الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناقشتي لمقالة لمحمد شحرور 3/3

ضياء الشكرجي

2022 / 12 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أما جواب شحرور على سؤال لماذا لم يذكر القرآن كلمة المسلمين ضمن كل تلك المعتقدات في تلك الآيات؟ فهو كما يقول: "لأن الإسلام المتمثل في الركنين الأساسيين: الإيمان بوحدانية الله، والعمل الصالح، يمكن أن يكون موجودا في كل تلك المعتقدات". والمفروض أن باحثا متبحرا مثله، ومحيطا بكل ما في القرآن يعلم إن مفردة الإسلام ومشتقاتها (أَسلَمَ، أَسلَموا، أَسلَمتُ، أَسْلِمْ، يُسلِمون، مُسلِمون)، جاء تارة بالمعنى الذي ذكره، وتارة بالمعنى الخاص للدين الذي جاء به محمد، مثل "لا تَقولوا آمَنّا بَل قولوا أَسلَمنا وَلَمّا يَدخُلِ الإيمانُ في قُلوبِكُم"، و"مَن يَتَّخِذ غَيرَ الإِسلامِ دينًا فَلَن يُّقبَلَ مِنهُ". فهل إن محمد شحرور غفل عن ذلك، أم له غرض آخر، مع فرض حسن النية، إذ لا أريد أن أسمح لنفسي بتحديد نواياه بترجيح أنه يتغافل متعمدا، بل أطرح ذلك كاحتمال ممكن. ثم حتى لو اعتقد أو ادعى إن الإيمان المقصود في الآيات التي ذكرها هو بمعناه العام، وليس بالضرورة الإيمان بدين محدد، ألا هو الإسلام، فالمفروض أنه يعلم إن تاريخ البشرية وحاضرها الراهن مليء بغير المؤمنين أصلا بالله من ملحدين ولاأدريين من الذين عملوا ويعملون الصالحات والأعمال الإنسانية بنوايا حسنة، وليس من أجل الشهرة أو المديح أو المال، ومع هذا فحسب هذه الآيان فإنهم بالتأكيد ليسوا من الذين ضمنت لهم الآيات ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
جميل ما يقوله شحرور بأن "ما تفعله الممرضة والعاملات المسيحيات بإخلاص تجاه مرضانا، أقول في نفسي، هن سيدخلن الجنة حتما، كما تحضرني أسماء كل العلماء الذين ساهموا في اكتشاف الأمراض العصية وكيفية علاجها، حماية للبشرية جمعاء من الأوبئة التي كانت منتشرة في القرون الماضية، كالطاعون والكوليرا والملاريا والجدري". فأقول هذا صحيح كليا، طبعا إذا كان الثواب بالجنة، لكن بقطع النظر عن كيفية وصور الثواب، فهم عند الله يستحقون الثواب والمكافأة والنعيم. لكن القرآن لا يعترف بذلك بل يقول: "وَمَن يَرتَدِد مِنكُم عَن دينِهِ فَيَمُت وَهُوَ كافِرٌ فَأُلائِكَ حَبِطَت أَعمالُهُم فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَأُلائِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ". "وَالَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الآخِرَةِ حَبِطَت أَعمالُهُم هَل يُجزَونَ إِلّا ما كانوا يَعمَلونَ". فكل أعمال الخير تمحى من سجل الإنسان، إذا لم يكن مؤمنا، سواء الإيمان بعنوانه العام، أو الإيمان تحديدا بالإسلام، كما خلصت إليه من خلال دراسة مستفيضة شاملة للمصطلحين القرآنيين "الَّذينَ آمَنوا" و"الَّذينَ كَفَروا"، ولا تسع هذه المناقشة المختصرة بإدراج نلك الدراسة.
وقد أصاب المفكر التنويري محمد شحرور، إذ اعتبر إن آية (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسولَهُ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم) بقوله: "قد فسر رجال الدين بأن المقصود بأولي الأمر بأنهم الحكام، وليسوا رجال العلم والحكمة كما يقصد القرآن الكريم، لضمان العبودية والتبعية للظالم، مهما زاد ظلما وعتوا، واستبعدوا الآيات والأحاديث التي تحض على الجهاد ضد الظلم والظالمين، كما استبعدوا الآيات التي تحث على التفكير والتفكر وإعمال العقل". وهنا نقول هنا تكمن المشكلة، فهذا كان قديما أيام الأمويين والعباسيين والعثمانيين وغيره، أما اليوم فيعني طاعة أسامة بن لادن والزواهري والقرضاوي والبغدادي والخميني وخامنئي والسيستاني ومحمد باقر الصدر ومحمد الصدر، يعني إقحام رجال الدين في السياسة واعتبار طاعتهم واجبة شرعا، طبعا مع الاختلاف بين مناهج كل من الواحد والآخر ممن ذكرتهم، ما بين إرهابي، أو إسلامي متطرف، أو إسلامي يميل قليلا أو كثيرا للاعتدال.
ويقول شحرور: "إن القرآن الكريم احتوى العلمانية بداخله، واحترم جميع الأديان والمعتقدات بل واحترم حتى الكفرة، فالآية الكريمة: (فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَّمَن شاءَ فَليَكفُر إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ نارًا)، ولم يقل للكافرين"، فأقول إنه لشيء مرحب به، إذا فهم المسلمون إسلامهم على هذا النحو، ونحن كعلمانيين نقول بوجوب احترام حرية الدين، كشأن شخصي، لكن كبحث فكري عقلي، أقول إذا لم يكن هناك دليل على أن القرآن يدعو إلى دولة دينية، فالدليل على قبوله بالدولة العلمانية أضعف بكثير. فماذا نقول عن آية "وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولـاـئِكَ هُمُ الكافِرونَ" التي يستند عليها الإسلاميون؟ صحيح ليس هناك من دليل على أن الحكم هنا قد جاء بمعناه المتداول اليوم، أي بمعنى الدولة والحكومة، لكن كحد أدنى فالواجب حسب الآية هو الحكم قضائيا بما أنزل الله حسب القرآن، والذي هو حكم الدين، وبشكل خاص حكم الإسلام. هذا يعني، وجوب لجوء القضاء إلى الشريعة الإسلامية، وبالتالي يجب أن يكون القاضي ملتزما بالشريعة، ولأن القاضي يجب أن يلتزم بالقانون، والقانون تشرعه السلطة التشريعية، بمقترح من السلطة التنفيذية، وبالتالي يجب أن تكون السلطات الثلاث إسلامية، ويكون لدينا كنتيجة بالضرورة دولة إسلامية.
والغريب إنه كمسلم وكمفكر إصلاحي تنويري لا يؤمن باجتهاد أئمة المذاهب، يفترض به أنه غير معني بالتمذهب سنيا أو شيعيا، لكنه عندما ينتقد خضوع الدولة للمؤسسة الدينية، كما يذكر أوروپا القرون الوسطى كما يذكر إيران حاليا، دون ذكره لطالبان في أفغانستان ولا تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق، ولا التجربة الإسلامية في السودان، وغيرها من التجارب الإسلامية من وسط المذهب الآخر. ولكن من أجل ألا نسيء الظن، نقول ربما لم يقصد هذا التخصيص للتجربة الإسلامية الشيعية البائسة في دولة ولاية الفقيه المستبدة والإجرامية.𧶌
كتبت المناقشة في 7 - 12/2/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah