الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإله الشمس و أعياد الميلاد / كريسماس

محمد بن زكري

2022 / 12 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ليس الاحتفال بعيد الميلاد في المسيحية ، و ما يصاحبه من طقوس دينية ، و تقاليد اجتماعية احتفالية متوارثة ، تأخذ طابعا ذا بُعد دينيّ ، بما في ذلك طقس شجرة الكريسماس ؛ سوى امتداد استنساخي لشعائر عبادة نجمية قديمة ، تعود أصولها إلى حضارات شعوب الشرق القديمة ، و هي عبادة الشمس ؛ حيث يتزامن الاحتفال بعيد الميلاد مع الانقلاب الشتوي ، عندما تبدأ الشمس بالتحول نحو الشمال ابتداء من يوم 25 ديسمبر (كما ستأتي الإشارة إليه لاحقا) ، و كان المصريون القدماء يحتفلون بحلول يوم 21 ديسمبر ، عند تعامد الشمس - صباحا - على قدس أقداس معبد الإله آمون رع في معابد الكرنك بالأقصر .

و قد عُبد إله الشمس في مصر باسم رع ، و في بابل و آشور باسم شمش و أوتو (و كان البابليون يحتفلون بعيد انتصار إله الشمس في 25 ديسمبر) ، كما عُبد لدى الكنعانيين و الفينيقيين باسم بعل ، و عند الإغريق باسم أبولو ، و عند الرومان باسم جوبتر . على أنه في كثير من ديانات الشرق القديمة ، توحدت عبادة الشمس بعبادة الإله الإبن ، كما في عبادة حورس بمصر ، و ميثرا في بلاد فارس ، و كريشنا بالهند ، و أدونيس عند الإغريق (استعاروه من الفينيقيين ، و من أسمائه عند الفينيقيين و الكنعانيين أيضا النعمان و بعل) . و من الملفت أن للشجرة - كرمز للحياة و الخصوبة - حضورا دائما في الطقوس التعبدية لكل تلك الديانات الزراعية (انظر كتاب لغز عشتار لفراس السواح) ، و تخبرنا أسطورة أدونيس أنه مولود من شجرة . و من الملفت أكثر - و بصورة بالغة الدلالة - أن جميع الآلهة الأبناء ، يشتركون في تاريخ ميلاد واحد ، هو 25 ديسمبر ، كما سيرد لاحقا .
و استطرادا .. بمناسبة أعياد الكريسماس (Christmas) ؛ كان البابا فرانسيس (بابا الفاتيكان) قد انتقد - في إحدى عظاته بالمناسبة - مظاهر الاحتفال الباذخة بعيد الميلاد ، واصفا أياها بـ (الضلال) ، و اعتبر أن لا أساس في الإنجيل لشجرة الكريسماس و بابانويل ، و أنها عادات دخيلة على المسيحية ، انتقلت إليها من الديانات الوثنية القديمة .

و جدير بالذكر أن تحديد يوم 25 ديسمبر كتاريخ لميلاد المسيح ، قد تم في عهد الإمبراطور الروماني قنسطنطين سنة 325 م ، بقرار اتخذته الكنيسة في مجمع نيقيا ، في ما يبدو استمالةً و احتواءً مسيحيا لأتباع المانوية ، الذين كانوا يحتفلون بميلاد الإله الشمس في مهرجان سنوي يوم 25 ديسمبر .
و عودة إلى موضوع عبادة الشمس و صلته بأعياد الميلاد ؛ فإن الإنسان قد أدرك منذ آلاف السنين - بل منذ ما قبل التاريخ - أنه لولا الشمس لما كانت حياة ، فتوجه إلى قرص الشمس بالعبادة ، و نسج حولها أساطيره الدينية (النجمية) .

و من تلك الأساطير : أسطورة الولادة من أم عذراء ، و أسطورة القيامة من الموت . و فيما يلي إضاءة تعتمد أساسا على دراسة للأميركية دوروثي ميردوخ (D.M. Murdock - Acharya S) ، بعنوان : Christ in Egypt : The Horus- Jesus Connection ، تتناول بعضا من تلك الأساطير ، في صلتها الوثيقة بالشمس ..

منذ زمنٍ يعود لنحو عشرة آلاف سنة مضت ، حفلت صفحات التاريخ بكتابات و أحافير ، تعكس احترام الشعوب و إعجابها بالشمس . و السبب هو ان الشمس تشرق كل صباح ، محضرةً معها الرؤية و الأمان و الدفء ، منقذةً الإنسان من براثن الليل البارد المظلم المسكون بخطر الحيوانات المتوحشة . فاستحق قرص الشمس أن يعبد كإله عليّ ، و أن يكون أبا للآلهة و الملوك المقدسين عند الشعوب القديمة .

لكن ما هي علاقة الشمس بالأساطير الدينية لتلك الشعوب ؟ ذلك هو ما سيتبين من الأسطر التالية ..

* في مصر : وُلد الإله حورس يوم 25 ديسمبر ، من أم عذراء هي إيزيس ، و ذلك بعد أن لقحها الشبح القدسيّ نِيف ، و ترافقت ولادته بظهور نجمة في الشرق ، و سافر معه 12 حواريا ، و صنع المعجزات مثل شفاء المرضى و المشي فوق الماء ، و قد خانه تيفون .. فصُلب ثم قام بعد ثلاثة أيام من بين الأموات .

* في فيريجيا (الإغريق و الرومان) : وُلد آتيس من الأم العذراء نانا ، وكانت ولادته في 25 ديسمبر، ثم صُلب و دُفن و قام من الأموات بعد ثلاثة أيام .

* في الهند : وُلد كريشنا من الأم العذراء ديفاكي ، يوم 25 ديسمبر ، مع ظهور نجمة في الشرق تعلن ولادته ، قام بالمعجزات ، و بعد موته قام من الموتى .

*في اليونان : وُلد ديونيسوس من أم عذراء ، في 25 ديسمبر ، و كان مُعلما رحالا ، صنع المعجزات مثل تحويل الماء نبيذا ، و بعد موته قام من الموتى .

* في فارس : وُلد ميثرا من أم عذراء في 25 ديسمبر ، كان لديه 12 حواريا ، صنع المعجزات ، و بعد موته بثلاثة أيام قام من الموتى .

و السؤال الآن هو : لماذا الولادة من أم عذراء في 25 ديسمبر ؟ و لماذا 12 حواريا ؟ .
و حتى نعرف الإجابة ، ينبغي أن ننظر في أمر آخر المخلّصين الشمسيين (يسوع المسيح) .

وُلد يسوع من العذراء ماري (مريم) في 25 ديسمبر ، مع ظهور نجمة في الشرق ، و ارتحل مع 12 حواريا ، و صنع المعجزات مثل شفاء المرضى و المشي فوق الماء و إحياء الأموات ، خانه يهوذا فصلب و دفن ، و بعد ثلاثة أيام قام من بين الأموات و صعد إلى السماء .

فحادثة الولادة - في الأساطير سالفة الإشارة - تتصل بظهور النجمة الشرقية (sirios) أشع نجمة في الليل ، حيث إنها في 24 ديسمبر تصطف مع النجوم المشعة الثلاثة (كوكبة الكلب الأكبر) ؛ فالنجوم الثلاثة و النجمة الأشع سيريوس (الشِّعرى اليمانية) . كلها تشير إلى الشروق في يوم 25 ديسمبر من كل عام .

و ثمة ظاهرة تحدث في 25 ديسمبر من كل عام ؛ حيث تبدو الشمس خلال ثلاثة أيام 22 و 23 و 24 من ديسمبر .. وكأنها قد توقفت عن الحركة ، ثم إنها تتحرك يوم 25 درجةً واحدة باتجاه الشمال ، مبشرةً بطول النهار و قدوم الربيع و الدفء . و هكذا فالشمس (تموت) لثلاثة أيام .. ثم تعود للحياة (تولد) يوم 25 ديسمبر . و في خلال أيام الموت الثلاثة (22 و 23 و 24 ديسمبر) ، تكون الشمس واقعة قرب التشكيلة الفلكية (صليبية) الشكل (crux) ، ولهذا السبب يقال : ماتت الشمس على الصليب .

أما أكبر رمز فلكي وضوحا ، في أساطير كلٍّ من حورس و ميثرا و يسوع ، فهو المتعلق بالحواريين الإثني عشر (12 حواريا) ، فهم بكل بساطة الأبراج الإثنا عشر (12 برجا فلكيا) في دائرة الأبراج الفلكية ، حيث إن يسوع - كما حورس و ميثرا - يمثل الشمس في تنقلها مع تلك الأبراج .
و عودة إلى التشكيلة النجمية الصليبية ، فإن الصليب ليس في الواقع (أصلا) رمزا خاصا بيسوع المسيح ، بل كان دائما رمزا روحيا مقترنا بالقداسة الربوبية ، يتصل بـ (موت الشمس على الصليب) و من ثم عودتها للحركة (قيامتها) عند تموضعها قرب التشكيلة النجميّة الصليبيّة .

و ختاما ، أضيفُ أن الرمز المقدس للإلهة الليبية (تانيت) ، هو علامة الصليب ، التي تشكل حرف (ت / +) في الأبجدية الأمازيغية ، و هو الحرف الذي يختصر اسم تانيت ، علما بأن الربة تانيت هي أول ربة عُرفت في مايثولوجيا الشعوب القديمة حتى الآن (فيما أعلم و حسب هيرودوتس) .

هامش : أرجح أن الاسم الصحيح للإله المصري حورس هو (هور) ، و ذلك لأن اللغة المصرية - وهي شقيقة اللغة الليبية - تخلو من الحرف الحلقي (حاء) ، أما حرف السين (s) فهو لاحقة تفيد العَلَميّة في اللغة اليونانية التي ترجمت إليها أسطورة (حورس) ، و كلمة (هور) في اللغة الليبية القديمة تعني (الحامي القوي) و كذلك الأمر بالنسبة لاسم الربة الفرعونية إيزيس .. فأرى أن الاسم الصحيح ربما يكون (ئيزا / إيزا) ، بعد حذف حرف العَلمية اليوناني (s) ، و لعله أن يكون هو أصل الاسم الليبي (يزّا) للإناث ، الذي توارى من الاستعمال في العقود الأخيرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث