الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنخلَع عباءة الصّراع الدّينيّ التي ألبسنا إيّاها أصحاب المصالح السياسيّة

ازهر عبدالله طوالبه

2022 / 12 / 26
المجتمع المدني


ثمّةَ مشاكل عدَّة تُعاني مِنها هذه البلاد، ولا يُمكِن حصرها، تحتَ أيّ سببٍ كان. لكن، هناكَ مشاكلٌ تاريخيّة قد نسَفت هذه البلاد، وتركتها مُلقاة بجلدٍ وعظِم أمامَ مقابرٍ لا قُبورَ فيها..ومِن أهمّ صُور هذه المشاكل:
القراءة السياسيّة لهذه البلاد على حسابِ القِراءة الاجتماعيّة بمُجملها، والاجتماعيّة الدينيّة على وجهِ التّحديد.

فالمُعضِلاتِ "المُستَعصية" التي تعيشها هذه البِلاد، هي نتاج عَدم اهتمامنا بقراءة التاريخ الاجتماعيّ الدّيني للبلاد في الوقت الذي كرّسنا فيهِ كُلّ جهودنا لقراءة وكِتابة التاريخ السياسيّ لها، وكأنّهُ هو الرّافعة المُستقبليّة لها.

وإنّ عدَم اهتمامنا بذلك، لَم يضعنا فقط أمامَ صراعاتٍ دينيّة استئصاليّة، وإنّما وضعنا في قلبِ حُمّى التبدُّلاتِ الديمغرافيّة التي نتَج عَن سببينِ لا أُخال أنّ هناكَ ثالِث لهُما، وهُما:
- مزاجيّة ومصالِح الحاكِم، المُتولِّدينِ مِن تأويلٍ وتفسيرٍ دينيّ مُحرَّف، وتوظيف ديني، عملَ عليهِ كِبار المُشتغلينَ بالشّأنِ التُراثيّ للدّين.
- الصُعوبات والضغوطات الاقتصاديّة الناتِجة عن تخلّف الحُكام، ورعونتهم واستهتارهم بمصالحِ النّاس.

وكُلّ هذا، دفعنا إلى قراءةٍ دقيقة وحصيفة للعُمق الذي يتعامى عنهُ النّاس، بسبِ خُزعبلاتٍ تُنشَر بأوساطِ المُخرّفينَ الذي يتصدّرونَ الحديث في الشؤون الدينيّة، ولا يجدونَ مجالِسًا لهُم إلّا في ظلّ تهيئةِ ساحات كهذه، يُتقاذَف بها تُهَم الزّندقة والتّكفير.

إنَّ الأديان السماويّة هي أديانٌ بريئة مِمَّن يسعى لإستغلاها سياسيًّا، لتحقيقِ أطماع خاصة بهِ ؛ إذ ليسَ هُناك ما يُميّز أتباعَ دينٍ على أتباع دينٍ آخر، ما داما أنَّهُما يتوجّهانِ بعبداتهِما إلى إلهٍ واحِد، بعباداتٍ ذاتَ كيفيّةٍ مُختَلفة، فضلًا عن أنَّهُما يُقيمان على أرضٍ واحِدة، وفي وطنٍ لا يقبَل التّقسمة والتّجزئة.

لذا، فإنّ اعتِناقَ دينٍ مُعيَّن أو اتّباعَ طائفةٍ مُعيّنة، لا يُمكِن، لا دينيًّا ولا عقلانيًّا، أن يُعطي ميِّزة للمُعتنِق أو التّابع ؛ لأنَّ (الأخلاق، والمبادئ، والتّعامُل مع الآخرين) هي الفَيصَل وهي التي تُميِّز المُعتَنق لدينٍ ما أو التّابع الفُلاني لطائفةٍ مِا عَن غيره مِن المُعتنقين.
وهُنا، وخاصةً في ظلّ محاولة اللَّعب الدّولي على مسمّى "الدين الإبراهيميّ" فإنَّه مِن الضّروري، جدًا، أن نقرأ أكثر عن أديان "آل إبراهيم" وأن نفهَم التسلسل التاريخيّ لهذه الأديان.
وفي ذات الوقت، لا بُدّ مِن أن نكونَ على يقينٍ تام، بأنَّ الناس في هذه البلاد، لا تُحرَّك إلّا بمدى قوّة مصالحها، وليسَ بوجود و/أو حضور أديانها، أيًّا كانت، إلّا اذا تمّ توظيفها واستغلالها من قبل قِوى السُلطة التي تُبدِع في توظيفِ الدّين في سبيلِ كلّ ما يحقّق مصالحها.

اعتَنق ما شئت واترُك الآخر يعتَنق ما يشاء..لكن، لا تكُن مِن ضمن أؤلئكَ الذينَ يكتُبونَ وهُم مِن ضمنِ الفئة المُتشبّعة بالطّائفيّة، التي تنظُر إلى الآخر بعلوٍّ لمُجرَّد أنَّهُ يختَلف معهُا بالدّين..
فالطائفيّة، والعصبيّة الدينيّة، أمرانِ خانِقان، ولا يُجيدان إلّا الإلتِفاف حولَ أعناقنا، وحِصارنا في زاويةٍ ضيِّقة لا تُسمح لنا أن نرى إلّا مزايانا ومزايا جماعتنا الدينيّة (التي تشتَرك معنا بالدّين)، وعلى شكل أضيَق، لا نُعظِّم إلّا مزايا طائفتنا إن كانَ الصِراع طائفي، وما أكثر هذا الصّراع في زمننا هذا.
لا يُمكِن للطائفيّة والعصبيّة إلّا أن يخلقا كائنًا بجسدِ الإنسان، لكنّه مُتشبِّع بالحِقد، ومجرّد من الإنسانيّة.

الخُلاصة: أي مكوّن أصيل في هذه البِلاد هو مِنّا ولنا فيهِ ما لهُ فينا، ويليق به أن يُمثِّلنا كشعبٍ واحد ؛ إذ لا يُمكِن، وفقًا للقراءة التاريخيّة للأدوار التي لعِبها أيّ مُكوّنٍ على هذه الأرض، أن يكونَ أقلية أو أكثريّة، مُخضعينَ وجوده وحُضوره لهذا التّقسيمِ الذي لا يؤدّي بالبلاد إلّا إلى التَّهلُكة.
وإنَّني لا أجدُ فرقًا بين فئةٍ وأُخرى ؛ طالما أنّ كُلّ فئةٍ تعي مَن هيَ وتُدرِك جيّدًا ماهية الدّور الذي يقَع على عاتِقها.

وعليه، فإنَّني أنصَح بالدِّراسة الجادّة والمُتأنّية لكلٍّ مُكوّنٍ مِن مكوّنات هذه البلاد، وخاصةً الدينيّة ؛ لأنّ هذا يُساعِد على الوحدة لا الفُرقة ولا التّفريق، ويؤكِّد على أحقيّة وجود أيّ مُكوّن دونَ تأطيرِ وجوده ضمنَ أُطرِ "التّعايُش".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية وآليات إصدار مذكرا


.. الأونروا: النفايات تتراكم في أنحاء قطاع غزة وينتشر البعوض وا




.. القوات الإسرائيلية تشن حملة اعتقالات في طولكرم


.. اعتقال العشرات في جامعات أمريكية على خلفية الاحتجاجات المؤيد




.. الخبر فلسطيني | تحقيق أممي يبرئ الأونروا | 2024-05-06