الإنساني ، ولا من حيث تصوراتنا عنه ، ولامن حيث رؤيتنا الفلسفية إزائه . والسؤال الجوهري الذي لاينبغي أن نسأل إنفسنا ، لإننا لو سألناه لأتحدنا مع الموضوع ، لأصبحنا جزء منه ، ولتشوهت حياديتنا ، لذلك من الجوهري والضروري أن نطلق أسم الكائن عليه وأن نحذف أسم الإله عنه ، فهذا الكائن الذي هو هو ، والذي هو هناك ومازال هناك ، ولكي يصدق حاله لابد من أربعة شروط خاصة به :
الشرط الأول : أن يتماهى تماماٌ مع شرط الوجود الإنطولوجي ، وإلا لأضحى مجرد فكرة ضائعة الأبعاد وفاقدة الخصائص . أي بتعبير بسيط أن يكون له وجود ، وألا يكون مجرد فكرة .
الشرط الثاني : أن يكون شرط الوجود الإنطولوجي هو شرطه ، وشرطه فقط ، أي ألا يرتبط ، لا من بعيد ، ولا من قريب ، بشرط الماهية ، فالماهية تفسد وجوده ، وتجعله يخضع لعامل التماثلية مع وجود آخر ، وهذا ما يصادر أساس الإطروحة ، لذلك فإن الفلسفة الإسلامية غالطت مقدماتها حينما أكدت إن الماهية تتطابق مع الوجود في موضوع الذات الإلهية .
الشرط الثالث : أن يكون شرط الوجود الإنطولوجي هو شرط الوجود في ذاته ، وأن يكون شرط الوجود في ذاته هو شرط الوجود لذاته ، بمعنى أن تنغلق دائرة الوجود عند هذا الكائن .
الشرط الرابع : أن يمتنع شرط الوجود لآخر ، وإمتناع شرط الوجود لآخر يعني أمرين أثنين من الزاوية التطبيقية ، الأمر الأول ، إن لا علاقة لهذا الكائن بأي وجود خارج شرط وجوده الإنطولوجي ، أي لا علاقة له بنا على الإطلاق ، فهو هو ، ونحن نحن ، لاعلاقة ولا إرتباط . الأمر الثاني ، وهو الأخطر ، إن لا علاقة لنا به ، أي ، وطالما نحن نتماهى مع شرط الوجود الإنطولوجي ، لإننا هنا ، فنحن الأصل الإنطولوجي ليكون هو وجود لاشرط له ، هذا إذا صدقت الفرضية الأصلية ، لدى الفلاسفة والأديان إن الوجود محصور مابين وجودنا والوجود الإلهي ، ونود أن نثبت إعتراضنا على هذه الفرضية ، فالوجود مفتوح لفيزياء الكوانتوم ، ووجودنا مرهون بالشرط الفيزيائي .
في المجال الثاني : أي مجال فكرة الإله في الأديان ، نود هنا أن نحدد مضمون النقاط التالية ، نقاط قد تحدد مستوى وعينا بوجودنا :
النقطة الأولى : قد يعتقد البعض إن وجودنا مرهون بالوجود الإلهي ، لكن في الأصل إن الوجود الإلهي المفترض مرهون بوجودنا ، فليس لإن الإله قد وجد ثم كنا ، إنما إننا هنا ، إننا موجودون ثم وجد هذا الإله ، فنحن من سعينا وإجتهدنا في خلق هذه الحالة ، حالة إله للكون ، إله لنا . أي إننا لم ننطلق من فكرة وجود الإله ثم عرجنا إلى فكرة وجود الكون ، وجودنا ، إنما إنطلقنا من وجودنا ، من حيث نحن نحن ، ثم صعدنا إلى هذا الوجود الإلهي المفترض .
النقطة الثانية : إن تفكيرنا قد دخل حيز ضحية ما سميناه ، بالناقص والكامل ، ولقد إعتقد الكثيرون إن وجودنا هو وجود ناقص ، وجود يشكو من الكمال ، فلابد ، إذاٌ ، من وجود من يتمتع بهذا الكمال في وجوده الخاص ، فأبتكرت فكرة الإله ، فكرة الآلهة . وهنا لامحيص من ملاحظتين جوهريتين :
الملاحظة الأولى : هل يمكن أن ينوجد وجود ، وهو وجود حقيقي فعلي ، ثم يكون ناقصاٌ ، أي كيف يمكن له ، من حيث إنطولوجيته ، أن يكون ناقصاٌ . فأي شيء على الإطلاق طالما هو شيء ما ، ينبغي من حيث الأصالة أن يكون وجوداٌ ، وأي وجود على الإطلاق هو بالإصالة كامل من حيث أساس وجوده ، فلايوجد وجود ناقص .
الملاحظة الثانية : إذا طبقنا نفس فكرة ، الناقص والكامل ، على الوجود الإلهي كما طبقتها الأديان على وجودنا ، فما الذي يمنع أن يعتقد هذا الإله إن وجوده ناقص .
النقطة الثالثة : هل وجود الإله ضرورة لوجودنا أم إن وجودنا ضرورة للوجود الإلهي ، أي إذا لم نكن موجودين كبشر ، فهل كان الوجود الإلهي ضرورة للنمل مثلاٌ ، للأحصنة ، للطيور .
النقطة الرابعة : هل وجود الإله ضرورة لوجود الكون أم إن وجود الكون ضرورة للوجود الإلهي ، أي إذا غاب الكون وجودياٌ أولم يكن بالأساس ، فهل ثمة ضرورة للوجود الإلهي .
في المجال الثالث : في مجال فكرة الإله في الفلسفة ، دعونا نفرز مابين ناحيتين ، ناحية تأصيل مايسمى بالعقل الإنساني الذي يقود تلك البراهين الفلسفية المفترضة ، وناحية تأسيس مايسمى إجحافاٌ بالبراهين الفلسفية .
من الناحية الأولى ، نود أن نبدي ملاحظتين أثنتين :
الملاحظة الأولى ، ماهي العلاقة البنيوية مابين الواقع ومابين العقل ، ماقيمة الواقع بدون العقل البشري ، وماقيمة العقل البشري بدون الواقع ، من المؤكد إن العقل النظري البحت هو لاشيء ، هو مجرد مفردة لامعنى لها ، فالعقل لايغدو عقلاٌ إلا إذا إستمد حيثياته من الواقع الموضوعي ، فالعقل لايملك شرط ذاته ناهيك عن إمتلاكه شرط الواقع ، في حين إن الواقع هو شرط نفسه ، وشرط للعقل ، أي إن العقل بدون الواقع هو ليس إلا ( ... ) ، وهو ليس إلا ما ، في حين إن الواقع هو كل شيء مع العقل أو بدونه .
الملاحظة الثانية ، من يتحكم في شروط الآخر ، إذا ما أبعدنا الواقع ، العقل أم قوانين الفيزياء ، العقل أم قوانين الكيمياء ، العقل أم قوانين الرياضيات ، من الثابت إن العقل لايبصر قوانين الفيزياء إلا على النحو الذي تتمظهر هي فيه ، فقوانين إنكسار الضوء هي التي أطلعتنا على حيثياتها وهي التي تنبه عقلنا إلى إدراك تلك التجليات بتلك الصورة فقط ، وليس على نحو آحر ، وكذلك تتصرف قوانين التفاعلات الكيميائية ، وكذلك الرياضية .
ومن الناحية الثانية ، على الرغم إننا إنتقدنا مضمون تلك البراهين في حلقات سابقة ، إنتقدنا البرهان الإنطولوجي للقديس إنسلم ، وكذلك برهان لكل حادث محدث ، وبرهان واجب الوجود وممكن الوجود ، وكذلك برهان الحركة وبرهان النظام ، وقد أكدنا حينها إن هذه ليست إلا مفاهيم بشرية سخيفة بتصورات ضيقة الأفق ، فماهو النظام وماهو اللانظام ، ماهي الحركة وماهي اللاحركة ، ماهو واجب الوجود وماهو ممكن الوجود ، ومامضمون إن لكل حادث محدث ، أي بالرغم من كل ذلك ، لابد أن نبدي ، هنا أيضاٌ ، ملاحظتين أثنتين :
الملاحظة الأولى ، لو كان الإله موجوداٌ لما إحتاج إلى إقامة دليل أو برهان عليه ، لكان من حيث هو أن يكون دالاٌ على وجوده ، ولكان وجوده هو الحقيقة التامة التي لاتقبل إلا أن تكون مؤكدة وجلية وصارخة الوجود إنطولوجياٌ .
الملاحظة الثانية ، لو كان الإله موجوداٌ ماكان قد إنوجد وجود آخر ، لكان هو الوجود كله ولكان الوجود كله هو الإله ، أي ماكنا نحن ، وماكان الكون ، أي ماكان من الممكن أن نكون ، وماكان من الممكن أن يكون الكون .
في المجال الرابع : في مجال المعتقد الإسلامي ، إذا ما تمعنا في مضمون الكثير من النصوص الإلهية ندرك إن هذا المعتقد هو ، من حيث أبعاده التأصيلية والتأسيسية وحقيقة أفكاره ، وثني مثنوي مشرك من الطراز الأول . وهو :
من ناحية ، إن الإله المفترض هو على هيئة سيدنا آدم عليه السلام ، فله يدين وأرجل ورأس ويجلس على الكرسي ، وله ملك السموات والأرض ، وله الخمس من الغنائم ، ويكلم سيدنا موسى عليه السلام ، وهو خير الماكرين ، وتبارك الله أحسن الخالقين .
من ناحية ، لاوجود لأي إله ، لاوجود لأي كائن سماوي ، إنما الإله الفعلي هو الرسول نفسه ، هو الذي ينزل الآيات ، حسب مقتضيات الواقع ، أسباب النزول ، وحسب رغباته الشخصية ، الجنسية والمادية ، فما جري في الفعل والواقع هو الذي حدد أفكار وإطروحات النص الإلهي ، لذلك فإن هذا الأخير يشكو من التناقض واللامنطقي بصورة إستثنائية .
في المجال الخامس : في مجال الإله لدى العرفاء ، هنا لامناص ولامحيص من ذكر ثلاثة نقاط جوهرية في المبنى ، أساسية في المعنى :
النقطة الأولى : يؤكد العرفانيون على وجود ثلاثة مستويات في موضوع الإله :
المستوى الأول ، وهو مستوى الإله الميتافيزيقي الماورائي المابعدي ، الإله الخالق ، الإله الهو ، الإله الغائب الذي هو هناك ونحن هنا ، فلا بيننا ولابينه ولابين البين أي شيء ، فهو هو إنطولوجياٌ ونحن نحن إنطولوجياٌ .
المستوى الثاني ، وهو مستوى الإله الحاضر ، الإله الرب ، الإله الذي يحمينا ويحافظ علينا ، الإله الذي لافاصل بيننا وبينه وكأنه هو المسؤول عنا ، وهو الإله المتأنسن المتجسد في صورة البشر ، فهو على صورتنا .
المستوى الثالث ، وهو مستوى الإله المشرع ، الإله الذي يسن نواميس الوجود ، نواميس الأشياء ، لكل شيء ناموسه وتشريعه حسب طبيعته .
النقطة الثانية : يؤكد العرفاء على مبدأ وحدة الوجود ، وحدة الوجود وفقاٌ لهذه التصورات الأربعة :
التصور الأول ، وهو وحدة الإله ، الإله الواحد يتماهى مع الوجود الواحد ، والوجود الواحد يتماهى مع الإله الواحد ، فالوجود هو الإله عينه ، والإله هو الوجود ذاته .
التصور الثاني ، إن وحدة الوجود هي الوجود كما هو ، هي وجود فقط ، وجود واحد ، بحيث يمتنع وجود وجودين ، فلاوجود لوجود آخر ، فلاوجود إلا هذا ، أي لا وجود لهو ولا وجود لنحن ، وهذا مايتطابق مع التالي : ينتقدون شعار الإسلام ، لا إله إلا الله ، ويؤكدون على ، لاوجود إلا الإله .
التصور الثالث ، إن وحدة الوجود يقتضي القول إن الإله هو الوجود بحيث يمتنع القول إن الإله موجود ، لإننا لو قلنا إن الإله موجود لزعمنا إننا أيضاٌ موجودن ، وسنكون حينها إزاء وجودين ، وهذا إستحالة أنطولوجية حسب العرفاء .
التصور الرابع ، إننا لسنا إلا تجليات إلهية ، فكما إن الأمواج ليست إلا تجليات البحر ، كما إن أشعة الشمس ليست إلا تجليات للشمس ، فكذلك نحن لسنا إلا تجليات للإله ، أي كما لاوجود للأمواج خارج البحر ، كما لاوجود لتلك الأشعة خارج الشمس ، فلا وجود لنا خارج الإله .
النقطة الثالثة : يؤكد العرفانيون على إن الوجدان البشري ، إذا ماتحققت شروط خاصة ، يرتقي إلى مستوى ، إلى درجة يستطيع أن يكون قادراٌ أن يحل محل الإله نفسه ، بل أن يمثل الإله ، ويكون إلهاٌ ، وهذا ماعالجناه في حلقة : نقض مفهوم الوجدان المتأله لدى العرفاء .
في المجال السادس : في مجال الديانات الإنسانية ، البوذية ، الإيزيدية ، الزرادشتية ، الهندوسية ، الكونفوشيوسية ، المانوية ، وعلى الرغم من إنها تؤمن بإله كلي مطلق إلا إنها ، جميعها ، تركز على الإنسان ، وعلى وجوده ، وعلى محنته الإنطولوجية ، وعلى سعادته ، وعلى نجاته في النهاية ، وهكذا ، لابد من :
من ناحية ، إنها تجعل من الإنسان مركزاٌ للكون وللوجود معاٌ ، سيداٌ لهما ، ولا قيمة لهما بدونه ، وهما موجودان لوجوده ، وإذا ما غاب الإنسان غاب معه الكون والوجود ، فالكون هو كون للإنسان ، والوجود هو وجود للإنسان .
ومن ناحية ، إنها تجعل من الإله كائناٌ لا يتمتع بوجود لذاته إنما بوجود لغيره ، ولاقيمة موضوعية إنطولوجية له ، لإنه ليس إلهاٌ لكونه الإله ، إنه إله لكونه إله للإنسان ، أي لو لم يوجد الإنسان ما كان هو إلهاٌ ، فوجوده أصبح موضوعاٌ تابعاٌ للوجود الإنساني .
ومن ناحية ، إن الإله موجود لإن الإنسان يحتاج إليه ، يحتاج إليه في أن يزيل المعاناة والقهر والعذاب عن كاهله ، أي يتحول الإله في وجوده إلى خادم للإنسان .
نكتفي بهذا ، ونطرح السؤال الجوهري ، هل ثم إله :
أولاٌ : في أساس إشكالية أسم هذا الكائن ، الذي كان وما كان معه شيء ، كان وما كان غيره ، فما هو أسمه ، أسمه الذي كان ينادي به نفسه ، أو من المفروض أن ينادي به ذاته لإنه واعي بوحدانيته ، واعي بوجوده ، واعي إنه والوجود سواء ، واعي بذاته بالضرورة . يبدو إنه ماكان ينادي نفسه وما كان له أسم ، وأما هذا اللقب ، الإله والآلهة ، فهو بدون منازع من تسميات البشر ، وكل تجمع بشري كان ومازال يسميه حسب لغته ، فالكورد يسمونه ، خودان ، الذي أوجد نفسه ، أو أزدان ، الذي أوجدني ، ناهيكم إن مفردة ، الإله والآلهة والله ، هي من تطور تاريخ الإشتقاق اللغوي للأصل السومري لهذه المفردة ، إئيل ، آن ئيل .
والأنكى من ذلك ، إن هذا الكائن لايعرف أسمه إلا من خلال التسميات البشرية ، فيقول في النص الإلهي : لا إله إلا الله ، بسم الله الرحمن الرحيم ، أنا ربكم فأعبدوني ، فلو كان له أسم أصيل متأصل لديه لقال ، لا إله إلا ... . بسم ... الرحمن الرحيم . أنا ... فأعبدوني .
ثانياٌ : في أساس إشكالية إنطولوجية هذا الكائن ، والأنطولوجيا ، لدينا ، هي الوجود في كليته ، في ذاته ، الوجود هو الذي وماغيره لا الذي ضمن شرط إن هذا اللا الذي ليس ، أي لاغير ، فالوجود هو والغير هو ليس ، أي ، ومن جانب الإله حسب فكرته الأصيلة ، إن الإله هو هذا الوجود ، إن الوجود هو هذا الإله ، فلاوجود خارج الإله ، ولا إله خارج الوجود ، ولاوجود داخل الإله ، ولا إله داخل الوجود ، فالوجود والإله سواء بسواء في واحد ووحيد ، وليس سواء من باب إن أحدهما يتماثل أو يتماهى مع الآخر ، إنما سواء إن أحدهما هو الآخر تحديداٌ ، فالإله هو الوجود ، والوجود هو الإله ، وهكذا :
من ناحية أولى ، ونحن والكون والأشياء ، إما وجودنا وهمي وإما هو فعلي حقيقي ، فإذا كان وهمياٌ ، إنتهى الأمر بالقطعي والجذري . وأما هو فعلي ، لكن إما خارج هذا الوجود ، خارج هذا الإله ، وإما منتمياٌ إليه بنيوياٌ ، فإذا كان خارجه ، إنتهى الأمر بالقطعي والجذري . وإما أن يكون منه وفيه وجزء منه ضمن شرط واقف وهو لولانا ولولا الكون ولولا الأشياء كان الوجود ليس هو ، وكان الإله ليس هو . وهكذا :
من زاوية ، إننا والكون والأشياء خاضعين بالضرورة وبالبنيوية لمبدأ هو أساس ذواتنا ، مبدأ التغير والكون والتفسخ والفساد والتركيب ، المبدأ الذي يتعارض كلياٌ مع محتوى الوجود ، محتوى الإله .
ومن زاوية ، طالما إنقرضت الديناصورات وهي التي حكمت الأرض لمدة مليوني سنة ، فإن هذا الوجود ، وهذا الإله ، سيفتقر مستقبلاٌ إلى وجودنا بسبب إنقراضنا المحتوم ، أي إن شرطنا ، كما شرط الديناصورات ، كما شرط كل المكونات ، ليس شرطاٌ إنطولوجياٌ ، ليس شرطاٌ بولولاه ، إنما هو ليس شرطاٌ على الإطلاق ، لإننا ، كما الدينوصورات كما الأشياء ، كونتنا الطبيعة ضمن شروطها الخاصة ، ضمن شروطها الفيزيائية الكيميائية .
ومن زاوية ، إذا كنا منه وفيه وجزءاٌ منه ضمن الشرط الواقف ، فكيف يمكن أن يكون خالقنا وخالق الأشياء وخالق الكون ، وكيف يمكن أن يكون قد أعد لنا جحيماٌ وجهنماٌ وناراٌ ، أيعد هذه الأشياء لذاته ، أي هل يعد الوجود ، هل يعد الإله ، النار والجحيم والجهنم لذاته ، ليعذب شرطه الوجودي ، ليعذب نفسه بنفسه .
ومن ناحية ثانية ، إن الشرط الإنطولوجي لهذا الوجود ، إن الشرط الإنطولوجي لهذا الإله ، هو عينه الشرط اللاإنطولوجي لمفهوم اللاوجود ، فكلاهما يمتلكهما الخواء المطلق ، الخواء الذي هو ليس إلا ليس ، وفي الأصل كما إن اللاوجود يتفادى الإمتلاء فإن هذا الوجود ، هذا الإله ، من شرطه اللاإنطولوجي ألا يكون ممتلئاٌ ، أي إن الوجود هو عين اللاوجود ، وإن اللاوجود هو عين اللاوجود ، كل منهما حسب شرطه الخاص ، وهذه هي عين حقيقة العلاقة مابين الوجود واللاوجود لدى هيجل ، وهذا هو عين إحلال اللاوجود محل الوجود ، وهذا هو الشرط الذي لم يدركه سارتر في موضوعة العلاقة مابين الإمتلاء والخواء . وهكذا :
من زاوية ، إن هذا الوجود ، إن هذا الإله ، تمتنع عليه الحركة ، يمتنع عليه فعل الإرادة ، يمتنع عليه الوعي والإختيار ، يمتنع عليه كل شيء ، يمتنع عليه الوجود نفسه ، ويتساوى لديه الموت مع الحياة ، ويتساوى لديه العدم مع الخواء ، وفي الأصل لايمكن أن يوجد هذا الإله ، هذا الوجود ، لإن لايمكن أن ينضاف إليه أي شرط مهما كان نوعه وطبيعته وخاصه ، لإن مجرد أن ينضاف إليه أي شرط كان لتحول هذا الإله إلى لا إله ، ولتحول هذا الوجود إلى وجود خاص ، إلى وجود يشتاق إلى الإمتلاء ، لإن من شرط هذا الوجود الأخير أن يكون ، أن يكون كائناٌ ، والإله بالمفهوم الإنطولوجي لايمكن أن يكون كائناٌ بالمطلق .
ومن زاوية ، ونحن والكون والأشياء ، من شرط وجودنا أن يتوفر شرط الإمتلاء ، مهما تكن طبيعة هذا الإمتلاء ، شرط روحاني لانعتقده ، شرط مادي صرف لانعتقده ، شرط مابين البينين لعل ، شرط فيزيائي وهو ما نستحسنه ، ومهما يكن هذا الشرط الخاص ، شرط الإمتلاء ، فهو يتعارض جذرياٌ مع ذاك الوجود ، مع ذاك الإله ، أي لايمكن إلا أن يكون وجودنا هو وجودنا من حيث إننا نحن نحن ، وكذلك الكون ، وكذلك الأشياء ، فنحن والكون والأشياء نحن نحن ، والإله هو ( ... ) .
ثالثاٌ : في أساس إشكالية الإله نفسه وتجاوزاٌ لما طرحناه في أولاٌ وثانياٌ ، فإذا وجد هذا الإله ، فلقد كان وماكان معه شيء ، فقد كان وينبغي ألا يكون معه شيء ، وسيكون ولن يكون معه شيء ، وينبغي ألا يكون معه شيء ، أي إن الإله تعريفاٌ هو هو ثم ، ومن ثم ، الوجود هو هذا الإله ، وليس الإله هو هذا الوجود ، لإن الإله قد عين الوجود في عين وجوده . أي وبتعبير أفصح ، إن هذا الكائن ، الذي هو هو وكما هو هو ، وجوده هو الوجود ، فالوجود لايزيد عن وجوده ، كما لاينقص عنه . وهكذا :
من زاوية ، إن وجودنا ، وجود الكون ، وجود الأشياء ، ليس سوى ليس ، لإنه لو كان آيساٌ ، مفردة كوردية تعني الوجود الإنطولوجي الوجود الفعلي ، لأمتنع حصر الوجود في هذا الكائن ، ولغدا هذا الكائن جزءاٌ من الوجود ، الوجود الذي لايمكن ألا أن يكون هو الوجود في ذاته .
ومن زاوية ، وإذا إمتنع حصر الوجود في الوجود الإلهي ، إمتنع معه الوجود الإلهي نفسه ، إمتنع معه وجود هذا الكائن ، وإمتنع معه الإساس الفكري لكل تلك البراهين الفلسفية المفترضة ، وإمتنع معه الإساس الإيماني لكل تلك الديانات السماوية .
ومن زاوية ، وإذا إمتنع حصر الوجود في الوجود الإلهي ، إمتنع معه الأساس البنيوي لكل إطروحات العرفاء ، إمتنع الأساس الفكري لمضمون الوجود ذاته .
ومن زاوية ، إذا إمتنع ، فلابد من أن نغير نظرتنا عن مفهوم الوجود ، وأن نؤصله على أسس جديدة ، فإذا إمتنع ، لبرز المحتوى الفيزيائي لوجود هذا الكون ، ولبرز المحتوى الفيزيائي لما كنا نسميه يوماٌ بالوجود العام المجرد ، بالوجود الإلهي ، بوجود ذلك الكائن .
رابعاٌ : في أساس إشكالية إنقراضنا ، في يوم ما سنزول عن الأرض ، وستكون الأرض خالية من البشر ، فماذا سوف يحدث ، ستعيد الأرض شبابها وإشراقها من جديد ، وستشرق الشمس على أرض هادئة وعلى مسافات مترامية الأطراف ، وستهب رياح ناعمة ، وسوف تستتب السكينة على الأرض ، وسوف تسمع مابين الفينة والفينة ، حفيف الأشجار ، خرير المياه ، عواء الذئاب ، نقيق الدفادع ، وتغريد الطيور ، وزقزقة العصافير ، وسيكون ذلك الكائن إلهاٌ ليس لنا ، إلهاٌ للطيور والحيوانات والأشجار والنباتات وللجبال وللمجرات ، لكن من سيكون الكائن الثاني في الوجود وسيحل محل الرسول ، ومن المؤكد سوف تلتغى النبوة ، ولما قضى زيد منها وطراٌ زوجناكها ، وآية السيف ، وإني جاعل في الأرض خليفة ، وقصة آدم ، وقصة سيدنا سليمان ، ومنطوق أم المؤمنين . وهكذا :
من زاوية ، ماهو مصير هذا الكائن المسكين ، هذا الإله ، بدون البشر ، ومن سوف يقرأ ترتيله ويمارس طقوسه ، وما مصير ليلة القدر .
ومن زاوية ، ماذا سوف يقول العرفان حول الوجدان الإنساني المتأله ، حول وحدة الوجود ، حول إننا من تجليات الإله ، من تجليات الوجود .
ومن زاوية ، ماذا سوف يقول أصحاب تلك البراهين المزعومة ، حول واجب الوجود وممكن الوجود ، حول المحرك الأول الذي لايتحرك ، حول البرهان الإنطولوجي وحول برهان الحركة والنظام .
خامساٌ : في أساس إشكالية الإلوهية ، في الأصل ثمت ثلاثة مجالات متفارقة ، المجال الإنطولوجي المحض ، المجال الإلوهي ، والمجال الثالث يمتلك ثلاثة مستويات متضامنة ، المستوى الأول ماهو وجه الضرورة لوجود هذا الكائن ، المستوى الثاني لماذا يوجد هذا الكائن ، المستوى الثالث ماهي فائدة وجوده ، منه .
في المجال الأول ، إذا نظرنا إلى العلاقة المناسبة مابين الإمتلاء ومابين الخواء ، فإن الوجود ينبغي أن يختار مابين الإمتلاء أو الخواء ، والخواء يمتنع وجوده لإمتناع شرطه الإنطولوجي من التحقق ، فلاشرطاٌ يشرط الخواء ، أي إن الخواء هو خارج الشرط الوجودي ، فهذا الكائن ، هذا الوجود ، يمتنع وجوده إن كان خاوياٌ .
وأما الإمتلاء فمن أقوى شروطه على الإطلاق ألا يكون خاوياٌ ، ومن لم يكن خاوياٌ ، والخواء فرضية مستحيلة ، فإنه لابد إلا أن يكون متناهياٌ ، ومن المستحيل أن يتمتع باللامتناهي ، فأي ممتليء هو محدد في هويته ومحدود في شرطه الوجودي ، أي لابد من أن يكون متناهياٌ ، والتناهي هنا يخضع لشرطين ، الشرط الأول هو أساس شرطه الوجودي لإنه قائم على أساسه ، والشرط الثاني هو التماهي الفعلي والتام مابين طبيعته ومابين شرط الإنطولوجي .
وهذا مايفتح المجال للحديث عن الوحدة ، وحدة هذا الكائن ، ووحدته قائم على تحقق هذين الشرطين ، لذلك من التفاهة الحديث عن وحدة الوجود ، لإستحالة المعنى والتحقق ، ولإن التعبير الفعلي هو وحدة هذا الكائن في حال وجوده أصلاٌ .
وفي المجال الثاني ، إن هذا الكائن تمتنع إلوهيته لإنها تعريفاٌ ومعنى متعلقة بالغير ، والغير لايمكن إلا أن يتحقق وجوده لاحقاٌ لوجود هذا الكائن الإله ، فلايجوز أن نقول عنه إنه إله للكون ، لإنه كان قبل وجود هذا الكون ، وكذلك تعبير إله الإنسان ، ثم ماذا سيسمى فيما لو إندثر هذا الكون ، أو إنقرض هذا الإنسان ، لذلك هو كائن وليس إلهاٌ في حال صدق فرضية وجوده .
وفي المجال الثالث ، وفي المستوى الأول ، لاوجه لأي ضرورة تقتضي وجود هذا الكائن ، فالضرورة إما أن تكون له أي داخليه أو لغيره أي خارجية ، فإذا كانت له فهي ضرورة إقتضت ذاتها بذاتها ، وهذا محال ، لإنها حين إقتضت كان قد تحقق الشرطان السابقان ، شرط أساس الشرط الإنطولوجي وشرط التماهي التام مابين طبيعته وشرطه الإنطولوجي ، وهذا تناقض مطلق . أما وإذا كان لغيره ، فالغير ماكان موجوداٌ حتى يفرض هذه الضرورة على هذا الكائن .
وفي المستوى الثاني ، من المستحيل الإجابة على هذه لماذا ، لإن لماذا هذه تصبح هي مبعثاٌ للشرط الإنطولوجي ، مبعثاٌ لما هو عليه ، أي هذا الكائن ، الآن .
وفي المستوى الثالث ، من المستحيل وجود أية فائدة من وجوده ، لإن هذه الفائدة تصبح شرطاٌ بنيوياٌ خارجياٌ على وجود هذا الكائن ، وهذا مايخلط المعاني والمباني كلية ، ويخلق حالة من إشكاليات لاتعد ولا تحصى ، شبيهة بتلك الإشكاليات المتعلقة ب لماذا السابقة .
سادساٌ : في أساس إشكالية النبوة الإلهية وختامها ، وفي الجدل الإفتراضي ، لو وجد هذا الكائن ، لو وجد هذا الإله ، لو صدقت كافة تلك القضايا الدينية :
فمن ناحية ، هل كان من المفروض أن يرسل أنبياءاٌ لإثبات إلوهيته ، أي هل هو على الدرجة من الغباء أن يفاضل مابين مخلوقاته ، ثم لماذا يؤيدهم بمعجزات تبدو سخيفة ، ألم يكن وجوده ، بالتعريف الفعلي ، كافياٌ أن ندرك وجوده بكل وضوح وبكل يسر وبكل عفوية .
ومن ناحية ، لماذا لايتدخل الآن ويصحح التناقضات الرهيبة في النص الإلهي ، لماذا لايزيل هذه الركاكة المقيتة في ذلك النص ، لماذا لايلغي كل تلك الآيات التي لا معنى لها سوى القتل والسبي وماملكت يمينه هو ، أو إمراة وهبت نفسها لصاحبه .
ومن ناحية ، ثم لماذا لايتدخل لإزالة الغموض عن النص الإلهي ، ولماذا ينزل أصلاٌ آيات فيها كل الغموض ، ثم لاينزل آيات واضحة ، صارخة الوضوح مثل الشمس ، ألا يريد منا أن نعبده ، إنما خلقت الجن والإنس ليعبدون ، أوليس شرط العبادة الإيمان ، أوليس شرط الإيمان هو التيقن ، أوليس شرط التيقن هو الوضوح ، أو ليس شرط الوضوح هو صفاء النية الإلهية ، والإرادة الحقيقية له والجادة لبلوغ النتيجة المرجوة لنا ، نحن المخلوقات ، مخلوقاته : الدخول في الجنة ونحن فيها خالدون .
ومن ناحية ، أوليس الإله مثل الأب يتمنى الخير لكل مخلوقاته ، فلماذا لايتدخل الآن وينقذنا من هذا الضلال الإفتراضي ، لماذا ختم النبوة ، أوليس الزمن القادم أمد وأطول آلاف مليارات بليارت من المرات من الزمن الذي ولى من عمر البشرية .
ومن ناحية ، أوليس الإله مثل الأب يفدي بروحه في سبيل مخلوقاته ، فلماذا يخلق جهنم ونار وجحيم ، لماذا لايدخلنا جميعاٌ الجنة الأبدية ، لماذا تلك القصص السخيفة ، قصة آدم ، ومحنة إبليس ، وتلك الشجرة التافهة ولماذا هي موجودة أصلاٌ .
ومن ناحية ، لكي نؤمن بوجوده ، لماذا لم يخبرنا عن قارة ماكانت مكتشفة حينها ، القارة الأمريكية ، لتيقنا الآن إن هذا إله إله ، هو الإله ، لإن كان من المستحيل على الرسول أن يدرك وجود هذه القارة في ذاك الزمن .
ومن ناحية ، لماذا لم يخبرنا عن قصة الديناصورات وحكمها للأرض مدى مليوني سنة ، وموضوع إنقراضها ، لتيقنا بكل تأكيد إنه هو الإله .
ومن ناحية ، لماذا لم يخبرنا بضآلة وتفاهة درب التبانة مقارنة بحجم هذا الكون ، ثم لماذا لم يخبرنا عن المورثات ، ثم لماذا لايخبرنا الآن عن حقيقة هذا الكون وعن حقيقتنا ، هل فات الأوان !!!! . وإلى اللقاء في الحلقة التاسعة والثلاثين بعد المائة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟