الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا شيخنا الكبير، رفقا بالقوارير

محمد زكريا توفيق

2022 / 12 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رسالة مفتوحة إلى شيوخنا الكرام: تحية كبيرة تليق بمقامكم الكبير، وبعد،

فيا شيخنا الكبير، ليس من المعقول أن تطارد الناس من حين إلى حين بهذا الشكل القميء. تأخذهم، أخذ عزيز مقتدر، إلى المحاكم، بتهمة ازدراء الأديان، كلما تفوه أحدهم بكلمة، أو جاء برأي لا يرضي جنابك. فالرحمة حلوة برضه.

يا شيخنا الجليل، إن كنا قد أخطأنا، وجل من لا يخطئ، فخذ بأيدينا واهدنا إلى الصراط المستقيم. ولا تجرجرنا وراءك إلى المحاكم ودهاليز القضاء، كما يجرجر السفلة والمجرمين.

وأنت عاقد العزم والنية، مع سبق الإصرار والترصد، على تكفير من يبدي رأيه، والتحريض على قتله وسمل عينيه، وخراب بيته وتطليقه من زوجه وتشريد عياله. ولسان حالك يقول: " أنا ابن جلا وطلاع الثنايا – متى أضع العمامة تعرفوني"

ماذا نفعل إذا وجدنا الجهاز، الموجود في رؤوسنا، والمسمى بالمخ، يخبرنا ببعض الحقائق التي كانت غائبة عن السلف الصالح، بحكم اختلاف العصر والأوان؟

وبماذا نجيب أولادنا عن أسئلة وتساؤلات كثيرة، يعودون بها من المدرسة، عن الخلق، والحياة، والظلم الذى يملأ قلوب البشر، ولا نجد لها إجابات في التراث والتفاسير القديمة؟

هل نجري وراء أولادنا بالهراوات والسنج والبواني الحديد؟ أم نجيبهم بما تسر لنا من علم وفهم جديد، لم يكن متوافرا للسلف الصالح من قبل؟

الآن، لدينا الكمبيوتر وشبكة الإنترنت الرهيبة، التي تجعل المعلومة طوع بنانك. تأتي طيعة أمامك، بالصوت والصورة، وبالكلمات وبكل اللغات، في جزء من الثانية. فسبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين.

سيدي الشيخ، المصادر العلمية المتوافرة للباحث اليوم، لم تكن موجودة زمان، أيام البهاليل والسلطان شعبان. والباحث اليوم، يستطيع أن يلم بكل ما يعرفه السلف الصالح والطالح. بالإضافة إلى أطنان جديدة من المعرفة، لم تكن متوافرة لشيوخ الماضي.

السلف، لم يكونوا يعرفون ما نعرفه اليوم، وهذا شيء بديهي. كل معلماتهم، بالرغم من احترامنا الشديد لهم، لم تكن دقيقة، ولا تمثل واحد في المليون، من المعرفة الحديثة بفروعها المختلفة.

حجم المعرفة الموجود اليوم، يشيب لها الولدان، ولا تخطر على بال إنسان. وبالطبع لم تخطر، حتى في الأحلام، على بال مشايخنا الكرام أيام زمان.

السلف الصالح لم يكونوا يعرفون شيئا عن الميكروبات والفيروسات وتركيب الذرة والخلية والحامض النووي (DNA)، والنظريات الحديثة، مثل النسبية الخاصة والعامة ونظرية الكم والأوتار والتطور، والكمبيوتر وخلافه.

كانت تنقصهم المعرفة بالعلوم الرياضية الحديثة ومعادلاتها المعقدة ونظريات الاحتمالات، التي تساعدهم في كشف أسرار الطبيعة والتنبؤ بالمستقبل..

ومعرفة كيف تنتشر موجات الضوء في الفراغ، وموجات الحرارة في الموّصلات والسوائل. وكيف تتحرك الإلكترونات في أشباه الموصّلات. وكيف تتواجد النجوم والأجرام السماوية، وكيف تنفجر وتموت فى نهاية عمرها المديد، أطال الله فى عمرك.

العلوم الحديثة تساعدنا على معرفة تغير المناخ، والتنبؤ بحركة الرياح والتيارات البحرية فى المحيطات، والأنهار وخلافه.

لذلك كانت تفسيرات السلف الصالح لمعظم الظواهر الطبيعية، بسيطة وساذجة. تعتمد أساسا على وجود الملائكة والشياطين والعفاريت والجان والقوى الخفية، ودمتم.

هل تعلم يا مولانا أن بتلات الزهرة والقرنبيط وفروع الشجرة وتوالد الأرانب، تتبع نمط واحد عددي يسمى "أعداد فيبوناتشي".

وأن بعض الزهور تتفتح تبعا لخواص القطع المكافئ الضوئية. بالطبع هناك سبب. لكي تتجمع أشعة الشمس المتوازية في بؤرة الزهرة عند البتلة.

هناك أعداد هامة أخرى، تفسر لنا كيف تعمل الطبيعة وتكشف لنا شيئا عن أسرار هذا الكون. مثل ط، نسبة محيط الدائرة للقطر، وأعداد: أويلر، وبلانك، والنسبة الذهبية، وأعداد، لوكاس، وكاتالان، و"بل" وغيرها.

بالطبع شيخنا الجليل ومعظم مشايخنا الكرام، قد حبسوا أنفسهم فى آية واحدة أو بضع آيات أو حديث نبوي مشكوك في صحته. لا يستطيعون الخروج منه، أو تفسيره بما يتماشى مع علوم العصر.

هل تعلم يا شيخنا، أن هناك مادة ومضادات للمادة. إذا تقابلا، تلاشيا واختفيا من الوجود. ولم يبق منهما شيء سوى وميض ضوء، هو بمثابة الروح تصعد إلى بارئها.

وأن الزمن يرجع إلى الوراء، أي إلى الماضي، بالنسبة لجزيئات المادة الصغيرة. فهل هذا كفر أيضا. الزمن ينكمش ويتمدد، مثل آلة الأكورديون، حسب الحركة واتجاهاتها. وأن الكون والفراغ ينبعج وينكمش، ويتحدب ويتقعر، ويلتوى مثل الرغيف الملعبط، وفقا لما به من مادة.

هل تعلم يا مولانا، أن فى كل خلية من الخلايا الحية، موسوعة علمية ودار معارف مكتوبة بلغة رقمية مثل لغة الكمبيوتر. مدونة بأربع حروف فقط لا غير. هي المسؤولة عن كل شيء يقوم به الكائن الحي.

هذا جزء صغير جدا من المعلومات المتوافرة لنا حاليا، على سبيل المثال. بالتأكيد لم تكن متوافرة للسلف الصالح. ليس هذا عيب فيهم، أو ميزة فينا، لكن بسبب أنهم سبقونا وجاءوا قبلنا. فماذا نفعل بهذه المعلومات؟

هل نضع هذه المعلومات فى غرفة من غرف القصر، ونغلقها بالضبة والمفتاح، ونجلس بالنبوت على بابها، لكي نمنع أي متطفل من التسلل ومعرفة ما بداخلها.

وهذا ما يفعله مشايخنا الكرام اليوم بالحجر على العقول ومنع حرية الرأي. أم الأفضل ترك هذه المعلومات والكنوز وتراث البشرية ملكا للجميع؟

لماذا الخوف؟ إذا وجدنا تعارض، فالخطأ يكون دائما فى التفاسير. التفاسير مجهود بشري. ولولا أنها مجهود بشري، لما كان لدينا المذاهب الأربعة: المالكي والحنفي والشافعي والحنبلي. فالمعنى، كما يقول الفيلسوف "لودفيج فيتجنشتاين"، لا يمكن أن ينفصل عن اللغة المستخدمة.

يا سيدي، الإمام أبو حنيفة لم يقبل من الأحاديث النبوية سوى 17 حديث (الدكتور أحمد أمين). ولم يكفره أحد، أو يأخذ بتلابيبه ويجره للمحاكم. والخليفة عمر، أبطل حدا من الحدود، فى عام المجاعة، ولم يكفره أحد، بسبب ذلك أو يلومه.

الباحث والناقد للأديان، ليس بكافر. فدراسة الأديان ملك لكل الناس، مثل دراسة أي تاريخ. وليست ملكا لفئة معينة تحتكر الإسلام، لأسباب شخصية وسياسية.

شبابنا يريد أن يعرف لماذا هناك شيعة وسنة ودروز وعلوية. ولماذا ينقسم الإسلام إلى فرق وأحزاب دينية. ولماذا كان هناك خوارج وقرامطة وحشاشين وأزارقة وأصافرة ومعتزلة وخلافه. لماذا قامت حروب دامية بينهم؟ وليس فى دراسة التاريخ الإسلامي، أو أي دين، عيب. بل واجب مقدس على كل فرد.

الصحابة، كانوا منقسمين على أنفسهم. وقامت بينهم حروب وإسالة دماء. حروب بين الإمام على وطلحة والزبير. وكانت السيدة عائشة فى جانب طلحة والزبير ضد الإمام علي.

وقامت أيضا حروب بين علي ومعاوية. وبين الحسين ويزيد بن معاوية. والصراع على الخلافة، لم يتوقف لحظة واحدة إلى أن ألغيت الخلافة فى تركيا فى النصف الأول من القرن العشرين. وبعد أن تحول الحكم إلى ملكية وراثية، كان سلاطين المسلمين، يقتلون آباءهم ويخنقون أخواتهم حبا فى السلطة.

إننا عندما ندرس التاريخ الإسلامي الحقيقي، لا المزور، نتعلم منه ونستفيد من الأخطاء، إن كان هناك أخطاء، والمزايا إن كان هناك مزايا.

وإذا قام باحث منا، بدراسة المجتمع، أو حالة العرب فى الجزيرة قبل الإسلام أو بعده، فلا يعتبر هذا الباحث كافرا، يستباح دمه، ونسعى إلى تطليقه من زوجه.

الباحث قد يخطئ وقد يصيب. وهذا شأن كل باحث فى كل مكان وكل أوان. إن أخطأ، وجل من لا يخطئ، فله أجر اجتهاده. واجبنا تبصيره بالخطأ والرد عليه، لا قتله أو سجنه وتشريده. وإن أصاب، فله أجران. أجر اجتهاده، وأجر صوابه.

يا شيخنا الجليل، بالله عليك لا تكن من الظالمين. فالله لا يحب الظلم. لقد كان فى تاريخنا الإسلامي، من رشق المصحف بالسهام وهو يتغنى بالشعر. وآخر قفل المصحف، عندما أتته البشارة بالخلافة، وقال، "هذا آخر عهدي بك"، ولم يكفره أحد. وثالث قذف الكعبة بالمنجنيق وهدم جزءا منها، ولم نكفره أيضا.

يا شيخنا الكبير، رفقا بالقوارير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية
عدلي جندي ( 2022 / 12 / 25 - 09:15 )
أستاذ محمد
يا ترى
مقام كبير....!؟
لعلومهم الوفيرة التي ساهمت ف الحضارة وساندت الإنسانية والتحرر ووو
واللا مقام كبير بحكم سلطانهم ع عقول البهاليل وسلطتهم ال


2 - تحية
عدلي جندي ( 2022 / 12 / 25 - 09:18 )
أستاذ محمد
يا ترى
مقام كبير....!؟
لعلومهم الوفيرة التي ساهمت ف الحضارة والبحث العلمي والتقني والأركيولوجي وو وساندت الإنسانية والتحرر ووو
واللا مقام كبير بحكم سلطانهم ع عقول البهاليل وسلطتهم الغاشمة بالتحالف مع رجل السلطة
مقال بمقام عالم مثقف حر
وكل عام وأحبابكم والعالم بكل خير وسلام


3 - إلى العزيز عدلي جندي
محمد زكريا توفيق ( 2022 / 12 / 25 - 14:44 )
شكرا لمرورك الكريم، وكل عام وأنتم بخير وعافية


4 - لتسامحك آلهة قريش
ماجدة منصور ( 2022 / 12 / 25 - 16:46 )
حضرتك تطرقت للإشارة بعلوم حديثة يعتبرها الشيخ الغير جليل هرطقة و كفرا!!!0
جنابك متهم بتنوير العقول و هذه فتنة و ضلال فالشيخ الغير جليل قد توقف عنده الزمن منذ أكثر من 1400 عام0
و ليذهب العلماء الكفرة لقاع جهنم0
لتسامحك آلهة قريش مجتمعة يا أستاذنا محمد...فأنت تمسك مطرقة بيدك تطرق بها رؤوس صلدة متيبسة متعفنة 0
أستاذنا محمد: لن نعيش بسلام طالما بقي هؤلاء المشايخ في مواقع السلطة فهؤلاء الجهلة يمتلكون قدرة غريبة و عجيبة على مسح العقول0
كل عام و حضرتك بألف خير
تعيش و تكتب
فأنت تدق مسامير كثيرة في ( ثوابت) ميتة و تلك ( الثوابت ) ق أخذت تنهار و تتفتت على رؤوس أصحابها0
إحترامي لكم


5 - النظام التراكمي القرآني سبق(أعداد فيبوناتشي) بقرون
ليندا كبرييل ( 2022 / 12 / 30 - 10:51 )
الأستاذ القدير محمد زكريا توفيق المحترم
تحية طيبة

هل تناقش ولانا الشيخ الجليل في موضوع ( أعداد فيبوناتشي)؟ حسناً.. حضرتك لم تطّلع على الإعجاز العددي في القرآن الذي يقوم على الرقم 7 وها هو الرابط فالرجاء أن تقرأه ثم تستغفر ربك وتتراجع عن هذا التحدّي قبل أن يزعل سيدنا الشيخ
https://kaheel7.net/?p=297

شكراً لمساهماتك التنويرية أستاذ توفيق وأتمنى لك عاما سعيدا مليئا بالنجاح
كما أتمنى لموقعنا الكريم دوام التألق، ولأسرة الحوار المتمدن الصحة والسعادة
وكل عام وأنتم جميعا بخير


6 - فليزعل سيدنا الشيخ
ماجدة منصور ( 2022 / 12 / 30 - 16:03 )
و يراجع علومه المتخلفة عن ركب التحضر0
كل سنة و أنت طيب يا أستاذنا محمد0


7 - مطلوب
على سالم ( 2022 / 12 / 30 - 21:10 )
استاذ محمد المسلمين فى اشد الحاجه الى ثوره تنويريه عارمه شامله , الاسلام تسبب فى اصابه المسلمين بأمراض مستعصيه وجهل وتخلف وجمود عقلى شديد وغباء ؟ الحلقه تضيق اكثر واكثر على عصابه الدين وعصابه الحكم العسكرى الاشرار المجرمتين والذى بينهم بزنس جامد وشراكه متعدده فى كل شئ , اهم اهدافهم هو ان يبقى القطيع على غباؤه وجهله حتى يسهل حكمه


8 - كير الإسلاميةالأميركية تدعو إيلون ماسك فهم الإسلام
ليندا كبرييل ( 2022 / 12 / 31 - 05:02 )
تحية طيبة للحضور الكريم

يبدع المسلمون بال (قَنْص) فكل فتح علمي يجري تجنيد الجهود للبحث في أشد الطرق احتيالا لنسبه إلى الإسلام(فيبوناتشي)تحت عنوان الإعجاز العلمي

قرأت مقالا في الجزيرة
تغريدة لإيلون ماسك تغضب مسلمي أميركا و-كير- يخاطبه: تواصل معنا لتعرف الإسلام

وذلك إثر نشر ماسك(صورة تعبيرية في تويتر تحتوي على عدد من الرموز للأفكار التي تسعى إلى -غسل الأدمغة- تحتوي على ألوان أعلام الحركات المثلية والنجمة التي ترمز للأيديولوجياالشيوعية فضلا عن الهلال الذي يرمز للدين الإسلامي
وطلب -كير-من ماسك التواصل معه كي يتسنى له معرفة المزيد عن المسلمين والإسلام-الذي يمكن أن يمنحك السلام في هذه الحياة وفي المستقبل، السلام الذي لا يمكن للمال والشهرة شراؤه!-

نظرة واحدة فقط على قضية الطفل شنودة المصري الذي خلعوه خلعا من حضن والديه
ونظرة أخرى على قضية الصراخ والصخب في المايكروفونات في فترة الأذان التي أشارت إليها الأستاذ ماجدة في مقالها الأخير
ونظرة عالماشي إلى موضوع الحجاب في إيران وكل البلاد الإسلامية
ونظرات لا تنتهي إلى تردي أوضاع المسلمين
هل يمنحنا الإسلام شعور السلام في(هذه)الحياة وفي(المستقبل)؟!

اخر الافلام

.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها