الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرفانُلوجيا دراسة العرفان علمياً

حسن عجمي

2022 / 12 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


العرفانُلوجيا عِلم العرفان الذي يهدف إلى دراسة العرفان علمياً من خلال تحليل العرفان على أنه معادلة علمية قابلة للاختبار. تعتبر العرفانلوجيا أنَّ العرفان معادلة مفادها التالي: العرفان = لا مُحدَّدية المعرفة× وحدة المعارف. إن كانت المعرفة مُحدَّدة أو إن كانت المعارف المتنوّعة لا تشكِّل نظاماً معرفياً واحداً ومنسجماً فحينئذٍ المعادلة السابقة كاذبة. وبذلك من الممكن اختبارها ما يجعلها معادلة علمية.

من غير المُحدَّد إن كانت المعرفة اعتقاداً (مُبرهَناً عليه) بأنَّ الكون مادي أم اعتقاداً (مُبرهَناً عليه) بأنَّ الكون مثالي مجرّد ولذلك ننجح في وصف الكون وتفسيره على أنه مادي (كأن يكون متكوِّناً من ذرات مادية) كما ننجح في وصف الكون وتفسيره على أنه مثالي مجرّد (كأن يكون متكوِّناً من معلومات مجرّدة كما يقول الفيزيائي جون ويلر أو متكوِّناً من معادلات رياضية مجرّدة كما يقول الفيزيائي ماكس تغمارك). هكذا لا مُحدَّدية المعرفة تُفسِّر نجاح النظريات العلمية المتنوّعة في وصف الكون وتفسيره رغم اختلاف النظريات العلمية و تعارضها. و هذه القدرة التفسيرية الناجحة تدلّ على صدق لا مُحدَّدية المعرفة. إن كانت المعرفة مُحدَّدة فحينئذٍ لا بدّ من أن تكون إما معرفة بأنَّ الكون مادي و إما معرفة بأنَّ الكون مثالي مجرّد. ولكن بما أننا نعرف بأنه مادي و بأنه مثالي مجرّد أيضاً من جراء نجاح وصف الكون وتفسيره على أنه مادي ومثالي مجرّد في آن، إذن المعرفة غير مُحدَّدة. الآن، بما أنَّ المعرفة غير مُحدَّدة بينما من المفترض أن يكون مصدر العرفان إلهياً فمُعبِّراً عن الحقائق كحقيقة أنَّ المعرفة غير مُحدَّدة، إذن لا بدّ من تحليل العرفان من خلال لا مُحدَّدية المعرفة تماماً كما تؤكِّد على ذلك معادلة العرفان.

بالإضافة إلى ذلك، بما أنه من المفترض أن يكون مصدر العرفان إلهياً وبذلك لا بدّ من أن يكون العرفان خالياً من الخطأ كأن يكون غير متناقض، إذن من الضروري أن يتضمن العرفان وحدة المعارف لأنه بغياب وحدة المعارف تتعارض المعارف و تتناقض ما يعارض أن يكون مصدر العرفان إلهياً. من هذا المنطلق، لا بدّ أيضاً من تحليل العرفان من خلال وحدة المعارف تماماً كما تفعل معادلة العرفان بقولها إنَّ العرفان يساوي لا مُحدَّدية المعرفة مضروبة رياضياً بوحدة المعارف. و إن كانت المعرفة غير مُحدَّدة فحينئذٍ كل المعارف المتنوّعة تشكِّل حقلاً معرفياً واحداً ومنسجماً بفضل لا مُحدَّديتها. هكذا لا مُحدَّدية المعرفة مرتبطة بالضرورة بوحدة المعارف ما يدلّ على مصداقية تحليل العرفان من خلال لا مُحدَّدية المعرفة و وحدة المعارف معاً.

من جهة أخرى، المعرفة الحسية والعقلية الناقصة تميِّز بين المعارف كالتمييز بين المعرفة بأنَّ الكون مادي والمعرفة بأنَّ الكون مثالي مجرّد. وبذلك العرفان المُعرَّف بوحدة المعارف و لا مُحدَّديتها يتعالى على المعرفة الحسية والعقلية السائدة. هكذا تنجح معادلة العرفان في التعبير عن تعالي العرفان. فالمعرفة بأنَّ الكون مادي مطابقة للمعرفة بأنَّ الكون نفسه مثالي مجرّد لأنه من الممكن بنجاح وصف الكون وتفسيره على أنه مادي و مثالي مجرّد في آن (كأن يُوصَف ويُفسَّر على أنه متكوِّن من ذرات مادية و معلومات مجرّدة أو معادلات رياضية مجرّدة معاً). و معادلة العرفان تنجح في التعبير عن وحدة هاتين المعرفتيْن من جراء تضمنها لوحدة المعارف ما يدلّ على تفوّقها. العرفان وحدة كل المعارف التي من ضمنها المعرفة الحسية والعقلية. ولكن تتعالى الوحدة و تختلف عن أيّ جزء منها. وبذلك يختلف العرفان و يتعالى على المعرفة الحسية والعقلية.

تنجح معادلة العرفان أيضاً في تفسير لماذا قبول الآخر هو جوهر أساسي من جواهر العرفان ما يشير إلى صدقها. فبما أنَّ العرفان = لا مُحدَّدية المعرفة× وحدة المعارف، إذن تتساوى كل الأنظمة المعرفية والاعتقادية فلا أفضلية لاعتقاد منسجم على اعتقاد منسجم آخر مختلف من جراء وحدة المعارف و لا مُحدَّديتها مما يحتِّم قبول الآخر و إن اختلف عنا. وبذلك يؤسِّس العرفان للفلسفة الإنسانوية القائمة على قبول الآخر المختلف. إن كانت المعارف المتنوّعة تشكِّل حقلاً معرفياً واحداً ومنسجماً، إذن لا تفضيل لمعرفة على أخرى. و إن كانت المعرفة غير مُحدَّدة، إذن لا تفضيل لاعتقاد (منسجم ذاتياً) على اعتقاد آخر. و بهذا تتساوى المعتقدات والمعارف فتتساوى السلوكيات القائمة على تلك المعارف والمعتقدات ما يتضمن المساواة بين كل الأفراد والثقافات والأديان والأنظمة الفلسفية والعلمية. هكذا معادلة العرفان معادلة الإنسانوية بامتياز.

مثلٌ على العرفان قول إبن عربي : "لقد صارَ قلبي قابلاً كلَّ صورةٍ / فمرعىً لغزلانٍ و ديرٌ لرهبانِ / و بيتٌ لأوثانٍ و كعبةُ طائفٍ / و ألواحُ توراةٍ و مصحفُ قرآنِ / أدينُ بدينِ الحُبِّ أنّى توجّهت / ركائبُهُ فالحُبُّ ديني و إيماني". يتضمن هذا النصّ الشِّعري قبول القلب لكلّ الظواهر الطبيعية والأديان المتعدّدة فيُعبِّر بذلك عن وحدة الوجود و وحدة الأديان والمعارف. مثلٌ آخر على العرفان قول رابعة العدوية: "أحبُّكَ حُبيْن حُبَّ الهوى / و حُبَّاً لأنّكَ أهلٌ لذاكَ / فأما الذي هو حُبُّ الهوى / فشغلي بذكركَ عمَن سواكَ / و أما الذي أنتَ أهلٌ له / فلا أرى الكون حتى أراكَ / فلا الحمدُ في ذا و لا ذاكَ لي / ولكن لكَ الحمدُ في ذا و ذاكَ". في هذا النصّ الشِّعري، لا تتمكّن رابعة من رؤية الكون سوى من خلال رؤية الله وبذلك تعلو عن رؤية ثنائيات الكون الكاذبة فتصل إلى وحدة المعارف برؤية وحدانية الله ومعرفته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع