الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السؤال في الفلسفة

مصطفى الأحول
كاتب وشاعر

(Mustapha Elahoual)

2022 / 12 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"الأهم في الفلسفة ليست الآجوبة، وإنما الأسئلة." كارل ياسبرز.

فكل جواب سرعان ما يتحول إلى سؤال، فالخطاب الفلسفي خطاب تساؤلي، يعتمد بالأساس على الأسئلة دون الوقوع فيما يسمى الدور الفاسد، وهو أن تضع سؤال وتجيب عنه بسؤال على طريقة الأطفال حين يسألونك، وكل جواب يحولنه إلى سؤال، وهكذا دواليك. فأهمية السؤال في الفلسفة تكمن في أن صعوبة نهاية المعرفة بصدد هذا الموضوع الذي نعالجه. فسؤال مثل، ماالوجود؟ ما الفلسفة ؟ ما الحرية ؟ لا يمكن أن نقدم جوابا واحداً. فكل الفلسفات حين نقرأها في كتاب هي عبارة عن حقل من التساؤلات، فنجد الفيلسوف ينصح في البداية بالتساؤل. فما هي طبيعة السؤال الفلسفي ؟ وهل هناك شكل واحد للسؤال أم أشكالا متعددة ?

قبل الحديث عن السؤال السقراطي،كما دأب الحديث عن ذلك كلما وجب الوقوف على هذا الينبوع الذي انبثق منه على الدوام الدافع إلى التفلسف. وجب علينا بادئ ذي بدء، الوقوف على السؤال السفسطائي، بإعتباره النمودج الأول للسؤال في الفلسفة. فالسؤال لديهم هو جدال يثبت الشيء ونقيضه. يقولون السرعة موجودة، ويثبتون ذلك، وكذلك يثبتون عدم وجود السرعة. فالسؤال السفسطائي يؤمن بالتناقض فهو قادر على إثبات الشئ ونقيضه في نفس الوقت. فالضرورة الإجتماعية هي من تدعوا الى السؤال، ضرورة تعليم الناس كيف يتكلمون ويقنعون الآخر بأفكارهم، وذلك استناذا الى القدرة الحوارية والسجالية وهي المناقشة الحادة والدفاع عن الأطروحة بالحجج مقابل أطروحة مقابلة لها. فالسؤال السفسطائي سجالي جدالي يؤمن بالتناقض.
والنموذج التاني من السؤال هو الذي مثله سقراط. وهو مرتبط بشخصية هذا الفيلسوف، فلقد كان يدرس الفلسفة وهو يمشي في أزقة أثينا. فالسؤال السقراطي هو سؤال حواري، فهو لا يتكلم بمفرده ولا يتساءل مع ذاته، بل يسأل شخصا ما ويحاوره. فيضع عليه أسئلة ويتدرج فيها وكانت أسئلته في مجال القيم مثلا: ما العدالة ؟ ما الخير؟ ما الشر؟ فالسؤال السقراطي له خاصيتان تميزه، التهكم والتوليد.
ففي الأولى (التهكم) كان يتصنع الجهل، ويتظاهر بتسليم أقوال محدثيه،ثم يلقي الأسئلة ويعرض الشكوك، شأن من يطلب العلم و الإستفادة، بحيث ينتقل من أقولهم إلى أقوال لازمة منها ولكنهم لا يسلمونها فيوقعهم في التناقض ويحملهم على الإقرار بالجهل. فالتهكم السقراطي هو السؤال مع تصنع الجهل، وهدفه تحرير العقول من العلم السوفسطائي. ثم ينتقل الى المرحلة الثانية فيساعد محديثه بالأسئلة والإعتراضات محكمة ومرتبة ترتيبا منطقيا على الوصول الى الحقيقة التي أقروا أنهم يجهلونها، فيصلون إليها، ويحسبون أنهم استكشفوها بأنفسهم.فالتوليد هو استخراج الحق من النفس ،وتعرف كلمة التوليد في اليونانية بالميوتيقا وتعني التوليد. ويعرف التساؤل السقراطي بصفة التساؤل الميوتيقي.
والنموذج الثالت هو السؤال النقدي الحديث. فكيف أمكن أن يتحول السؤال إلى نقد ؟
إن التفلسف عملية نقدية تساؤلية ،أي أن الفيلسوف ينتقد،ويعيد النظر والتساؤل حول نتائج نقده ،وهذه الأشياء هي الحقائق سواء المرتبطة بالانسان أو المجتمع. وما يتوجه إليه النقد هو الدوغمائية، وتعني الوثوقية، ونقصد بها ذلك الوثوق المطلق في الأشياء أو قدرات الإنسان، أي تلك الثقة العمياء في إطلاقية الأشياء، والنقد هو إستيقاظ من السبات العميق، إذن فالنقد كسؤال فلسفي هو مواجهة الدوغمائية، كما يقر النقد بحقائق نسبية.فالنقد التساؤلي هو نقد للبداهات، أي إعادة النظر فيما يعتبره الإنسان بديهيا وواضحا بذاته، ولقد سمي هذا النقد للبداهات بالثورة الكوبرنيكية. وهذا ما مثله الفيلسوف الألماني كانط ،فالنقد عنده هو إعادة النظر في القضايا أي إعادة النظر والتساؤل من جديد ،ورسم الحدود للعقل الإنساني.فكانط له ثلاث كتب عناوينها: النقد والعقل ، نقد العقل الخالص, نقد العقل العملي، نقد ملكة الحكم. من هذه العناوين الثلاثة يتضح لنا التساؤل الكانطي، فهو يتجه إلى قدرة الإنسانية على التساؤل وهي العقل، ويبدأ كانط بالقدرات الإنسانية، فيرسم كانط للعقل حدودا، فيقول أنه لا يمكن للعقل أن يفكر في كل شيء، ولا يمكن له أن يتساءل في كل شيء، فهناك موضوعات قابلة للتساؤل، وموضوعات آخرى غير قابلة للتساؤل، فكانط ينتقد العقل ويضع له حدودا، والقضايا التي يستطيع أن يتساءل فيها العقل يسميها كانط " فينومين phénomène أو عالم الظواهر، كأن يسأل العقل حول الطبيعية ومكوناتها، أما القضايا التي لا يمكن للعقل أن يتساءل حولها سماها كانط" نومين " nouméne أو الشيء في ذاته، مثل مسألة الحرية أو الخلود أو الوجود، والتي هي موضوعات ميتافيزيقية، فالعقل الخالص لا يمكنه أن يفكر إلا في الظواهر. ويمتاز السؤال الكانطي بصفة جوهرية أساسية هي النقد، وبهذه الصفة سمي عصره بالنقد، فالسؤال الكانطي سؤال نقدي بإمتياز.
وهو نفس النقد الذي مارسه الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه، وسمي نقده بخلخلة مفاهيم العقل، فنيتشه في فلسفته حاول تقويم العقل أو ما أسماه هو بالأصنام والأوهام، فعقل يعتقد أنه يملك منهجية، وأنه يملك أسسا تشكل منطلق خطواته، يرى نينشه بأن هذه الأسس تشكل أصناما وأوهاما، لأن العقل ما هو إلا قوة حيوية، والعقل عند نيتشه لا قيمة له دون حدس وبدون عواطف،وبدون ارادة، فلابد من أن يتحد العقل والحدس، والدافع الحيوي لكي يدرك الإنسان ويتعرف على الحقيقة.

إذن فالفلسقة تقوم على السؤال،ويختلف السؤال العادي عن السؤال الفلسفي . فالسؤال لا يأخذ طابعه الفلسفي إلا عندما يقوم على إعادة النظر في الافكار القائمة والسائدة حول موضوع معين،وعندما يصبح السؤال عن قيمة تلك الأفكار، أي عندما نجعل من السؤال منطلقا ومبدأ.هكذا يبدأ فعل التفلسف، حين تكف الأمور عن تقديم نفسها كبداهات، فتتولد الأسئلة، إذن بدون ممارسة التساؤل تحافظ الأراء على يقينها المطلق .فالسؤال الفلسفي، ليس هدفا في حذ ذاته، إنه لا يهدف إلى زحزحة القناعات والمعارف، لأن السؤال من أجل السؤال هو دوران في حلقة مفرغة بل إنه بداية الإستقلال عن العادة التي يألفها الفكر.















المراجع.
1كارل ياسبرز،مدخل إلى الفلسفة
2/يوسف كرم ،تاريخ الفلسفة اليونانية
3/ أفلاطون تيتانيوس
4/نيتشه أفول الأصنام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام