الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 138

ضياء الشكرجي

2022 / 12 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلى أَهلِها وَإِذا حَكَمتُم بَينَ النّاسِ أَن تَحكُموا بِالعَدلِ إِنَّ اللهَ نِعِمّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَميعًا بَصيرًا (58)
هذه من الآيات الجميلة الداعية إلى مكارم الأخلاق، وهنا دعوة إلى التحلي بخصلتين أخلاقيتين، الأولى أن يكون الإنسان أمينا على ما يؤتمن عليه، وأن يعيد الأمانة إلى صاحبها عند الطلب. والثانية موجهة للذين يحكمون بين الناس، أن يحكموا بالعدل، ولا يجب أن تكون خاصة بالقضاة، بل تشمل كل من يوضع في مقام الحكم في خلاف أو نزاع، ماديا كان أو معنويا، ومن شروط العدل التخلي عن العواطف، فلا يميل إلى طرف دون الآخر، ولا يحكّم عواطفه، سواء كانت إيجابية، أي عواطف ميل وانجذاب نفسي، أو سلبية، أي عواطف نفور. والجميل إن الدعوة إلى العدل شاملة لكل الناس الذين يجري الحكم بينهم، بقطع النظر عن دينهم وإلى غير ذلك. ويا ليت القرآن جرى على طول الخط على هذا النحو الإنساني، لكننا نراه مليئا بما يبعث بمشاعر الانفصال النفسي تجاه أصحاب العقائد المغايرة، ويبيح تجاههم بعض السلوك السلبي الذي يحرمه بين المسلمين.
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا أَطيعُوا اللهَ وَأَطيعُوا الرَّسولَ وَأُلِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنازَعتُم في شَيءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسولِ إِن كُنتُم تُؤمِنونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذالِكَ خَيرٌ وَّأَحسَنُ تَأويلًا (59)
طبعا هذا الأمر موجه إلى «الَّذينَ آمَنوا» بمحمد وبالقرآن وبالإسلام، وبالتالي فمن الطبيعي أن يعتقدوا أن أوامر الإسلام ونواهيه هي أوامر ونواهي الله، وبالتالي أوامر ونواهي محمد هي بالضرورة أوامر ونواهي الله، لأنه رسول الله الذي «لا يَنطِقُ عَنِ الهَوى إِن هُوَ إِلّا وَحيٌ يّوحى»، لكن المشكلة عندما يلزم الآخرون بواجبات ومحرمات الإسلام، وإلا فما مبرر الأمر بمقاتلة من لا يلتزم بشرع الإسلام، بقول «قاتِلُوا الَّذينَ [...] وَلا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسولُهُ [...] مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ»، بل تصفهم الآية كمبرر لمقاتلتهم «الَّذينَ [..] لا يَدينونَ دينَ الحَقِّ»، وسيقال لماذا لا نورد الآية كاملة فهؤلاء تصفهم الآية أيضا بأنهم «لا يُؤمِنونَ بِاللهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ»، فهنا يرد إشكالان، الأول: كيف يكونون من أهل الكتاب من جهة، ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر من جهة؟ أما الإشكال الثاني: هل عدم الإيمان حتى بالله وما يستتبعه مبرر مقبول لمقاتلة أصحابه؟
أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آمَنوا بِما أُنزِلَ إِلَيكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُريدونَ أَن يَّتَحاكَموا إِلَى الطّاغوتِ وَقَد أُمِروا أَن يَّكفُروا بِهِ وَيُريدُ الشَّيطانُ أَن يُّضِلَّهُم ضلالًا بَعيدًا (60) وَإِذا قيلَ لَهُم تَعالَوا إِلى ما أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسولِ رَأَيتَ المُنافِقينَ يَصُدّونَ عَنكَ صُدودًا (61)
لا نـريـد أن نـبحـث عـن أسـبـاب الـتـنـزيـل، وعـن الحـادثـة الـتـي دفـعـت مـؤلـف الـقـرآن أن يـسـتـنـزل هـاتـيـن الآيـتـيـن مـن ربـه، بـل لـنـتـنـاول الـمـعـنـى بـقـطـع الـنـظـر عـن الحـادثـة والـأشخـاص. الـكـلام عـن مـسـلـمـيـن فـي الـظـاهـر، أي مـن الـذيـن الـتحـقـوا بـالجـمـاعـة عـبـر الـنـطـق بـالـشـهـادتـيـن الـلـتـيـن تـمـثـلان جـواز الـدخـول فـي الأمـة، لـكـن كـمـا يـبـدو إن هـؤلاء لـم يـكـونـوا مـقـتـنـعـيـن كـل الـقـنـاعـة بـالـديـن الجـديـد، ولـذا نـعـتـهـم الـقـرآن بـالـمـنـافـقـيـن. هـؤلاء إمـا بـسـبـب عـدم قـنـاعـتـهـم أصـلا بـنـبـوة محـمـد وإلـهـيـة الـقـرآن، وإمـا هـم مـقـتـنـعـون، ولـكـن قـنـاعـتـهـم مـشـوبـة بـثـمـة شـكـوك، أو إنـهـم غـيـر مـقـتـنـعـيـن بـبـعـض تـشـريـعـات الإسـلام، وإمـا إنـهـم، كـمـا نـشـهـد ذلـك فـي زمـانـنـا، عـنـدمـا يـرى الـمـتـديـن فـي يـومـنـا إن حـكـم الـشـرع لـيـس بجـانـبـه، يـلجـأ إلـى مـا يـكـون أكـثـر مـنـفـعـة لـه، ذلـك إمـا لـلـقـانـون الـوضـعـي، وإمـا لـلأعـراف والـتـقـالـيـد، كـالأعـراف الـعـشـائريـة. فـتـراهـم يـلجـأون إلـى غـيـر الـشـريـعـة الـإسـلامـيـة وإلـى غـيـر الـمـسـلـمـيـن لـتحـكـيـمـهـم فـي الـقـضـايـا الـتـي لـهـم فـيـهـا نـزاع مـع طـرف آخـر. فحـكـم غـيـر الـشـريـعـة الـمحـمـديـة هـو حـكـم الجـبـت والـطـاغـوت، الـلـذيـن أمـروا أن يـكـفـروا بـهـمـا. وهـكـذا تـرى الـمـتـديـن الـمـتـزمـت فـي زمـانـنـا يـكـفـر بـالـقـوانـيـن لـلـدول الـتـي يـعـيـش فـيـهـا، مـهـمـا كـانـت عـادلـة، ويـلجـأ إلـى الـشـرع فـي خـصـومـاتـه وعـقـوده، إلا إذا رأى القوانين الوضعية في صالحه. الـتـفـسـيـر حـاضـر لـسـلـوك هـؤلاء، سـواء كـانـوا محـقـيـن أو غـيـر محـقـيـن فـي ذلـك، وسـواء كـانـت دوافـعـهـم سـلـيـمـة أم كـانـت مـريـضـة، فـتـفـسـيـر لجـوئهـم إلـى غـيـر الـشـرع الإسـلامـي وإلـى غـيـر حـكـم محـمـد، هـو اتـبـاعـهـم لـلـشـيـطـان، الـذي لا هـمّ لـه إلا أن يـضـل الـنـاس ضـلالا بـعـيـدا.
فَكَيفَ إِذا أَصابَتهُم مُّصيبَةٌ مبِما قَدَّمَت أَيديهِم ثُمَّ جاؤوكَ يَحلِفونَ بِاللهِ إِن أَرَدنا إِلّا إِحسانًا وَّتَوفيقًا (62) أُلائِكَ الَّذينَ يَعلَمُ اللهُ ما في قُلوبِهِم فَأَعرِض عَنهُم وَعِظهُم وَقُل لَّهُم في أَنفُسِهِم قَولًا بَليغًا (63)
طبعا لا يبعد أن يكون هؤلاء الذين تتكلم عنهم هذه الآيات منافقين حقا، أي إنهم تظاهروا بالإسلام ليس خوفا من سطوة المسلمين أو تجنبا للعزلة التي ستفرض عليهم، بل لمنافع شخصية، ولذا يعودون إلى النبي عند حاجتهم لمعونته في أمر لا يمكن لغيره أن يعينهم فيه، وإذا عوتبوا على سلوكهم الذي مر ذكره يبررون لأنفسهم ويقسمون على سلامة نواياهم. فهنا نصيحة الله لمحمد الذي رأى أن يستنزلها منه تتلخص في ثلاثة أمور، الإعراض عنهم، ووعظهم، والكلام معهم بما هو مؤثر في النفس ومقنع للعقل. طبعا هناك تناقض بين الإعراض عنهم من جهة، وبين وعظهم وإسماعهم قولا بليغا. ولكن قد يفسر الإعراض، بأن لا يستغرق كثيرا معهم، بل يقتصر على الوعض والقول ذي التأثير، وكان المعنى سيتسقيم أكثر، لو جاء الترتيب، بجعل الإعراض بعد الوعظ والقول البليغ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها