الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقة الوسطى السورية الى اين ؟

حواس محمود

2022 / 12 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


معروف عن الطبقة الوسطى بحكم وقوعها في وسط التراتب الطبقي للمجتمعات البشرية ، قدرتها على حفظ التوازن السياسي لأي مجتمع ، ويقال عنها انها تلعب دور صمام الأمان في حفظ التوازنات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، في مقالنا الحالي سنتناول الطبقة الوسطى العربية عموما والسورية خصوصا ، سيما بعد انطلاق الربيع العربي .
تعاني اغلبية البلدان العربية من الأزمة والتدهور والفشل في برامج ومشاريع التنمية البشرية كما انها تعاني أزمات واخفاقات مزمنة في القطاعات الاقتصادية ، وتعتمد جميع الدول العربية على ديموقراطية مشوهة مرواغة ومنقوصة لا علاقة لها بالحرية الحقيقية المطلوبة لهذه الدول ، كما أن هناك حدوداً لا بل مسافات طبقية واسعة- هوة - بين الأغنياء والفقراء ، وفي صميم هذا المشهد توجد الطبقة الوسطى العربية الحديثة ، تتحالف بعض شرائحها مع الأنظمة الحاكمة للانتفاع وتعاني الشرائح الباقية التآكل والحرمان ( 1)
كما أن هذه الطبقة تطرح " مشكلة كبرى في الاجتماع السياسي العربي المعاصر ، فعلى الرغم من عدم تجانس مكوناتها وتباين اختياراتها الفكرية والسياسية ( ليبرالية ، علمانية ، يسارية ، إسلامية ، معتدلة ، متشددة ) ، وهو ما قد يبدو في صالح السلطوية العربية ، إلا أنها تمثل مأزقا بنيويا لهذه السلطوية ، فلا هذه الأخيرة قادرة على الاجهاز عليها ، بسبب حاجتها لدعمها السياسي والإجتماعي ، ومخاوفها من انجرارها إلى خيارات راديكالية تفضي بها ، في النهاية إلى التحالف مع الفئات الفقيرة والهشة ، ولا هي في الوقت نفسه ، قادرة على الاستجابة لطموحاتها السياسية المتزايدة التي قد تؤدي ، مع الوقت ، إلى المطالبة ، من موقع قوة ، بإعادة صياغة المشهد السياسي ، وفرض ميزان قوى جديد " ( 2)



الطبقة الوسطى السورية :

لقد " نشأت في سوريا، خلال السنوات الخمسين الأخيرة، طبقة وسطى عريضة، في المدن الكبيرة والبلدات المحيطة بها التي تحولت إلى مدن صغيرة، كان ازدهارها النسبي من صناعتها الذاتية. فقد اعتمدت على جهدها، في تحصيل المال من الخليج، أو من الاتجار بالأرض التي تمتلكها،
ولم تكن هذه الطبقة الميسورة الحال نسبيا والنشيطة جدا في العمل والتجارة والبناء العقاري، بأحسن حالا من النظام، على مستوى الفكر. والثقافة. غياب الثقافة حرمها من القيم الفكرية والسياسية التي تنطوي عليها الطبقة الوسطى الأوروبية، في الإيمان العميق بديمقراطية الدولة والمجتمع، والاستعداد للموت في الدفاع عن الحرية السياسية والاجتماعية، كما فعلت وضحّت بعشرات الملايين في الحرب العالمية الثانية، لإسقاط الفاشية العنصرية " ( 3)
الطبقة الوسطى في سورية مثلها مثل الدول العربية الأخرى ، لا تشك كتلة متجانسة من حيث التكوين الاجتماعي الاقتصادي ، يندرج ضمنها كتلة خليطة من الأطباء والمهندسين والموظفين والمثقفين والمعلمين والحرفيين ما يميزهم هو مجموعة من الصفات المشتركة مثل القدرة على تحصيل دخل يمكنهم من العيش في شكل مكتف ، وتغطية الكلف الاستهلاكية الأساسية ، وهذه الفئات هي الأكثر قدرة وتقبلا على التغيير والتجديد والانفتاح الاجتماعي والثقافي واستعدادا للمشاركة في الشأن العام ، وهي الأقل تمسكا بالعادات والتقاليد ( 4 )

عقد النظام وفاقا شفهيا مع المؤسسة الدينية التقليدية ووَفَّرَ نوعا من الحرية الدينية. لاقى ذلك ترحيبا لدى الطبقة الوسطى السنية في المدينة الكبيرة، وليس في الريف المتذمر الذي لاقى لا مبالاة النظام في الاهتمام بالخدمات، لا سيما في تخطيط وخدمة المدن الصغيرة، فكان
البناء العشوائي سمة التشويه الغالبة على التوسع العمراني ( 5)
وفي عام 2014، استنتج تقرير بعنوان "الطبقة الوسطى في البلدان العربية، قياسها ودورها في التغيير"، وضعته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية الاجتماعية لغرب آسيا (اسكوا) أن نموذج التنمية العربي أنتج طبقة وسطى أكثر تعليما وصحة، لكنها ضعيفة اقتصاديا ومقهورة سياسيا، تقلّص تعدادها من نصف سكان العالم العربي إلى حوالي 33 في المئة عام 2011، ِوازداد معها حجم الشرائح الفقيرة والمعرّضة للفقر إلى نحو 43 في المئة.- ( 6)
يشير الكاتب اكرم البني أنه من الممكن ان تغير شرائح الطبقة الوسطى من مواقعها واصطفافاتها في كثير من الحالات كما انها من الممكن ان تغير مواقعها بسرعه الى مواقع أخرى مغايرة لتوجهاها السياسية وحتى الأيديولوجية تبعا لتغير الواقع ودرجة التغيرات والتقلبات المجتمعية ، سواء كانت سياسية او اقتصادية ، وهذا ما يفسر في سورية – كما ذهب الى ذلك اكرم البني – حالة التشظي السياسي والفكري التي ظهرت في صفوفها وصفوف ممثليها وهي مستمرة حتى الآن .
ومن الشرائح التي تضررت مواقعها الاقتصادية في سورية أصحاب المنشآت الحرفية والورشات الصغيرة وأصحاب الحيازات الزراعية، جرّاء ارتفاع كلف الإنتاج، أو لفقدان وخراب تلك المنشآت، تعطّل الإنتاج بنسبة 60 في المئة، فلجأت الشرائح العليا من أبناء الطبقة الوسطى إلى الفرار، في موجات الهجرة واللجوء، مثلما ركبت السيارات الصينية قبل ذلك، فيما علقت الشرائح الدنيا من هذه الطبقة في خط الفقر الأعلى، وهم يرون كيف يواصل فساد النظام نهب نصف الناتج المحلي الإجمالي، وكيف تتمركز الثروة عند 10 في المئة فقط من السوريين، ويرون كيف ظهرت تشكيلات اجتماعية اقتصادية جديدة وأخذت تتبلور في صورة "مافيوية" مرعبة تستند إلى الجريمة المنظّمة والخطف وتجارة السلاح وتهريب المخدرات والسرقة العلنية . ( 7)
مركز " فيريل " في المانيا أورد أرقاما في تقرير له في تموز 2016 مؤكدا ان العام 2016 هو العام الأخطر على المواطن السوري من جميع النواحي ، وبخاصة الاقتصادية والاجتماعية ، وبحسب التقرير فإنه قبل العام 2011شكلت الطبقة الوسطى اكثر من 60 % من المجتمع السوري ، وبرغم انها لم تكن متجانسة من حيث التشكيل والمنبت الاجتماعي والديني ، الا انها كانت تقود المجتمع ، خاصة انها تتكون من الموظفين والأطباء والمهندسين والمثقفين والمعلمين والادباء والحرفيين وصغار التجار والكسبة والصناعيين ، غير ان الطبقة الوسطى في العام 2016 لم تعد تشكل الا نسبة 9.4 % فقط من الشعب السوري ، فقد خسرت مئات الآلاف من أبناء الطبقة الوسطى بسبب الهجرة او القتل او البطالة
ويقدر تقرير " فيريل " نسبة السوريين الذين أصبحوا تحت خط الفقر العالمي بنحو 86.7% موضحا أن تكاليف المعيشة ارتفعت خلال سنوات الحرب بشكل تدريجي لتقفز في العام الأخير قفزات كبيرة الى ان وصلت الى نسبة 1155 % قياسا بما كانت عليه قبل 2011 بالتوازي مع انخفاض القوة الشرائية للعملة السورية ، اذ خسرت الليرة السورية ما يفوق 90 % من قيمتها ( 8)
ختاما / ان الربيع العربي الذي تم تحويله بفعل التدخلات الخارجية الى ما يشبه خريف حزين ، قد أثر على وضع الطبقة الوسطى في كل الدول العربية التي انطلقت فيها هذه الثورات ومنها سورية ، من حيث رجرحتها وهجرتها وخسارتها لبنيتها التحتية ، معامل ، مصانع ، محلات تجارية ، وأيضا خسارتها لأسواقها ومناخاتها المغذية لها ، والتي كانت تمدها بالديمومة والاستمرارية ، عدا عن الهجرة الكبيرة لأفرادها ، مما سدد ضربة قوية جداً لها ، بالمقابل صعدت فئات أخرى من الفاسدين وتجار السلاح وأصحاب ومستغلي الازمات والنفوذ ، وهذه الفئات منبتها الريف والمراتب الدنيا من السلم الطبقي والاجتماعي ، مما أثر ويؤثر سلبا على البنى الفوقية من المنظومات الفكرية والسياسية والفنية والثقافية وبالتالي التأثير في مقومات التغيير الإيجابي المأمول .
الهوامش :
( 1) د. احمد موسى بدوي " تحولات الطبقة الوسطى في الوطن العربي " مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت لبنان – 2013 ص 41
( 2) محمد احمد بنيس " الطبقة الوسطى ومستقبل السياسة العربية " العربي الجديد – 7-7-2017
( 3) غسان الامام " الطبقة الوسطى السورية و" الدولة الدينية "" الشرق الأوسط 10 -12-2013
( 4) أكرم البني " عن تحولات الطبقة الوسطى في سورية " الحياة – 18-11-2015
( 5) غسان الامام - مصدر سابق مذكور
( 6) أيمن الشوفي " البحث عن الطبقة الوسطى في سورية " السفير العربي – 16-4-2015
( 7) أيمن الشوفي " مصدر سابق مذكور
( 8) ايلين عثمان " سورية تفقد طبقتها الوسطى " عنب بلدي – 11-9 – 2016
..........................................................................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على