الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن أهمية النص في الإسلام

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 12 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نحن نتكلم ونكتب ونخطب كثيراً، ونختلف ونختصم ونتعارك أكثر، حول أهمية النص في الإسلام. منا من تذهب به الحمية والغيرة للنص إلى حد رفعه لمنزلة الله المعبود ذاته في مطابقة تامة ومطلقة بين الاثنين؛ ومنا، في المقابل، من يدفعه رد فعله المضاد إلى الطعن فيه وإنزاله لمرتبة المخلوق، نافياً عنه أي علاقة تجمعه بالخالق. وبعيداً عن هذين الطرفين، هناك من يشككون في صحة النص من الأساس، مدعين أنه مجرد أكذوبة لخداع عقول البسطاء. في النهاية، نحن جميعاً باختلاف توجهاتنا نقضي وقتاً وجهداً عظيمين سواء في الدفاع عن النص أو في مهاجمته معتقدين أن في الدفاع عن النص دفاع عن الإسلام، وفي دحضه دحض للإسلام. يضاف إلى هؤلاء أقلية قد حملت على عاتقها مهمة تقويم النص ومعالجته مما قد علق به بمرور الزمن، معتقدين أن في إصلاحهم للنص إصلاح للإسلام أيضاً. وحيث أن المرء لا ينفق من وقته وجهده سوى على ما هو جدير بهما، معنى ذلك أننا جميعاً نولي أهمية بالغة لدور النص في الإسلام. ما هو دور النص في الإسلام؟

بداية وقبل كل شيء، لنتوقف قليلاً أمام بعض الأسئلة المشروعة:
* النص محل نقاشنا لم يكتبه، ولم يملي كتابته، رسول الإسلام وصاحب الوحي نفسه سواء في توقيتات نزوله أو في أي وقت لاحق طوال حياته. وإذا كان النص ذاته يشكل حقاً هذه الدرجة من الأهمية والقدسية التي يوليها له بعضنا، وكان قد نص هو ذاته على ضرورة أن يُكتب العقد المبرم حتى بين شخصين طبيعيين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْـحَقُّ)، ألا يحق عندئذٍ التساؤل: ألم يكن القرآن، كعقد اجتماعي بين الله الخالق وخلقه من بني البشر كافة، أولى بتوثيقه وكتابته تحت مرآي ومسمع من صاحب الرسالة نفسه؟! هل القرآن أقل أهمية من عقد مديونية بين شخصين؟! إذا كان القرآن بالأهمية التي نراه بها الآن، أليس ثمة شبه تقاعس وتقصير من طرف الرسول وكل الصحابة والمؤمنين المعاصرين له ألا يتدبروا بطريقة أو بأخرى كتابة كل آية قرآنية في لحظة نزولها وجمعها بما قبلها فوراً؟! أم أن بضع عشرات السنين التي انقضت بين وفاة النبي وكتابة القرآن وجمعه قد شهدت طفرة معرفية في علوم الكتابة ما كانت متاحة أيام الرسول وهو ما حال دون تدوين القرآن والسنة في أوقاتهما الصحيحة ويبرر ويفسر لنا سبب تأخرهما كل هذه السنين؟!

إذا كان الوضع كذلك، أن الكتاب والسنة لم يكتبا إلا بعد مرور سنوات طويلة من وفاة الرسول، عندئذٍ يفرض الادعاء نفسه بأن النبي قد مات من دون أن يعلم حتى بشيء اسمه ’القرآن والسنة‘ كما نعرفهما ونستهدفهما خلال هذه الآونة بمساعي الدفاع أو الهجوم أو الإصلاح؛ وأن النبي نفسه لم يولي النص الأهمية التي نوليها له اليوم، وإلا كان قد كتبه بيده أو، إذا كان لا يعرف، تدبر من يكتبه له في لحظتها وتحت عينه. لكن الحقيقة أنه لم يفعل لا هذا ولا ذاك.

* هل حقاً يحتاج الدين، أي وكل دين ومن ضمنها الإسلام، إلى ’نص‘ لكي ينشأ ويستمر؟
في الحقيقة كل من يكرس طاقته سواء للدفاع عن النص أو للهجوم عليه ظناً منه أنه بذلك يدافع عن الدين أو يهاجمه أو يصلحه ويحدثه هو بالضرورة شخص لا يفهم جوهر ’الدين‘، وبالتالي يضيع جهده عبثاً. الدين ليس فكراً ولا فلسفة حتى يحتاج إلى ’النص‘ سواء لكي ينشأ أو ليستمر؛ الدين ليس له جسم فكري (نصي) لكي تدعمه أو تهاجمه أو تصلحه منه. بل هو ذو جسم وطبيعة مغايرة، وبالتالي بحاجة إلى أدوات مختلفة سواء من أجل الدفاع عنه أو مهاجمته أو تقويمه وإصلاحه. الدين- مثل السحر- إيحاء أكثر منه إقناع، رموز وطقوس أكثر منه نصوص وأفكار، استعداد لدى المتلقي، أكثر منه جُهد من طرف ممثل الرب. وحتى يبلغ فؤاد متلقيه ويرشق بداخله سهمه، لا يحتاج إلى مخاطبة العقل بلغة الإقناع بقدر ما يحتاج إلى التأثير في الوجدان من خلال ’الرمز‘ و’الطقس‘. هذا ما يجعل رجال الدين من كل الأديان متمسكين بهيئات في الزي والخطاب والتعبير الوجهي والجسدي قد تبدو هزلية ومضحكة لأتباع الأديان الأخرى، لكنها تُحدث الأثر المراد في نفوس أتباعها. وهو أيضاً السبب ذاته الذي يجعل الأديان كلها لا تزال متمسكة بطقوس فردية وجماعية عمرها آلاف السنين ولا تزال تعيش وسطنا في غربة عن روح العصر.

هل يُستنتج من ذلك أن محمداً كان أذكى منا جميعاً حين لم يضع طاقته في غير محلها، واستثمرها بدلاً فيما فيه طائل ومنفعة حقيقية لمصلحة رسالته- ممارسة التأثير من خلال الرمز والطقس؟

لكن إذا ما كان النص غير ذي أهمية جوهرية سواء لنشأة الإسلام أو استمراريته، فما هي إذن علة وجوده واستمراره معنا حتى هذه اللحظة؟ هنا يمكن القول إن النص هو بمثابة ’نظام أساسي‘- دستور- لا ينشأ إلا بعد نشوء واستقرار المراكز القانونية لأطرافه المتعددة. هدفه وغايته الأساسية هي حفظ هذه المراكز وضبط العلاقة فيما بينها، بحيث كلما طرأ عليها تغيير استوجب في المقابل إدخال تغييرات مكافئة عليه بالضرورة. أما عن ماهية أطراف هذا العقد، ومراكزها القانونية وطبيعة العلاقات والمصالح فيما بينها، فهذه قصة أخرى قد لا تحمل صلة كبيرة لاعتقادنا أن الدفاع عن النص الإسلامي دفاع عن الإسلام، أو أن الهجوم على النص هجوم على الإسلام، أو أن إصلاح النص إصلاح للإسلام أيضاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نظرة علمانية للنص الديني
منير كريم ( 2022 / 12 / 26 - 11:02 )
الاستاذ المحترم عبد المجيد الشهاوي
شئنا ام ابينا فالاديان منظمة بنصوص وخاصة الاديان الكبيرة
لكن النصوص تتباين ليس بالمنطوق وانما بالموقع العقائدي
تذهب المسيحية الى ان النص (الاناجيل) هي الهام او ايحاء الهي بصياغة بشرية . وهذه صيغة متقدمة دينيا تفتح بابا واسعا للاصلاح والتطوير
في الاسلام النص صياغة الهية كاملة . فدار الصراع بعد ذلك حول النص هل هو خاص مقيد بالزمان والمكان والحال ام هو مطلق وعام لكل الازمنة والامكنة والحالات
وجود ما يعرف بالنسخ يرجح ان النص تاريخي له صلاحية مرتبطة بالزمان والمكان والحال
السلفيون والاصوليون ياخذون بالراي الاول والمصلحون ياخذون بالراي الثاني
موقع النص الاسلامي ضمن العقيدة عقبة امام الاصلاح والتطوير
شكرا

اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا