الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام العالمي الجديد ومستقبل العالم 1-3

راندا شوقى الحمامصى

2022 / 12 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك العديد من البشر يشكون في وجود الله لأنهم لم يستطيعوا أن يكتشفوا أي شيء يثبت وجوده. إن معرفة الله وإثبات وجوده هو بالتأكيد إحدى القضايا الدينية والفلسفية الكبيرة المطروحة . تمت مناقشة المفهوم البهائي لهذا الموضوع بشيء من العمق في الفصل السادس من الكتاب . وقد وضح لنا الدين البهائي بأن الله سبحانه وتعالى أثبتت لنا وجوده بدلائل واضحة ، وأن محبته اللامتناهية لنا تكمن في إرساله للأنبياء والمرسلين بين الحين والأخر حتى يعرّف الخلق بمشيئته وإرادته .
أشار حضرة بهاء الله بان الله تعالى قد وعد البشرية بإرسال رسل ومظاهر إلهية بشكل متعاقب من اجل هداية وتوجيه العالم الإنساني . وقد سمّي هذا الوعد في الآثار البهائية " بالميثاق العام " أو " العهد العام ".إن تعاقب ظهور الأنبياء والرسل أو مظاهر الظهور واستمرارية ظهورهم كان أمرَا قديما منذ الأزل ، حيث ظهر موسى عليه السلام بعد إبراهيم أبي الأنبياء وظهر السيد المسيح عليه السلام بعد موسى ومن ثم ظهر سيدنا محمد عليه السلام بعد المسيح . وفي هذا العصر ظهر موعود كل العصور والمبشّر بظهوره ، وهو حضرة بهاء الله . إن جميع الأنبياء والمرسلين سواء الذين ثبت بأن لديهم تاريخا مسجلا أو الذين لم يدوّن لهم سجل كان لهم دور هام في حوادث الخطة الإلهية.
العهد والميثاق هو اتفاق أو عقد يلتزم بإجرائه طرفا العقد . فالطرف الإلهي فـي "العهد العام" هو وعده بتتابع إرسال مظاهر الظهور والرسل . واستجابة لهذا الوعد السماوي يقول حضرة بهاء الله بأن للعباد وظيفتين تجاه الله سبحانه و تعالى الأولى : معرفة و قبول المبعوث السماوي عندما يظهر والثانية : إطاعته والعمل على تنفيذ تعاليمه وأحكامه . يقول حضرة بهاء الله في هذا الخصوص :" لأنهما معا لا يقبل أحدهما دون الآخر". ولهذا السبب لا يمكن اعتبار البهائيين من الخلفيات اليهودية والمسيحية أو أي دين آخر قد تركوا دينهم السابق عندما يصبحون بهائيين . إنهم يعتقدون بأنهم قد استجابوا لنفس النداء السماوي الصادر من المصدر نفسه . إنهم كما يقال حافظوا على العهد والميثاق في إقرارهم ومعرفتهم بمظهر الأمر الإلهي الجديد ولم يكتفوا بالإيمان برسول واحد فقط أو اعتبار تعاليمه أفضل التعاليم كما كان ذلك ضمن الواجب الروحاني المورث لهم من عقيدة آبائهم وأجدادهم .
هناك نقطة أخرى حول مفهوم العهد العام يجب التركيز عليها . فنظرا لعدم وجود بداية ونهاية لظهور الأنبياء والمرسلين ، فإن العقيدة البهائية لا تدعي بأنها الدعوة الإلهية الأخيرة من أجل الرقي الروحاني للجنس البشري ، فقد تفضل حضرة بهاء الله قائلا :" لقد أرسل الله تعالى رسله بعد موسى وعيسى عليهما السلام وسيستمر في ذلك حتى النهاية التي لا نهاية لها … ". وقد أكدت الآثار المقدسة البهائية بأنه بعد " انقضاء مدة لا تقل عن ألف سنة كاملة " سيظهر رسول أو مظهر أمر سماوي جديد ليحمل على عاتقه عملية التطور المستمرة والأبدية .
في ظل هذا العهد الشامل هناك روابط أخرى بين الله والبشرية تتعلق بمراحل معينة من مراحل تطور وتكامل الجنس البشري وبروز الحضارة واللذين مرّا بمراحل عديدة. يعتقد البهائيون بأن كل دين سماوي جاء ليحقق هدفا معينا من عملية التطور هذه . ومثلما ينمو الطفل بالتدريج ويتعلم مهارات مختلفة مثل الأكل والمشي والقراءة والعمل مع الآخرين وغيرها فإن الجنس البشري ينمو ويترقى ببطء نحو البلوغ الروحاني وذلك بواسطة تطوير الطاقات الروحية الكامنة في الإنسان .
فمثلا بظهور سيدنا إبراهيم عليه السلام عرف العبرانيون وحدانية الله واستطاعوا إظهار تلك الطاقات الإنسانية الكامنة في التطور بفضل تلك الحقيقة السامية . ومع مرور الوقت أصبح لهذا المفهوم تأثير كبير في الحضارة الغربية والإسلامية . وبالمثل جاء سيدنا موسـى " بالأحكام الإلهية " للعالم البشري كما بيّن بوذا الطريق نحو الانقطاع عن شؤونات النفس والهوى وعلّم السيد المسيح الحب الإلهي ومحبة الآخرين . أما حضرة بهاء الله فقد شرح بأن هذا النمو التدريجي للوعي الروحي الإنساني هو أمر طبيعي وضروري . مثلما على الطفل أن يتعلم المشي قبل الركض والقفز .
وللقيام بعمل ما ، على الإنسان أن يتعلم الوسائل المناسبة لإنجاز ذلك . وطبقا للعقيدة البهائية فإن كل رسول سماوي قد وفّر لأتباعه الذين عرفوا مقامه تلك الوسائل الضرورية وذلك بإبرام عهد وميثاق بينه وبين أتباعه . وقد عرف هذا العهد في الآثار البهائية بالعهد الخاص . وقام كل رسول بتأسيس هذا العهد تمشيا مع الاحتياجات المتغيرة لعملية تطور ونمو الجنس البشري . وقد سمي " بالعهد الخاص " ليس لأنه أقل أهمية وإنما لأن وظيفته تقع في ظل أهداف ومقاصد العهد العام . كما يمكن تسمية العهد الخاص " بالعهد المساعد " أو " العهد المتفرع " لأنه يخدم مساعداَ للهدف الإلهي الأبدي الأكبر.
وكما ذكر ، يعتبر البهائيون بأن الهدف الأسمى لظهور حضرة بهاء الله هو تأسيس الوحدة العالمية . وعليه فإن عهد وميثاق بهاء الله يقود إلى هذا الهدف ، وعلى ذلك فإن الوحدة العالمية لا تتطلب إحساسا شديدا بالأخوة والمحبة فحسب بل ويجب أن تحتوي على المؤسسات العالمية اللازمة لإيجاد الحياة الاجتماعية المتحدة المفعمة بالمحبة لأهل العالم ، كما يجب وضع حد للحروب وتأسيس سلام عالمي رصين ومتين بين كافة الأمم والشعوب .
ذكر هذا التصور لمستقبل البشرية في الآثار البهائية وسمّي بالنظام البديع العالمي وهو نظام رائع في سعته وعظيم في عالميته . وعلى الرغم من أن السواد الأعظم من الناس قد يوافقون الرأي على انه هدف قيّم وهام ، إلا ان البعض قد يعتبره هدفا خياليا وأن مجتمعاَ مثالياَ كهذا لا يمكن له أن يرى النور أو يتحقق . علاوة على ذلك يشعر الكثيرون بأن الدين يجب أن يهتم أساسا بالتطور الداخلي للإنسان ، وقد يتعجبون عندما يرون بأن الدين البهائي يركز تركيزاَ كبيراَ على حياة البشرية المشتركة وعلى أشكال الأنظمة الاجتماعية ثم تحقيق الأهداف الاجتماعية .
أما السبب وراء ثقة البهائيين بان الوقت قد حان لاتحاد البشرية يعود إلى اعتقادهم بان وحدة العالم هي أصلا إرادة الله جل وعلا وأنه خلقنا ووهب لنا القدرة والطاقة والوسيلة لكي نحقق ذلك . ويمكن اعتبار ميثاق بهاء الله في الأصل تلك الأداة الإلهية لإطلاق هذه القوى الروحانية وبالتالي تحقيق وحدة العالم الإنساني . هذا العهد والميثاق يمنحنا القوة الروحية لخلق الأمل وتقليب الأرواح وإزالة التعصبات ويعطينا نظاما للأحكام والقوانين الاجتماعية والمؤسسات التي تعمل على أساس المبادئ الروحانية وتقوم بربطها بالاحتياجات العملية للإنسان . ومن خلال هذا النظام يشعر البهائيون بأن الإنسان قادر على خلق مجتمع عالمي مبني على العدالة ، وفي هذا الخصوص يقول حضرة بهاء الله :" قد اضطرب النظم من هذا النظم الأعظم واختلف الترتيب بهذا البديع الذي ما شهدت عين الإبداع شبهه".
إن الإيمان الراسخ بإمكانية تحقيق الوحدة العالمية مدعوما بالإرادة والعزيمة للعمل تجاه هذا الهدف يمكن اعتباره من أكثر صفات الجامعة البهائية تميّزاَ ، ويعد من الفروق الواضحة بين هذا الدين والأديان السابقة . وطبقا للتعاليم الروحية والمبادئ الأساسية للدين البهائي فان هناك اوجه تقارب مع الأديان المعروفة وبالذات الأديان السامية مثل اليهودية والمسيحية والإسلام . إن قناعة البهائية في الوصول إلى الوحدة العالمية ووحدة الحضارة نابع من الإيمان بميثاق حضرة بهاء الله وهو أمر فريد وحديث . وبالنسبة إلى إمكانية تحقيق الوحدة والحضارة العالمية يقول الدكتور وارن واغر وهو أستاذ أمريكي في علم الاجتماع ما يلي :
" … من بين جميع الأديان المعاصرة التي تدعي أنها سماوية فإن الدين البهائي هو الدين الوحيد الذي انفرد بالحديث عن وحدة الجنس البشري بكل وضوح وتركيز ."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب