الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 139

ضياء الشكرجي

2022 / 12 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَما أَرسَلنا مِن رَّسولٍ إِلّا لِيُطاعَ بِإِذنِ اللهِ وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَّلَموا أَنفُسَهُم جاؤوكَ فَاستَغفَرُوا اللهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّابًا رَّحيمًا (64)
بكل تأكيد هذا صحيح تماما، لكنه صحيح من حيث الافتراض، فإذا افترضنا أن الله أرسل رسلا إلى الناس لهدايتهم، فهو يختار لهذه المهمة الخطيرة، إلا من يكون مؤهلا لها ذهنيا وأخلاقيا، وبالتالي فما يبلغه عن الله لا يكون من اجتهاده، بل هو من الله، وحتى عندما يتحدث ويتعامل، فهو لا يقول إلا ما هو منسجم مع ما يريده الله، ولا يقول عن الله ما لا يعلمه، حتى يأتيه الوحي. لكن ولكون النبوة من الناحية العقلية المحضة من الأمور الممكنة كمفهوم مجرد، والممكن يعني ممكن الحدوث وممكن عدم الحدوث، ولذا فإذا ادعي، أي إذا ما عرض مصداق مدعى للمفهوم المجرد متمثلا بشخص ما وبكتاب ما وبشريعة ما، فتخضع كل هذا للاختبار، والاختبار المتجرد يصل إلى امتناع صدور الأديان عن الله، لتعارضها مع المثل الإنسانية ومع قواعد العقلانية ومع ما يوجبه العدل الإلهي والرحمة الربانية، ولتعارض الكثير من مقولات الأديان التي بين أيدينا مع الحقائق العلمية. إذن لو كان هناك حقا رسول مبعوث من الله فهو واجب الطاعة وتكون طاعته من طاعة الله، لأنه حقا عندئذ «لا يَنطِقُ عَنِ الهَوى إِن هُوَ إِلّا وَحيٌ يّوحي». فهنا الكلام عن «الَّذينَ ظَلَموا أَنفُسَهُم»، والمقصود بظلم النفس هو تعريض الإنسان نفسه لعقاب الله عبر معصيته لرسوله، وبالتالي معصيته لله نفسه. هؤلاء يتمنى مؤسس الإسلام عليهم أن يأتوه مستغفرين الله وملتمسينه أن يستغفر لهم الله، ليجدوا الله توابا رحيما، وإلا فالويل والثبور لهم يوم القيامة.
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِّمّا قَضَيتَ وَيُسَلِّموا تَسليمًا (65)
وهنا يقسم الله، أو يقسم مؤلف القرآن عن لسان الله بأن هؤلاء لا يثبت إيمانهم، إلا بعد ألا يحكموا في خصوماتهم إلا نبي الإسلام، ثم يرضوا بحكمه، ليس رضا ظاهريا وحسب، بل يكونون راضين في قرارة أنفسهم، وبلا شك إن محمدا سيعلم برضاهم الداخلي، من خلال إنباء جبريل له عن صدقهم أو كذبهم فيما يظهرون.
وَلَو أَنّا كَتَبنا عَلَيهِم أَنِ اقتُلوا أَنفُسَكُم أَوِ اخرُجوا مِن ديارِكُم مّا فَعَلوهُ إِلّا قَليلٌ مِّنهُم وَلو أَنَّهُم فَعَلوا ما يوعَظونَ بِهِي لَكانَ خَيرًا لَّهُم وَأَشَدَّ تَثبيتًا (66) وَإِذِن لَّآتَيناهُم مِّن لَّدُنّا أَجرًا عَظيمًا (67) وَلَهَدَيناهُم صِراطًا مُّستَقيمًا (68)
بلا شك إن الذي يؤمن يقينا بإلهية مصدر الدين، لا يملك إلا أن يطيع ذلك الدين طاعة عمياء، لاسيما إذا صدرت إليه الأوامر والنواهي مباشرة من متلقي الوحي من الله، فهم يطيعون أوامره حتى لو أمرهم بقتل أنفسهم أو قتل بعضهم البعض، حيث إن كلمة «أَنفُسَهُم» أو «أَنفُسَكُم» وردت في القرآن بمعنيين، معنى أن يكون الفاعل والمفعول به هو نفس الشخص، ولكن إذا كان الفاعل بصيغة الجمع، فيمكن أن يكون المعنى أيضا «بَعضُهُم البَعضَ» أو «بَعضُكُم البَعضَ» كما يحتمل المعنى في هذه الآية. وقد رأينا في زماننا أولئك الذين أطاعوا أوامر الإسلام، بما فهموه من القرآن والسنة، فهجروا أوطانهم وذهبوا إلى سوح الجهاد في أفغانستان والعراق وسوريا، فقتلوا الأبرياء من الرجال والنساء، ومنهم من قتل نفسه بحزام ناسف وسط جمع من الأبرياء. إذن فقط الطاعة المطلقة بلا نقاش ولا تردد هي التي تجعل صاحبها شديد الثبات ومهتديا إلى الصراط المستقيم ومستحقا للأجر العظيم من ربه.
وَمَن يُّطِعِ اللهَ وَالرَّسولَ فَأُلائِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم مِّنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ وَحَسُنَ أُلائِكَ رَفيقًا (69) ذالِكَ الفَضلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَليمًا (70)
وهذه الآية تؤكد المعنى آنفا، فطاعة الله لا تكون إلا بطاعة رسوله، وهذا بلا شك نعم الحق والصواب، لمن ثبت له أنه رسول الله، وبالتالي يعده الله القرآني بأن يكون على حد سواء فيما سينعم عليه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. والآية رتبت هؤلاء على ما يبدو حسب ترتيب علو المرتبة لكل منهم، فأعلاهم درجة هم الأنبياء، والرسل هم الأعلى درجة من الأنبياء من غير الرسل، ثم يليهم الصديقون، ثم الشهداء، ثم عموم الصالحين، والصالحون لا يعدون كذلك، ما لم يكونوا مؤمنين، والإيمان لا يحسب في الإسلام إيمانا، إلا بمعنى الإيمان بمحمد والقرآن والإسلام.
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا خُذوا حِذرَكُم فَانفِروا ثُباتٍ أَوِ انفِروا جَميعًا (71)
هذه الآية تعطي للمسلمين تعليمات في فن القتال، فتطلب منهم أن يأخذوا كل عدة ومستلزمات القتال، وينفروا في الحرب على شكل مجموعات، الواحدة تلو الأخر، أو كلهم جميعا بهجمة واحدة، وأن يتحلوا بالحذر من مكائد العدو.
وَإِنَّ مِنكُم لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِن أَصابَتكُم مُّصيبَةٌ قالَ قَد أَنعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذ لَم أَكُن مَّعَهُم شَهيدًا (72) وَلَإِن أَصابَكُم فَضلٌ مِّنَ الله لَيَقولَنَّ كَأَن لَّم تَكُن بَينَكُم وَبَينَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيتَني كُنتُ مَعَهُم فَأَفوزَ فَوزًا عَظيمًا (73)
ثم تتناول هذه الآية صنفين من المسلمين، أولئك الذين آمنوا إيمانا عميقا بقضيتهم، وأطاعوا نبيهم الذي هو في نفس الوقت رئيس دولتهم وزعيمهم السياسي وآمرهم العسكري الأعلى، عند إعلانه النفير للحرب، ولا يترددون في الاستجابة، والصنف الآخر يمثل المترددين في المشاركة في الحرب، إما لأنهم دخلوا الإسلام من غير قناعة، والذين نعتهم القرآن بالمنافقين، فتظاهروا بالإيمان، وضمروا عدم الإيمان أو تسرب إلى نفوسهم الشك، وذلك خوفا وبالتالي اضطرارا، وإما طمعا في امتيازات المسلمين، بعدما قويت شوكتهم، وربما من أولئك من هم مؤمنون، ولكنهم حريصون على حياتهم التي لا يريدون أن يفرطوا بها، مما يعد أيضا دليلا على عدم تجذر إيمانهم. الآية الأولى تصف هؤلاء بالتباطؤ والتردد، وإذا كانوا من ضعاف النفوس، بقطع النظر عما إذا كان الإسلام يمثل قضية حق، أو قضية باطل، أو مزيجا بين ذا وذا، بحيث إذا خسر المسلمون الحرب، ورجعوا وقد فقدوا الكثير من مقاتليهم صرعى في سوح القتال، أو مصابين، قال واحدهم الحمد لله إن ترددي ما بين النفور والبقاء في بيتي لم يجعلني أذهب معهم، فتكون نهايتي بالقتل. لكنه إذا رجعوا منتصرين محملين بالغنائم الثمينة من عدوهم، ندموا على عدم الخروج للحرب، ليكونوا هم ضمن الرابحين بالغنائم. وهذا أمر طبيعي، فهناك دائما في كل قضية نضال أو قتال من هم ضعاف النفوس ولا يفكرون إلا بالربح الشخصي، وهناك من الخائفين على حياتهم، إما محقين لعدم إيمانهم بأن القضية تستحق أن يعطوا حياتهم من أجلها، أو جبنا منهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها