الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كابوس القانون... شبح الإرهاب

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2006 / 10 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تسأل إحدى الشخصيات في مسرحية " المصطافون" * لمكسيم غوركي، لماذا نحزن حين يموت أحدنا، فيجيبها آخر لأننا تشعر بذنب ما تجاهه و نحس أننا سبب من الأسباب التي أدت إلى موته ، و يضيف أنه ليس من الضرورة أن نقوم بقتله بأدوات ما، بل أننا نسبب موته بأكاذيبنا ونفاقناوانحرافنا عن الصواب. فالإنسان يشعر بالذنب دوما ويفكر في محكمة الذات،وجلد الذات لأخطاء ارتكبها في حياته ، سواء بنفسه أو بأناس محسوب عليهم. فغالبا يشعر أنه المتهم والقاضي وهيئة الدفاع
ويقوم بتنفيذ الأحكام الصادرة بحقه ، بأشكال مختلفة، ولذلك أن هذه الأفكار تؤدي بي بالتشكيك بجدوى الأحكام القاسية بحق المجرمين، وها موضوع آخر أتركه للمختصين بعلم النفس و الإجتماع.
لم يكن أوّل رب ّ للقانون قاضيا، بل كان محاميا، يدافع عنك وفق القانون في مواجهة القانون. وكم نتشابه في هذه المحكمة مع المتهم في محاكمة كافكا الحائر أمام مكتب المحامين الذين هم أصدقاء القاضي! . محامون بمثابة ألسنة الآلهة، منادون أو الميديا بمثابة ألسنة الملوك. أليس القانون سوى ما يدافع عنك مقابل ذاته؟ لكن المسألة لا تنتهي هنا، فلنسترجع مشهدا كافكاويا: يهاتفني الناشر يبلغني أن الكتاب قد ضاع في زحمة بلوغه مكاتب وزارة المعارف، وأن علي ّ البدء بعد 9 أشهر و من نقطة الصفر بمعاملة الحصول على إجازة. و كيف يصبح ضياع كتابي ذريعة لحرماني من الإجازة؟ يقال إن الناشرين على رأين، قسم يرى أن ما يحصل يستخدم كذرائع ، وقسم يرون أن الإرتباك في أداء الوظائف الإدارية يخلق مثل هذه الذرائع.
لهذا يبدو أن أول رب ّ للرقابة هو الناشر والمؤلف، وليس وزارة المعارف. ثمة من يريد التحدث باسمك بواسطة كمّ فم إنسان آخر ، فارتكتب الجريمة لا يستلزم ترخيصا أو إجازة، فالقانون يقمعك متظاهرا بالدفاع عن حقوقك، وبهذا الدفاع يتم إنتاج الجريمة إداريا وقضائيا. فلو انقرض الأرباب لأمطرت السماء مواد البناء. أية مزحة هذه ! المحامون يقول إنهم أتوا لينقذونا من أنفسهم. لكن هب ْ أنه لا من محكمة سوى قصة " كافكا" ، أي في ( حضور القانون) يكون" القانون" حاضرا وفق "القانون"، فماذا سيتغير، وكل حياتنا تجري خلف بيبان موصدة لمحمكة الحياة؟
الإنسان التقي في الآخرة ينتظر عواقب أعماله في الدنيا يتسلمها بيده اليمنى، فما أشبه حياته لمتهم في هذه المحكمة الدنيوية! لعل السادة والأرباب لم يعودوا لسان الله منذ زمان بفضل العلمانية والديمقراطية البرجوازية في الغرب، لكن لا تزال صيحات ُ المنادين تعصف بآذاننا. لعل ّ القانون ليس إلا صراخ المنادين والميديا. لعل ّ المحكمة ليست سوى غرفة موصدة الأبواب حيث نقضي العمر كلّه ننتظر تنفيذ القانون.
لعل ّ كافكا صدق في قوله إن القانون يستمد شرعيته من هذا الإنتظار، وأن السياسة الجديدة لوزارة المعارف تدع الفرد ينتظر لكي يكتشف آلية سير القانون. فالقانون من نوعه الكافكاوي ّ يتشكل من ألاعيب الحضور والغياب البسيطة. رغم أن القانون يُصنع من مواد الغياب، ألا أن هذا النفق المظلم في القطب المقابل تلمع نجمة الرغبة في آخره: الحضور المثابر للرغبة. نفق القانون وزنزانته يجذب الرغبة إليه دوما، مثل مثلث برمودا، وأينما وجدت الرغبة ، وجدت َ قانونا يحرسها. لكن في قصة كافكا لا وجود لأية رغبة، فالحياة تنقضي كلها خلف بيبان القانون الموصدة .
فالحاكمة بمثابة نفق مظلم يجذب رغباتنا إلى عمقه، لئن كنا جالسين طوال العمر أمام مكتب كاتب العدل موصد الباب،فذاك سببه أن رغباتنا في الحياة واستهلاكها أصلا تنقضي في الحضور الذي يشبه الغياب للقانون.
وإن كانت أدعية الأتقياء ليست سوى لحظة عابرة من هموم الجمهور، فهذا الجمهور يقضون العمر ينتظرون هذه اللحظة الباهتة. فلماذا ترتبط رغبة الجمهور بحضور رب ّ يلقى مسراته في أسى هؤلاء؟ فنجمة الرغبة لن تلمع في غير نفق القانون المظلم أثناء جذبها إلى عمقه. وإن كان القانون لا يشع ولا لحظة واحدة ، ولن يتم تنفيذه ، ألا أنه مثل النفق المظلم العميق يترك على الأطراف آثارا لن تمحي.
فالرغبة تحقق ذاتها عبر قمعها وكبتها والتضحية بها. إنها تضفي رونقا على هموم الجمهور في حضور القانون. وإن الإنسان يولد يحمل خطيئته التي عليه التضحية بها . فهذه الخطيئة بكل بساطة عبارة عن أكله وشربه واستهلاكه للأشياء. وإن عبيد المجتمع الطبقي ينبغي أن يعرفوا أن ما يستهلكون هو بمثابة خطيئة . وقد بيّن فوكو أن الكبت الجنسي الذي طالما شغل الناس ، غالبا ما يبدو بشكل اعترافات. فالكبت ليس بهراوة القانون الذي وفقه يصدر قرار العفو عليك. فثمة قانون آخر سوى هذا القانون الذي هو بمثابة الغياب ويشبه قانون جاذبية الكونية البارد للتعرف على الرغبات والميول وقيمة الإستهلاك و يصدر وفقه قرار العفو و العقاب. إنه قانون يشبه حضور الأب الدائم ، والشبيه بالهراوة. هذا الحضور البدائي لقانون الشرق هو الحضور القاتل للأب في عصر مالا قبل الإله زيوس. ففي مواجهة هذا الحضور الدائم، لا يمكن أن يقوم سوى شبح الإرهاب. إنه قانون يقوم على التدوين والغياب. إنه قانون حارس لبوابات الجحيم الموصدة. إنه قانون أحد أعضاء هيئة الدفاع ، ودفاع عن متهم بجريمة لم تُرتكب، ومحكمة متعطلة حتى لحظة الموت. إنه قانون ضياع الكتاب المدفوع للطبع ، واستئناف العمل الوظيفي ، و المعاملة من جديد للحصول على رخصة من العمل.
إنه قانون الحضور القصي ّ للكتاب المقدس بجنب مرآة الرغبة على مائدة الزفاف للجمهور. قانون توليفة الرغبة والقانون. ففي هذه الصورة ثمة منافسة جنسية واحدة توجد المنافسة والمبارزة لتسقيط الآخر أوإزاحته أ وقتله . فإزاحة شخص ما تتساوى مع التهامه أكلا. فلا يمكن الفصل بين الرغبة الجنسية والأكل والمنافسة الجنسية . فالأرض لم تعد كروية، وأخيرا يقوم أمامنا شبح الإرهاب هلاميا وذا ألوان متنوعة، يريدنا أن نستسلم إلى رغبة الأرباب ألسنة الآلهة ، ونستجيب لنداءات المنادين ألسنةِ الملوك.
هذه المسرحية قرأتها قبل حوالي 20 عامامترجمة إلى الفارسية ولا أدري إن ترجمتإلى العربية. لهذا يمكن انني لم أكن دقيقا في الإقتباس ولكنني نقلت المضمون ، وهو المهم في هذه الحالة. *








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأميركيون العرب -غاضبون من بايدن ولا يطيقون ترامب- | الأخبا


.. اسرائيل تغتال مجدداً قيادياً في حزب الله، والحزب يتوعد | الأ




.. روسيا ترفع رؤوسها النووية والناتو يرفع المليارات.. | #ملف_ال


.. تباين مواقف الأطراف المعنية بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة




.. القصف التركي شمالي العراق يعطل انتعاش السياحة الداخلية الموس