الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشتركات العقائدية بين الدين العراقي وفروعه الإبراهيمية ح 2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 1 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


النظريات التفسيرية في نشأت الدين وأختلاق الإيمان به والبعض منها يتجه نحو تبرير قناعات مسبقة، أو ربما مقدمات يؤمن بها سلفا تتجه إلى خلق حالة من التشكيك والهروب من الإقرار بأن الدين القديم له قواعد حتمية تتصل بكونه معرفة وثقافة وعقل، كما نؤمن اليوم تماما، فليس من المنطق أن نضع أنفسنا في درجة عالية من التطور لأننا ورثنا تجربتهم، ولأننا نتكلم عن تراث وتاريخ طويل هم من بدأوه لنقول أن تلك العقول كانت متخلفة وغير منطقية، وأنها أرتكبت الحماقات مثلا حينما أمنت بطوطم أو صنم أو حتى ظاهرة طبيعية على أنها القوة المتحكمة وجوديا، وسواء أصحت هذه المقالة بالواقع والفعل لكن تبقى لهم سبق الريادة الفعلية في التعرف على الدين والإيمان به، ولولا هذه الريادة والعقلية المنطقية قد لا يكون الإنسان أصلا قد وصل لهذه المرحلة من النضح في فهم الوجود من خلال الدين المعرفة العلم.
نعود الآن لمفتاح البحث وهو علاقة الدين العراقي القديم والأول بالأديان الإبراهيمية التي ولدت في رحم المجتمع العراقي ومن ثقافته وإيمانه، المشترك الديني عند علماء الأديان يتخذ واحد من أربع وجوه تتحقق في كل دين، وأي فقدان لهذه الوجوه لا يمكننا أن نطلق على ما يؤمن الإنسان به على أنه دين، فمثلا بعض الفلسفات الفكرية تتحول إلى أيديولوجية بملامح خاصة قد يعتنقها البعض وينحاز لها، لكنها لا يمكن أن تتحول إلى دين، الشيوعية مثلا أيديولوجية فكرية لها ثوابتها ونظريتها وكيانها العقلي والمنطقي، ولها الجم الغفير على أمتداد التاريخ من المؤمنين المخلصين لها والساعين لنشرها والتبشير بها، لكنها لم ولن تتحول إلى دين ولا يمكنها ذلك، لأن عناصر الوجوه التي تميز الدين عن غيره من المعارف لا تتوفر بها ولا أراد مؤسسوا الشيوعية أن تكون كذلك.
الوجوه الأربعة التي تعتبر القاسم المشترك بين الأديان والعقائد الروحية تتمثل في :.
• تقسيم العالم بين خالق ومخلوق في ثنائية الأول والثاني أو ثنائية الفاعل والمفعول به.
• رمزية السماء الغيبية التي تحمي فكرة الفاعل الأول من الأنتهاك عبر قاعدة التقديس.
• ربط الإيمان بوجود الرمز من خلال التعبيرية الحسية لتحل بدل الغيب المفرط بما يسمى الطقوس والشعائر.
• الإيمان بعالم ثاني تتواصل فيه سلطة الرمز الذي يعني خلود فكرة الدين وليس خلود فكرة الوجود.
يمكن أختصار فكرة هذه الوجوه بعبارة قصيرة أردنا أن لا تكون ملهمة دون شرح مسبق لها، العبارة هي معادلة الدين الضرورية المكونة من (رب بعيد غيبي، تقديس الرب وتعظيمه، ربط حركة الوجود به أبتداء، حتمية وجود عالم أخر مخلد وخالد)، بهذا يكون الدين قد أحاط بوجود البشر من قبل أن يكون إلى بعد ما سيكون في النهاية المحتمة، حتى الديانا التي ولدت في أوقات متقدمة من البشرية في طورها الأول كانت ترتسم هذه الركائز بشكلها العميق في ذات الإنسان الأول، أنثروبولوجيا لم تخبرنا الوقائع التي وصلت عبر التاريخ أن الإنسان العاقل قد أنكر وجود القوة البعيدة الغيبية المتحكمة به، ولم تصلنا إشارة أن هذا الكائن الذي أدرك القضية الفطرية بوجود قوة بعيدو لم يوقرها ويعظمها سواء كان ذلك بداعي الخوف أو التملق، كما لم نجد ولو حتى إشارة إلى أن الإنسان لم يجسد هذا الإيمان بسلوك أو أحاسيس صادرة منه أستجابة للعظمة والتقديس، وأخيرا فهمه المبكر لحقيقة عالم ما بعد الموت على أنه رحلة العودة العكسية له إلى عالم الرب البعيد، إذا الدين ولد من خلال ربط كل الوجود بما فيه البشر ذاته بالغيب القوي المتسلط وخضوعه التام له وترجمة كل ذلك بما يعرف بالإيمانيات العقلية والحسية.
إذا حتى نصنف أي فكرة أو عقيدة على أنها دين يجب أن نبحث في طياتها عن تلك العناوين الأربعة، التساهل في التحقق لا يفيد البحث كما التشدد اللا منطقي في أنطباق العناوين على مجالات البحث ودوائره يفيد في حصر معنى الدين في أضيق محدد، هنا لا بد من أستخدام المنهج التحليلي للبحث عن الظواهر وتشخيصها قبل أستخدامنا للمنهج التفكيكي في دراسة الظاهرة ذاتها، من خلال نتائج المنهجين يتولد لنا كم كبير من المعرفة المصنفة والمدروسة علميا والجاهزة للتقرير عبر نماذج أخرى من المناهج العملية، فالتحليل الهرمونطيقي يقودنا إلى تكثيف الرؤية التأويلية لمفردات نصية الدين، والمنهج اللغوي يقودنا إلى ربط المفاهيم والدلالات بما في العقيدة أو الدين من أحكام بناء على بنائية النص ونظام اللغة التي نزل فيها الدين، أما المنهج التأريخي يقدم لنا رؤية بانوراميه عن كيفية اكيف الإنسان بين جدلية الدين والزمن، على العموم لا يجب التقيد في دراسة العمق التاريخي للأديان الحالية بمنهج أحادي يربطها أو ينفي أرتباطها بالدين العراقي القديم، لأن الوحدوية النظرية تقصير وتقزيم بالإحاطة المستوجبة في دراسة أي ظاهرة خاصة إذا كانت ذات أطر وأبعاد وإمكانيات ثرية في القراءة والفهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الذي تستهدفه الطائرات الحربية الإسرائيلية في ضاحية بيروت


.. مسيرة بمدينة نيويورك الأمريكية في ذكرى مرور عام على حرب إسرا




.. مشاهد تظهر حركة نزوح واسعة من مخيم -صبرا وشاتيلا- بعد الغارا


.. مشاهد توثق موجة نزوح كثيفة من مخيم صبرا وشاتيلا بعد الغارات




.. سقوط أكثر من 25 غارة إسرائيلية ليلية على الضاحية الجنوبية لب