الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأيديولوجيا والدولة الامة في العراق.

مظهر محمد صالح

2022 / 12 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


هالني ماكتبه المفكر السياسي حسين العادلي في دراسة ملهمة عنوانها :
((لأيديولوجيا، ودولة اللا أمّة وأمّة اللا دولة)).
فمن اين أبدأ …. كي انتهي في تقييم كل مفردة راقية في هذه الدراسة وصولاً الى انبثاق مشروع متجدد للدولة - الامة في العراق. اذ يقول العادلي((  مَن الذي ينمّي ويوحد ويطور الأمّة الوطنية، هي الدولة/المشروع طبعاً، إنَّ الأمّة والدولة وجهان لوجود واحد وينتج أحدهما الآخر، فالدولة كفلسفة وأنظمة وقوانين وسياسات وحقوق وحريات... هي المنتجة للأمّة الوطنية، والأمة الوطنية هي جوهر الدولة. هذا يعني أنَّ نجاح مشروع الدولة هو النجاح بإنتاج أمتها الوطنية، فالأمة الوطنية المتنوعة بالإنتماء (الفرعي) تتوحد بالإنتماء والولاء (الكلّي) السيادي للدولة، والعكس صحيح، فإذا ما فشل مشروع الدولة الوطني فستبقي جمهورها متشيئاً الى أمم فرعية ومتشظياً الى جماعات متناحرة)).
من هنا ، سنحلل الدراسة التي قدمها العادلي بشكل مقتضب وعلى النحو الاتي :
1- يُعد دستور 2005 اساساً موضوعيا لانبثاق الدولة الامة الوطنية ، الا ان الاعراف norms التي ادارت فيها سلطة الائتلاف المؤقت بمسارات الدولة الانتقالية بذلك الشكل الاثني والطائفي بعد العام 2003 ( بغية تسكين اوجاع ارث العراق السياسي قبل 2003) قد نقل مفهوم السيادات الفرعية للامة الى جسد النظام السياسي والسلطة السياسية ،وافرغ معنى الدستور من روح الدولة الامة الوطنية تحت طغيان الاعراف السياسية political norms الموروثة للهويات الفرعية كاديولوجيات ، التي سيظل دافعها الاول تقاسم عوائد الثروة النفطية بشراهة اثنية طائفية قامعاً لمشروع التنمية الوطنية. وهنا يرى العادلي في ( الدولة- المكونات) كبديل للدولة الامة بانها (لا دولة ولا امة) بسبب التقاسم الأيديولوجي داخل النظام السياسي في معادلة توازنات سالبة لمكونات الامة نفسها.

2- الدولة - الامة و الدولة- الاستطالة.elongation - state
ان تقييم التحليل التشريحي لنظرية التحول في الدولة -المكوّنات على وفق اجتهادي قد اجاز لي بلوغ اصطلاح ربما هو جديد على مسرح التحليل السياسي في بلادنا التي تخوض (المحاصصة) فيها ثلاثية صراع :الدولة والسلطة والثروة ما يمكن لي ان اطلق عليها مجازاً (الدولة- الاستطالة elongation-state ) كخيار آخر حل محل (الدولة- الامةnation - state ) . انها اليوم دولة اشبه ما بخلايا مستقلة النواة تمثل كل خلية فيها مكون تتركز لديه لوحده تكراراً لثلاثية :الدولة والسلطة والشعب في آن واحد ،اذ تمارس الخلية المكوناتية لوحدها دور الاستطالة والتمدد وكانما هي تحمل بذور الدولة - الامة واغفال الخلايا الاخرى ولكن لكل منها مسارات معلومة (للتمدد والاستطالة ) لالتهام الثروة والقوة وتتفادى في الوقت نفسه التصادم التناحري مع الخلايا الاخرى طالما تتوافق المصالح بينها. …. فهكذا تلتهم الاستطالة :(الثروة و القوة والسيادة) وتجد في نفسها انها خلية منفصلة محصنة لوحدها تحمل صفة( الدولة والسلطة والشعب )في آن واحد.
ويبقى انموذج الدولة - الاستطالة بحاجة الى توصيف ممارسة دور الدولة في تمددها ما يتطلب توافر شرطين :اولهما
(سلطة قسرية ) ترافقها بيروقراطية عالية كلفتها مغالاة غير مبررة في كثافة الوظائف الحكومية و ثانيهما (سلطة ايديولوجية منقسمة )
تغذيهما موازنة تشغيلية متاحة توفر سبل الانفاق السهل للحفاظ على هيبة الخلية المكوناتية ونفوذها في الاستطالة . وتتضخم الامتيازات المالية للسلطتين ( القسرية والايديولوجية) بالغالب على وفق اعداد الخلايا المكوناتية وقدرة استطالتها …! .
انها خلايا الدولة - الاستطالة التي تلتهم استدامتها مصادر الثروة من ريوع وضرائب وموجودات حكومية متاحة الاستخدام مجانا والتمتع بالسلعة العامة واستحالتها الى سلعة خاصة قدر الامكان يرافقها ولادة مضاعف انفاقي مالي او مضاعف نفقات تشغيلية يتناسب في نموه و(سرعة ) الاستطالة نفسها ، وهي مستخلصة من حاصل ضرب مسافات الاستطالة في الزمن المقطوع لها ….انها ديناميكيات (استطالة ) الخلايا المكوناتية .
ومن هنا ،لابد من التعرف على نموذج واحد للدولة - الاستطالة ، صوره لنا جواز السفر الدبلوماسي الذي صار يمنح على العدد البشري الفاعل في خلايا الاستطالة نفسها كل على حدة ، اذ تجده يفوق في بلادنا عدديا ما هو ممنوح في امبراطورية اليابان ، وكيف ان اعداد الوظائف العالية تفوق هي الاخرى ماهو عليه الحال في دولة المانيا …!؟ انها المقومات المكوناتية للدولة - الاستطالة
‏elongation-state.

3-نحن امة غدونا بامس الحاجة الى مشروع وطني تقوده (الطبقة الوسطى )عاجلاً ام آجلاً … عنوانه الدولة الامة الوطنية او ( نحن ) للتعبير عن الضمير الجمعي للامة كما جاءت بها دراسة العادلي.
فبلادنا اخذت تنحدر بقوة نحو ظاهرة ( انقسام المقسم) وداخل المجموعة الاثنية والطائفية نفسها .فتجد في واحدة من المحافظات على سبيل المثال اطلاق دعوات الى انشاء فدرالية سياسية تقوم على الطائفة ولكن تجد في الوقت نفسه صراعا عشائريا خطيرا على تقاسم القوة والثروة كتمثيل سياسي لذلك المكون.
وهكذا تحت معاول التشرذم العرقي والطائفي افتقرت الدولة ونظامها السياسي لعوامل القدرة على حماية حقوق المواطنة في شتات من الضعف المؤسساتي لادارة توازنات سالبة بين المكونات العرقية والطائفية وعلى نحو لم يسبق له مثيل ما اعطى قدرة التحكم وبشكل خفي الى توغل الدولة الموازية parallel state. فضلا عن ان كلفة ادارة هكذا نظام سياسي ادى في توازناته المكوناتية السالبة منذ العام 2003 الى تضخم كلفة ادارة الدولة وولادة ما يسمى( دولة داخل دولة state inside state ) ما جعل الدولة الرسمية نفسها في مصاعب التصدي لضياع موارد البلاد بتخصيصات ارضائية ونفقات استهلاكية تشغيلية امست مبذرة للمورد السيادي الاول ( عوائد النفط )وهو الاصل الراسمالي الوحيد القابل للاستثمار نحو اشاعة التنمية الوطنية المنشودة ، بل هو المورد السيادي الامثل الذي ولُد موحدا لمصلحة الدولة -الامة ،ليُبدَد ويوضع في مسار خدمة نتاج ولادة (ألدولة غير المنتجة ) والتي افرزتها (الا دولة - اللا امة) كما يراها العادلي في دراسته الثرية.
4- كما اخذت التجربة الديمقراطية الفتية في بلادنا هي الاخرى في تكراراها الانتخابي منحىً في تشكيل موديل ديمقراطي سياسي هجيني hybird political democratic model يمثل تجميع لمعطيات ماقبل الديمقراطية الصناعية المركزية وهي ديمقراطيات طائفية - اثنية وصهرها في محاكاة هجينة مع بودقة الديمقراطيات الغربية وهي تحمل جذور مغتربة مع التقدم السياسي التاريخي للعالم الصناعي الاول لتؤدي ممارساتها في الدولة - المكوناتية في واحدة من المنظومات البلدان طرفية او محيطية النامية الهجينة والتي مازالت خارج المصنع الراسمالي المركزي .
اذ يقول العادلي:
‎  الأنظمة السياسية التي أسست لانقسام أمّة الدولة هي الأنظمة ذات الفلسفة القومية والطائفية المؤدلجة والمستبدة التي اشتغلت (كمشروع وسياسات) على احتكار الدولة ايديولوجياً، وبسلطة هوية مجتمعية واحدة، ومارست الصهر القصري للتنوع المجتمعي على وفق رؤاها وسياساتها، فحال ذلك دون اندماج المجتمعيات/الهويات بأمّة الدولة (الوطنية) المشتركة، وبقيت الدولة سلطة صهر قسري توحد (بالإكراه والإغراء والإقصاء) الهويات المجتمعية المتنوعة دينياً قومياً ثقافياً. لقد غدت الدول ملك أيديولوجيات سياسية محددة وهويات مجتمعية معينة صبغتها بصبغتها وجيّرتها لمصالحها على حساب حيادية الدولة وعلى حساب باقي الهويات المجتمعية، فتعاظم الشعور بالحيف والتمييز والإحتكار، وبقي مجتمع الدولة يعاني الإنقسام الذي يحول دون الإندماج الوطني اللازم لإنتاج أمّة الدولة
.
5- ابهرني التشخيص السياسي الراقي والتحليل العلمي الدقيق كالعادة في هذه الدراسة الاصيلة original للمفكر السياسي حسين العادلي ولاسيما ربط ضعف السلطة وتمييع قراراتها بدرجة نفوذ وسيادة الهويات الفرعية القابضة على سدة الحكم وخلق توازنات سالبة في ادارة (اللادولة - اللا امة).
وانتهت اطروحة العادلي بمقولة عن لحظة التاسيس جاء نصها :
الدولة
‎  العراقية موجودة، ولإيجاد أمّتها يتطلب اعتماد مشروع (الدولة/الأمة)، وهو ما يحتاج إلى إنبثاق لحظة (تأسيس مواطني تاريخي) تتبناه كتلة تأسيس وطني (منوعة هوياتياً) مُمَكَّنَة وموحدة في رؤاها وإرادتها تجاه مشروع الدولة الوطنية المدنية، فتباشر التأسيس على وفق مسطرة الدولة الوطنية والحكم الرشيد، وتحمل مجتمعيات الدولة على سكتها بحكمة وحزم، لتنطلق السيرورة على السكة الصح للدولة الأمّة
.
ختاماً ، نشرت الدراسة على نطاق واسع وتعد في الوقت نفسه مشروعا سياسياً وطنيا مستقبليًا لاعادة بناء فكرة الدولة- الامة في العراق .
(انتهى).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس