الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولةُ الأوبرا تحتضنُ مليكتَها

فاطمة ناعوت

2022 / 12 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان حضورُها آسرًا كما عهدناها كلّما أمسكتِ "الفلوت" بين أناملِها، وغرّدت منتشيةً بتلك الحال الصوفية الفاتنة، فندخلُ معها في فردوس النشوة العلوية. تعلّمَ الفلوتُ أن يُصغي إلى همس شفتيها، فتتحّولُ ثقوبُه الثمانيةُ إلى قلوب صغيرة تخفق مع خفقِ قلبِها، وتغدو الأوكاتفاتُ الثلاثةُ أوركسترا كاملا يتناغمُ مع إيقاع روحها. تذوبُ الفِضّة الصلبةُ في دفء أصابعِها حتى تصيرَ نُسْغًا ليّنًا داخل ساق زهرة لوتس ممشوقة القَدِّ ترقصُ على وجيبِ مشاعرها. حين تشاهدُ الفنانةُ "إيناس عبد الدايم" تعزفُ على الفلوت بكل خلجة من روحها، مغمضةَ العينين، إلا من رمقاتٍ خاطفة إلى النوتة الموسيقية وعصا المايسترو، تتأكدُ أن الموسيقى تنهمرُ من السماء؛ فهي صوتُ الملائكة حين تُغنّي، فننصتُ خاشعين. هكذا كانت الحالُ حين استضاف "أوركسترا القاهرة السيمفوني" الفنانة العالمية د. "إيناس عبد الدايم" في مملكة "دولة الأوبرا" التي فتحت أبوابَها بفرح لاستقبال مليكتَها. كنتُ أتأملُ عاشقَ الفلوت "فرانس دوبلر" وهو ينهضُ من رُقاده وينفضُ عنه التراب النمساوي، ويُعدلُ ربطة العنق، ليدخل معنا قاعة المسرح الكبير في دولة الأوبرا المصرية، ويجلس إلى جوارنا، حينما علِم أن موسيقاه ضيفُ الشرف على مسامع المصريين في تلك الأمسية الباذخة يوم السبت ٣ ديسمبر الجاري. وحينما بدأت الفنانةُ المصريةُ "إيناس عبد الدايم" في عزف كونشرتو الفلوت رفقة الفنان الفنلندي "سامي جونيون" وقيادة المايسترو "هشام جبر"، راح يكتم أنفاسَه وجلا وشغفًا. وبعد انتهاء المقطوعة، لمحنا دموعَه بين هدير تصفيقنا. نهض من مقعده واختفى وسط الجموع التي هدرت نحو الِمنصّة تحملُ باقات الزهر لتلقيها تحت قدمي الفنانة الجميلة التي أوحشنا حضورُها المشرقُ في مملكتها، تعزفُ الموسيقى وتعلّمنا قانون الفرح والفن الرفيع. مهامُّها كوزيرة للثقافة تنازعت شغفَها بالموسيقى. لكن الموسيقى دائمًا تنتصرُ. صدّقوا الموسيقى واحذروا من لا يحبُّ الموسيقى ولا تذوبُ جوارحُه مع قراراتها وجواباتها. لهذا احتشد المسرح الكبير بجميع أطياف عشاق الموسيقى من الوزراء والأدباء والإعلاميين والفنانين والجمهور الذي يدركُ أن الموسيقى حياةٌ. المجدُ للموسيقى والفخرُ لصانعيها وعازفيها وذوّاقيها.
“إيناس عبد الدايم" حدوتةٌ مصرية كبيرة. فعدا عن كونها موسيقارة عالمية ترفع اسمَ مصرَ عاليًا في جميع المحافل الموسيقية الدولية، فإنها أيقونةُ "اعتصام المثقفين" حين انتفضنا غضبًا ضدّ الإخوان الذين حاولوا إقالتها من منصبها كمدير لدار الأوبرا المصرية في عهدهم الأسود، ذلك الاعتصام الحضاري الذي انتهى إلى ثورتنا المجيدة ٣٠ يونيو ٢٠١٣. وسوف يشهدُ التاريخُ دائمًا أنها كانت "أول وزيرة ثقافة" امرأة في تاريخ مصر العريق. وهل أجملُ من أن تكون وزيرة ثقافة مصر موسيقارة! هذا يليق بمصرَ لأن الموسيقى تليقُ بمصر صانعة الموسيقى. ثم فتحت البابَ لتعقُبَها وزيراتٌ أخريات كانت الباليرينا الجميلة د. "نيفين الكيلاني" في طليعتهن.
لا أنسى وقوفها على خشبة مسرح المنارة قبل عامين لتعزفَ الفلوت في أوبريت "مصرُ الطريق" الذي كتب موسيقاه الموسيقار "جورج قلته"، وأنتجه رجلُ الأعمال الوطني "منير غبور" لتخليد زيارة العائلة المقدسة لأرض مصر الطيبة في غُرّة يونيو. ونشعرُ بالفخر حيث نجحتُ الدولةُ المصرية في تسجيل ملف الاحتفالات برحلة العائلة المقدسة على قائمة التراث الثقافي الإنساني غير المادي في "منظمة اليونسكو". وهذا امتيازٌ حصريٌّ لمصر دون سائر بلاد العالم، أن تختار السيدةُ مريم العذراء أرضَ مصر تحديدًا لتهرب إليها من بطش الملك الشرير "هيرودس" لتحمي طفلَها السيد المسيح عليه وعلى والدته السلام.
شكرًا لدولة الأوبرا المصرية الساحرة على هذا الحفل الممتع، وشكرًا لأوركسترا القاهرة السيمفوني على أيام "السبت" من كل أسبوع حيث نهرعُ لنتزوّد من فرائد موسيقاهم، وشكرًا على السيمفونية الخامسة للموسيقار النمساوي "جوستاف مالر" التي عزفوها في تلك الأمسية الجميلة. وشكرًا للموسيقى التي تضفرُ أرواحَنا بخيوط التحضر والأخلاق الرفيعة. وشكرًا للدكتور الفنان "مجدي صابر" مدير دار الأوبرا المصرية الذي قدّم لنا كل هذا الفرح والجمال. والشكر دائمًا لمصرَ الحبيبة التي تصنعُ الجمال وتنجبُ النجباء في الموسيقى وغيرها من الفنون الرفيعة.
وقبل أن أختتم مقالي دعوني أخبركم لماذا أسميها "دولة الأوبرا"، وليس "دار الأوبرا". لا تصدقوا أنها مجرد بناية تُقدّم الفنَّ الرفيع وفقط. إنما هي "دولةٌ" مستقلة لها: شعبٌ خاص، ومجلس حُكّام خاص، ونهجُ عيش خاص، ودستورٌ خاص، وقانون خاص، ولغةٌ خاصة. قانونُها: الجمالُ والأناقةُ والتحضّرُ والنظافةُ واحترامُ الإنسان. لغتُها: الفنونُ الراقية، مجلّس حُكّامها: رموز مصر الفنية الرفيعة. شعبُها: جمهور مثقف يتعلّق بأهداب الجمال الهاربة من واقعنا منذ ستينيات القرن الماضي. نلوذُ بدولة الأوبرا حتى نتنفس. شكرًا للموسيقى.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نلوذ بدولة الاوبرا راجين اعادة الطفل شنوده لوالديه
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 12 / 19 - 06:19 )
املين قيام الاستاذة الفاضله-وهي المعروفه بانسانيتها الفذه التوسط لدى شهامة دولة الاوبرا لايصال صوت الملايين في مصر وفي ديار البشر كلها الى دولة الحكومه ليعود شنوده لاحضان والديه-تحياتي


2 - كارثه بمعني الكلمه
Magdi ( 2022 / 12 / 19 - 10:58 )

كارثه بمعني الكلمه https://www.facebook.com/100044230060105/videos/498334559056657

الي اين قهر وظلم الاقباط

علي لسان المستشار احمد عبدة ماهر

تعذيب الطفل شنودة. امام اعين الدوله والاقباط والكنيسه

إزالة الصليب من يد الطفل شنودة بامر مين

الطفل شنودة يصرخ ولا احد يسمع له

اخر الافلام

.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال