الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 136

ضياء الشكرجي

2022 / 12 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ أوتوا نَصيبًا مِّنَ الكِتابِ يَشتَرونَ الضَّلالَةَ وَيُريدونَ أَن تَضِلُّوا السَّبيلَا (44) وَاللهُ أَعلَمُ بِأَعدائِكُم وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَّكَفى بِاللهِ نَصيرًا (45)
وتقفز بنا هذه الآية إلى موضوع آخر. إنها تتحدث عن اليهود والمسيحيين، أو النصارى حسب تسمية القرآن لهم، والتي يسمون تارة بالذين أوتوا الكتاب، وتارة بأهل أو أصحاب الكتاب، لكن هذه الآية تقول إنهم لا يملكون كل الكتاب، بل جزءً منه أو نصيبا أي حصة منه. لماذا يجب أن يكون كل من هو مختلف عن فريق ضالا أو مضلا أو مشتريا الضلالة بالهدى؟ ألا يمكن أن يكونوا قد اقتنعوا بغير ما اقتنع به المسلمون، وهم يرون أنفسهم على هدى والمسلمين على ضلال؟ بل كل من اليهود والمسيحيين يرى نفسه على هدى والثاني على ضلال، شأنهم شأن أتباع معظم الأديان، بل والمذاهب والاتجاهات والاجتهادات حتى داخل كل دين. ثم لماذ يجب أن يكون الآخر المختلف عدوا بالضرورة؟
مِنَ الَّذينَ هادوا يُحَرِّفونَ الكَلِمَ عَن مَّواضِعِهِ وَيَقولونَ سَمِعنا وَعَصَينا وَاسمَع غَيرَ مُسمَعٍ وَّراعِنا لَيًّا بِأَلسِنَتِهِم وَطَعنًا فِي الدّينِ وَلَو أَنَّهُم قالوا سَمِعنا وَأَطَعنا وَاسمَع وَانظُرنا لَكانَ خَيرًا لَّهُم وَأَقوَمَ وَلاكِن لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفرِهِم فَلا يُؤمِنونَ إِلّا قَليلًا (46)
لم هذا يكن شأن اليهود حصرا، فمن أتباع كل دين نجد أجيالا جاءت فحرفت ما تلا عليهم المؤسس، بما في ذلك مؤسسو الأديان الإبراهيمة الثلاثة، بحيث أصبح من المستحيل معرفة النص الأصلي، الذي جاء به موسى وعيسى ومحمد ومن قبلهم، ناهيك عن الاختلاف بما لا يعد ولا يحصى من تفسير وتأويل أي من النصوص المقدسة حسب اعتقاد أهل كل كتاب، يظنونه جاء من ربهم. ثم إذا كان اليهود قد طعنوا في دين محمد، فالمسلمون، بما فيهم مؤسس دينهم، طعنوا وما زالوا يطعنون باليهودية والمسيحية، وإذا قيل إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يعترف بالدينين السابقين له، فهذا غير صحيح، لأن الإسلام يعتبر كلا من الدينين الراهنين اللذين بين أيدينا، بل حتى على ما كانا عليه في بداية الدعوة الإسلامية هما غير الدينين اللذين بعث بهما موسى وعيسى. والقرآن مليء بالطعن فيهما. إذن طعن الأديان ببعضها البعض يسري عليها جميعا، بل يتعدى الطعن المتبادل بين الأديان إلى الطعن داخل كل دين بين المذاهب والاتجاهات المختلفة في كل منها. الآية تتحدث عن مجموعة من اليهود عندما كانوا يتحاورون مع نبي الإسلام كانوا حسب هذه الآية يستهزئون ويسئيون الكلام معه، بحيث يقولون له: «اِسمَع غَيرَ مُسمَعٍ» بمعنى «اسمع لا أسمعك الله»، أو «اسمع غير مسموع»، أي دون أن يكون الاستعداد لسماعك، وحسب ما يروى كانوا يقولون له: «راعنا» أي على مهلك معنا، لكنهم كانوا يقولونها بطريقة فيها لحن الاستهزاء، ولذا قال لو قلتم بدل ذلك «اُنظُرنا»، رغم أن المعنى واحد. ولتضايقه منهم صب عليهم لعنات الله، بسبب كفرهم أي عدم إيمانهم بما جاء به من دين وكتاب.
أَيُّهَا الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ آمِنوا بِما نَزَّلنا مُصَدِّقًا لِّما مَعَكُم مِّن قَبلِ أَن نَّطمِسَ وُجوهًا فَنَرُدَّها عَلى أَدبارِها أَو نَلعَنَهُم كَما لَعَنّا أَصحابَ السَّبتِ وَكانَ أَمرُ اللهِ مَفعولًا (47)
إذن المطلوب من أهل الكتاب أن يتركوا دينهم ويعتنقوا الدين الجديد، وإلا فسيدير الله وجوههم إلى ظهورهم، ثم توعدهم أن يفعل الله بهم ما فعل بأصحاب السبت، أي أن يمسخهم قردة وخنازير. بكل تأكيد لم يخفهم هذا الوعيد، لأنهم لم يؤمنوا به نبيا مرسلا، حتى يصدقوا بما يعد أو بما يتوعد ناطقا بذلك عن الله.
إِنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أَن يُّشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذالِكَ لِمَن يَّشاءُ وَمَن يُّشرِك بِاللهِ فَقَدِ افتَرى إِثمًا عَظيمًا (48)
تتخذ هذه الآية من المعتدلين المدافعين عن القرآن كدليل على أن المغفرة ستشمل الجميع بما في ذلك الملحدين باستثناء المشركين. لكننا عندما نقوم بمسح لآيات العذاب والذين سيشملهم، والذين يخلدون فيه، لا نرى فرصة للمغفرة. وحتى الآيات التي تأتي بنفي إمكان المغفرة فهي غير مختصة بالمشركين، فمن تلك الآيات «الَّذينَ يَلمِزونَ المُطَّوِّعينَ مِنَ المُؤمِنينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذينَ لا يَجِدونَ إِلّا جُهدَهُم فَيَسخَرونَ مِنهُم سَخِرَ اللهُ مِنهُم وَلَهُم عَذابٌ أَليمٌ، استَغفِر لَهُم أَو لا تَستَغفِر لَهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعينَ مَرَّةً فَلَن يَّغفِرَ اللهُ لَهُم ذالِكَ بِأَنَّهُم كَفَروا بِاللهِ وَرَسولِهِ»، «إِنَّ الَّذينَ كَفَروا وَصَدّوا عَن سَبيلِ اللهِ ثُمَّ ماتوا وَهُم كُفّارٌ فَلَن يَّغفِرَ اللهُ لَهُم»، «وَإِذا قيلَ لَهُم تَعالَوا يَستَغفِر لَكُم رَسولُ اللهِ لَوَّوا رُؤوسَهُم وَرَأَيتَهُم يَصُدّون وَّهُم مُّستَكبِرونَ، سَواءٌ عَلَيهِم أَستَغفَرتَ لَهُم أَم لَم تَستَغفِر لَهُم لَن يَّغفِرَ اللهُ لَهُم». لكن حتى لو لم تكن آيات تنقض هذه الآية، واقتصر العذاب على المشركين، فما ذنب الإنسان الذي يفتح عينيه على أسرة ومحيط يدين بدين يعد بمعيار الإسلام شركا. وحتى المسيحيين يعتبرهم الكثير من المفسرين والفقهاء مشركين، لأنهم يقولون بالثالوث وبإلوهية أو ربوبية المسيح، وبكونه ابن الله. لماذا يكون المشرك بالله وحده مفتريا على الله، ولا يكون مدعي النطق باسم الله مفتريا عليه؟
أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ يُزَكّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللهُ يُزَكّي مَن يَّشاءُ وَلا يُظلَمونَ فَتيلًا (49)
صحيح اليهود يزكون أنفسهم كونهم أولياء الله وأحباءه وشعبه المختار، والمسيحيون يزكون أنفسهم لكون إيمانهم بالمسيح أهلهم دون غيرهم ليكونوا هم المخلَّصين، لكن المسلمين هم أيضا يزكون أنفسهم كونهم «خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ»، بل كل فريق داخل كل دين يزكي نفسه دون بقية إخوته في الدين، فهو الفرقة الناجية، وهو صاحب المذهب الحق، وهو وحده المضمونة له الجنة، وهكذا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah