الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٢)

وليد المسعودي

2022 / 12 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٢)

المظهر الفلسفي لكلمة معرفة

لايمكننا ان نعزل الفلسفة عن المعرفة ضمن تاريخية التطور البشري ، وذلك بسبب كون الفلسفة منذ بدايتها بحثت عن الماهيات المادية والمثالية المفارقة للعقل الانساني ، فقدمت المزيد من التعاريف والتوضيحيات حول ماهية المعرفة ، ضمن مستويات ومظاهر متعددة وفقا لطبيعة هذه المدرسة الفلسفية او تلك او وفقا لرؤية هذا الفيلسوف او ذاك ، وهنا نبدأ برأس السوفسطائية " بروتوغوراس " الذي مثل المعرفة على انها الادراك المباشر للاشياء بواسطة الحواس ، وهذا الادراك يعطينا ظاهر الشئء وليس حقيقته الكاملة اي الادراك في لحظة معينة تمثل لحضة الحس والمشاهدة للاشياء . ( 13 ) اما أفلاطون فانه يتفق مع بروتوغوراس حول الحقيقة المؤقته المدركة بواسطة الحواس ، ولكنه لا يعطيها الاساس المطلق للنظر الى الاشياء ، فافلاطون يجعل المعرفة ذات اساس عقلي اي ان العقل هو من يكتشف المعرفة وليس الواقع او التجربة ، وان " المعرفة الحقة لديه هي المعرفة المرتبطة بالفلسفة وموضوعها المعاني " ( 14 ) وهذه الفلسفة تسمو بالرياضيات كعلم يستطيع ان يوصلنا الى عالم المثل ، بحيث يختلف مع هذه الرؤية تلميذه ارسطو الذي انطلق نحو الاشياء او العوالم المحسوسة التي يتحدد من خلالها الكلي معرفة وادراك حسيا ، وبذلك يكون ارسطو قد حول " المثال الافلاوطوني الى الطبيعة الحقيقية او الماهية في كل فرد جزئي " (15) ، الأمر الذي يجعل البعض من ارسطو فيلسوفا تجريبيا ، خصوصا مع امتلاكه القدرة في اعطاء الاولوية للمعرفة من حيث تدرجها من الحسي كانطباع اولي للمعرفة ومن ثم تكوين المبادئ والقواعد العامة ( 16 ) ان الفلسفة اليونانية اشتغلت تاريخيا على مذهبين حول المعرفة احدهما يقدم المثال على الواقع ويجعل الاخير عالما مشكوك في حقيقته وانسانيته ومن ثم لا توجد هناك اية عملية للاقتراب منه معرفة ودراسة وتحليلا ، والثاني يقدم الواقع على العقل او التجربة الحسية على التجربة العقلية ويعتبر الانسان مقياسا للحقيقة كما مر بنا اعلاه عند السوفسطائيون ، وما يغيب عن هذه الفلسفة هو منطق العلم او التراكم العلمي والمعرفي الذي يمثل عنصرا اساسيا وجوهريا للمعرفة الحديثة ، ولكن في النهاية تبقى الفلسفة اليونانية وليدة الازمنة المنتجة لها معرفيا وثقافيا واجتماعيا وهي تختلف عن الفلسفة التي سوف تعقبها متمثلة بفلسفة القرون الوسطى تلك التي تنظر الى المعرفة بمثابة عودة دائمية للاصول والمناهج الاولى ، والتي تقسم العالم الى ثنائية متواصلة من الخير والشر ضمن طبيعة استاتيكية جامدة ، فالوعي المسيحي " كان يميل الى اعتبار ان كل ما يحدث في الارض او في عالم ما تحت القمر محدد برغبات السماء " (17) بحيث تغدو المعرفة ذاتها فاقدة لوجودها البشري، ذات نمو وتواصل عمودي ، سماوي اكثر مما هي مرتبطة بحركة البشر ومنتجة من خلال تناقضات واسئلة الانسان الوجودية . مع عصر النهضة بدأ شيئا فشيئا يتم تجاوز الحدود النهائية للعقل البشري تلك التي كانت تملك ابعادا محددة عن المكان والزمان من حيث تصورها بشكل مغلق ضمن بنائية قروسطية لا يمسها التبدل او التغيير ، خصوصا بعد اكتشاف كولمبس لاميركا وبداية الدخول الى عوالم ، مكانية و بشرية مجهولة لايعرفها الكتاب المقدس او لم يذكرها العقل المعرفي الديني ، او جميع التصورات السابقة عن العالم تلك المرتبطة بارسطو وبطليموس وتوما الاكويني ( 18) فضلا عن وجود آثار ومكتشفات كوبرنيكوس وغاليلو وفيلمنغ اندرياس ـ تلك التي امدت عالم المشاهدة والحس والنظر الى الاشياء بعدا معرفيا سيتواصل مع اكتشاف ( الساعات الجديدة ، التلسكوب ، الطابعة والالة البخارية فيما بعد ) كل ذلك ساعد على جعل الزمن البشري مدروس بشكل دقيق ومحسوب لغايات واهداف في غاية الاهمية والفائدة ، الامر الذي ادى الى زيادة التدفق الهائل للمعرفة ، إذ يقول بهذا الصدد بيل جيتس بانه لم يكن هنالك قبل اختراع جوتنبرغ للطابعة سوى 30 الف كتاب في مجملها عبارة عن نصوص وتفاسيروقراءات للكتاب المقدس ، وبحلول عام 1500 سوف يصبح لدى الاوربيون 9000000 ملايين كتاب (19) ، ذلك الأمر يدل على وجود القدرة في امتلاك الابعاد الزمانية والمكانية لفهم العالم المتغير والمتطور بفعل قابلية الانسان في اجتراح الجديد والغريب عن النسق المعرفي السائد بشكل تراكمي متواصل داخل الابنية الثقافية والمعرفية لدى العقل الغربي الحديث . فهذا فرنسيس بيكون يعطي للمعرفة بعدا جوهريا اساسه السيطرة على الطبيعة ، وهي نزعة يحاول ان يجعلها فطرية لدى الانسان بعد ان كانت غير موجودة في الاساس لدى الفلسفة التقليدية المدرسية في القرون الوسطى ، تلك التي تسم الانسان بالعجز وعدم وجود القدرة على الوصول الى دراسة الاسباب وعلل الاشياء ومحاولة السيطرة على الطبيعة ، وبيكون ينطلق بتفسيره حول المعرفة الفطرية بشكل تأويلي من خلال العودة الى النص المقدس " العهد القديم " الذي يفسر كيف تخلى الانسان عن المعرفة بواسطة فعل " الخطيئة " ، التي ادت الى تخلي الانسان عن الجنة ومن ثم وجدت حالة العجز وعدم القدرة على تسمية الاشياء بمسمياتها التي اعطتها القوى الالهية كما تعتقد بذلك الامر الكثير من النصوص المقدسة ( 20 ) ، أي إن ادم " الانسان" كان يمتلك القدرة والسيادة على الطبيعة ولكن فعل الخطيئة افقده ذلك الامر وحكم عليه ان يتعب ويشقى من اجل اعادة الدور الجوهري والحقيقي لديه ، وهنا يحاول بيكون ان يعطي صورة عملية من خلال اعادة تفسير الاشياء من خلال بعد الدين او اللاهوت ولكن ضمن صيغة جديدة تجعل العالم مدروسا من خلال فعل او تجربة الانسان بواسطة الحواس التي من شأنها ان تجعله محيطا بعالمه واكثر سيادة وسيطرة عليه . في حين نجد رينيه ديكارت يؤسس لمعرفة متسائلة قائمة على عنصر " الكوجيتو" التفكير بالانسان ، والشك في جميع مصادر المعرفة الداخلية والخارجية ، المعنوية والمادية ، من اجل تكوين عالمين منفصلين عن بعضهما البعض ، عالم المادة وما يملك من حقائق خاصة به تتعلق بالحركة والكثافة وحيازة المكان ، وعالم العقل الذي يملك بدوره جاهزية التفكير وتمثل الموجودات كعناصر ذهنية غير مرتبطة بوجودها الواقعي ، وديكارت سعى الى ذلك الامر بعد ان استفاد كثيرا من المنجزات التي قدمتها له مكتشفات غاليلو وكوبرنيكوس حول حركة الاجسام السماوية ومدى ارتباطها بصيغ جديدة معتمدة علي المنهج الرياضي ، حتى تصور ديكارت ضمن ذلك الامر ان "الله" ماهو إلا عالم هندسة وان الرياضيات هي لغة العلم، اشارة الي ما تملكه الأخيرة اي الرياضيات من دقة متناهية لا يتخللها الشك او عدم اليقين (21) . لقد كان ديكارت عقلانيا في نظرته للمعرفة تلك التي تؤكد ان جميع مظاهر الوجود ماهي الا تمثلات ذهنية وهمية لا تملك الاساس الواقعي لوجودها . اما جون لوك فانه يناقض ديكارت من حيث اعتماده على التجربة في تكوين جميع مصادرنا المعرفية وملاحظاتنا عن العالم الخارجي وكذلك تأملاتنا الفكرية ، إذ يقول " ان التجربة هي التي تزود ملاحظاتنا سواء كانت عبارة عن محسوسات خارجية او ملاحظة عمليات العقل الباطنية " ( 22) ، ومع هيوم نجد ايضا الحضور الكبير للتجربة وتأثير خبرات الانسان في تكثيف وزيادة معارفه ، اذ ان العقل الانساني لديه لا يولد وهو معبئ بالافكار على شكل غرائز كما يصور ذلك الامر اصحاب المذهب العقلي بل ينظر اليه على انه " مهيأ سلفا بصورة من الصور لفهم العالم " ( 23 ) وبذلك الأمر ينطلق هيوم من الاستقراء في قراءته للمعرفة بعيدا عن لغة العقل السابقة عليه تلك التي تعطي للاستنتاج حضورا كبيرا بسبب تأثير علوم معينة كالرياضيات والمنطق والهندسة التي لا تعدو في نظرة سوى ادوات محدودة جدا في فهم الحقيقة والتعبير عنها ( 24). ويتفق كانت مع تجريبية هيوم بقدر ما يختلف معها من حيث انه يقبل بكون الانطباعات او الخبرة الحسية عاملا اساسيا في تشكيل المعرفة ، إلا انها ليست في النهاية العامل الوحيد في تكوينها ، فهناك المعرفة القبلية التي توجد لدى الانسان وهذه المعرفة في نظر كانط ليست على شكل غرائز بل على شكل " استعدادات " تضمن للعقل الانساني عملية تكثيف المعرفة وصيرورتها في خانة الكمال والتحقق ، إذ يشكل وجود التجربة في حياة المعرفة مرحلة دنيا من الولادة والاكتمال ، ولايمكن بلوغ المعرفة العليا إلا مع الوجود او التأليف القبلي للمعرفة ، وهذه المعرفة القبلية تساعد على ادخال المادة المعرفية " الحسية " في صور او تاليف تصورات ، وهي في النهاية مؤلفة من المادة الخام " الوجود الحسي " والعقل الفعال صاحب الاعتماد الحقيقي في تكوين المعرفة القبلية . (25) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا