الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة التابوهات الثلاثة و الإبداع

محمد حسين يونس

2022 / 12 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وتغيرت الأيام .. إنزاح عالمي الغني بالفن و الثقافة و المعرفة .. ليترك المسرح لاشباه المبدعين تسوقهم مخاوفهم و أطماعهم .. و توجيهات الجهالة للدرك الأسفل من التفاهه .
الفرق بين الأدب و الفن في منتصف القرن الماضي عندما وعيت .. وما هو عليه اليوم .. هو الفارق بين الوزير ثروت عكاشة صاحب الموسوعاته الفنية و الرؤية الإستراتيجية لتطوير الذوق العام .. و الوزيرة إيناس عبد الدايم عازفة الفلوت ذات الصوت المغشلق مقطوعة النفس التي لم تقرأ كتابا في حياتها و تعميها الرغبة في التكسب السريع عن القيام بمهام تطوير وزارتها .... عمق شديد و ضحالة مؤسفة .
كيف حدث هذا التحول
قبل 1952 .. كان الشعر لدينا .. هو أحمد شوقي و حافظ إبراهيم ..و البارودى .. و كان الأدب ..المنفلوطي و توفيق الحكيم و يحي حقي و طه حسين ..
و بعد 52 ظهرت أسماء مثل نجيب محفوظ و يوسف إدريس و إحسان عبد القدوس و فتحي غانم..كانت لهم كتابات قديمة .. و لكن أظهرهم وهج التغيير و مدى توافقهم مع الحكام الجدد .
في خمسينيات و ستينيات القرن الماضي كنا اقرب من اللغة العالمية المعاصرة و كان من الممكن أن ترى الفيلم المصرى في المهرجانات أو اللوحة والتمثال في البينالي العالمي و أشهر المسرحيات علي المسرح القومي أو الحكيم أو الطليعة ..
ثم تطورت الأمورمع الإستسلام للفكر السلفي والسيطرة الأمنية حتي سقطنا في حبائل التفاهه و الجهل و التعتيم و التعمية و محاصرة الإبداع .
لم تكن البداية سهلة كما يتصور البعض فقد حذرنا الذين تعاطوا هذه الحرفة قبلنا من التابوهات الثلاثة .. الجنس .. السياسة .. الدين وبترتيب خطورتها بمعنى أنه يمكن التسامح فى الجنس وجزئيا فى السياسة ولكن لا تسامح مع الدين
فالرقيب المجتمعي ( الأزهرى قبل و بعد 52) كان يقف بالمرصاد لكل من تخطي الخطوط الحمراء يردع المخالف و يصادر الكتب حتي لو كانت في حجم (( من هنا نبدأ)) لخالد محمد خالد أو ((الشعر الجاهلي )) لطة حسين أو(( أولاد حارتنا )) لنجيب محفوظ .. و يحرم الفنون و يعتبر الموسيقي مزمار الشيطان .. و التماثيل أصنام و أوثان ورسومات الأشخاص ضلالة .. و يطارد المبدعين ..خوفا علي الناس من الغواية والفتنة و التغير .
لذلك كنا مجتمعا يعجز عن الإبداع الا في حدود ما يسمح به الرقيب ..الديني و السياسي و الأخلاقي ..و أطاع هذا كبار الأدباء و الفنانين .. فجاء أدبنا ملتزم حتي أن إحسان عبد القدوس إعتبر فاضحا و لا يقرأة المحترمون ..
وجاءت معظم أغانينا في الخمسينيات ..أناشيد .. و مدائح .. أو تعبير عن حالة رومانسية ممرضة .. بما في ذلك الشعبي منها الذى كنا نسمعه في شوادر الغناء أثناء الموالد و الإحتفالات الدينية .
عندما نضجنا أكثر وقرأنا ديستيوفسكى و أندريه جيد وجابرييل جارسيا ماركيز و كازنزاكيس صدمنا بكسرهم لمثلث التابوهات ..ومع ذلك لم تتغير مفاهيمنا كما إدعوا ..و لم نتلف.. كما صور الرقباء .. بل إكتشفنا أن الحرية هي الأمان من أجل الصحة النفسية و العقلية للبشر .
و أن الفن لا يزدهر إلا مع الحرية ..أو كما قيل في الماضي إذا أردت أن تستمع لغناء الطيور فإغلق الأقفاص وإزرع الأشجار.
عندما جاءتنا روايات محمد شكرى وحنان الشيخ والماغوط .. ثم عبد الرحمن منيف وغالب هلسا و حيدر حيدر ..و الطاهر وطار ..من خارج الحدود ..وجدنا أن كل منهم قد كسر تابوها .. و تبينا أن هناك رواية حديثة باللغة العربية تشكلت بعيدا عنا .. جاءت بعد أن تفاعل هؤلاء الرواد مع ثقافة العالم الغربي ..و طرد كل منهم الرقيب من عقله ليبدع .
كذلك عندما رأينا أفلام فليني و بازوليني و فيسكونتي في نادى السينما .. و غيرهم من الشرق أو الغرب ..عرفنا أنه لم يوجد لديهم إلا المحدود من السدود سواء فى الكتابة أو السينما أو المسرح أو الرسم و النحت و وسائل الإبداع الأخرى فانطلقت لديهم الأفكار السوية والمريضة المبهرة الأصيلة والمقلدة الممجوجة وعلى الإنسان أن يختار .
أما لدينا ( بإستثناء طه حسين ) كان طائر الإبداع لازال محبوسا فى قفصه يرتعد من ترسانة المحرمات و القيود و الغثاثة الشرقية.حتي ستينيات القرن الماضي عندما كان في إستطاعة أدباء و فناني مصر عبور الهوة ومواكبة الأداء الفني المعاصر
البعض منهم خرج من قيود رومانسية ( محمد عبد الحليم عبد اللة ) و الخطابة الوعظية ( للمنفلوطي و علي أحمد باكثير )..وضرب التابوهات .و إنتصرت الحرية.. لتنتج أدبا و فنا و مسرحا و سينما خرجت بالإبداع المصرى الى حدود الحداثه الغربية وما بعد الحداثه من تأثيرات على البناء الدرامي واللغة الشعريه وتجاوز المألوف..
إبداعات الستينيات هذه هي التي شكلت ذوقي و توجهاتي الفنية .. كنت شابا في العشرينيات أدرس العمارة و ما حولها من فنون .و مغرم بيوسف إدريس ( مسرح وقصة ) الذى كان القائد بلا جدال ..ومن سار علي دربه .. من الذين حملوا شعلة الحداثة ..مثل صلاح جاهين .. و الأبنودى ..وسيد حجاب في الشعر وعبد الحكيم قاسم .. و يحي الطاهر عبد اللة ..و بهاء طاهر ..و إبراهيم أصلان ..و جميل عطية ..و علاء الديب ..والأسوانى و صنع اللة إبراهيم في الأدب ....وبإنتاجهم قادوا نهضة واسعة تجعل الفن في مصر يقترب من ذلك الذى كان متداولا في العالم
جيل الستينيات كما أطلقوا عليه إختار ان يقدم رؤيته لما يحدث حوله ويعلن تصوره للمستقبل من خلال شكل فني اقرب للقصيده او اللحن التى تترك لدى المتلقى انطباعات واحاسيس تختلف من شخص لأخر وقد تدفع البعض الى التفكير وتفكيك الاحداث ثم اعادة تركيبها بما يناسب تصوره الخاص ليصبح شريكا إيجابيا فى صناعة العمل الفنى
أدباء الستينيات إستخدموا جميع المدارس الحديثة المعروفة في زمنهم التأثيرية و السريالية و التجريد والداديزم .. خلطوا الواقع بالحلم .. والماضى بالمستقبل .. والممكن بالمستحيل .. في محاولة لان يستشفوا مصير مجتمعهم بعد تغييرات الستينيات السياسيه الحاده
الغموض ... الرموز المثيولوجيه و الشعبية ... السحر ... كسر المألوف كلها او بعضها كانت ادوات استخدمها الفنان فى أعماله مما اكسبها طابعاً خاصاً ورؤيه ابعد من الحدث نفسه فى محاوله لأعادة صياغه حاضره من اجل استكشاف الآتى .. فى تيمات حديثه مغلفه بثوب سحرى يعيد فيها المؤلف صياغة النمط الحضارى للبشر وعلاقتهم بالكون فى رحله طويله ذات ملامح لا تخطئها عين القارىء المهتم بمفردات التراث المصرى القديم
أين ذهبت هذه الطفرة الفنية .
مع الصعود الساداتي .. حدث تغيير في توجهات المجتمع .. و بالتالي إنتاج الفنانين و الأدباء إنعكس علي القصة و الرواية و السينما و الشعر .. لتنتكس كل الفنون و تعود لزمن ما قبل الحداثة ..
زمن الحكاية و الموعظة الحسنة و توته توته خلصت الحدوته و ينتشر علي صفحة الفن أقزام منتفخي الأوداج ... مبتعدين بالإنتاج الفني عن مجرى حركة الفنون العالمية ..و تنطفيء الشعلة..
و يسعي الفنان خلف رزقة .. سواء في وزارة الثقافة .. أو في دكاكين النقد بالجرائد و المجلات .و وسائل الإعلام ..يحاول ألا يتصور النظام أنه مختلف معه ..و يرتعب أن يقام ضده دعاوى الحسبة .. تسجنه.. و تدمر حياته و تسكت صوته للأبد .. و رجعت ريمة لخنها و عادتها القديمة ..تتجنب التابوهات الثلاث ..و تسقط في حبائل خية التفاهه .
0 comments








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج