الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيباتيا: لذة الفلسفة أفضل من لذة الجنس 1/2

داود السلمان

2023 / 1 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قتلها رجال اللاهوت أبشع قتلة، في جريمة نكراء هزّت كلّ ضمير حيّ، في حينها، إنها الفيلسوفة، والعالمة والرياضية، التي اشتغلت بالهندسة وعلم الفلك، وهي استاذة الكبيرة ومخترعة في قضايا إنسانية وعلمية، إنها هيباتيا الاسكندرية، أبنة ثيون أستاذ الرياضيات في المتحف، وآخر علماء الرياضيات العظماء الذين سُجلت أسماؤهم في سجل متحف الاسكندرية. هيباتيا من اصول يونانية، تتلمذت، أولاً، على يد والدها. ذلك عندما رأى اهتمامها بالعلوم والرياضيات، إذ قام بمساعدتها في تعلم هذه العلوم وشجعها على توسيع معارفها في الخارج أيضاً. وبحلول الوقت الذي بلغت فيه من العمر 31 عاماً، كانت هيباتيا قوة أكاديمية رئيسية في الإسكندرية، وزاد اهتمام طلاب العلم والمعرفة فيها.
درست هيباتيا مؤلفات أفلاطون وارسطو، ثم درست الأفلوطينية الجديدة، وهي كانت سائدة في ذلك الحين، كما قرأت تاريخ الفلسفة قراءة مكثفة حتى تزودت منها ورشفت من معينها، واطلعت على مدارسها واتجاهاتها.
وُلدت هيباتيا ما بين الاعوام 350- 370- 380 ميلادية، وقتلت سنة 415 ميلادية، يعني عاشت ما بين الـ 35 أو 65 من العمر، كما ذكرت الكاتبة (منة الله عمرو) في كتابها "هيباتيا الإسكندرية".
وجاء في دائرة المعارف البريطانية، كما يذكر إمام عبد الفتاح إمام في كتابه "نساء فلاسفة" إنّ هيباتيا: فيلسوفة مصرية وعالمة في الرياضيات، ولدت بالإسكندرية عام 370، وماتت بالإسكندرية في مارس عام 415...كانت المرأة الأولى التي لمعت في ميدان الرياضيات واشتهرت بكونها عالمة فيها، ونالت اعجاب علماء عصرها.
وبحسب المؤرخون أصبحت هيباتيا أول عالمة رياضيات في تاريخ البشرية ممن تم توثيق أعمالهم، ولم تأتِ بعدها أي عالمة شهيرة حتى عصر النهضة.
ولشغفها بالعلم، وللحافز الذي يكمن في لُبها، تدرجت حتى تعمَّقت بدراسة علم الفلك؛ وذلك لشغفها به، ويُذكر أنَّها استخدمت أدوات خاصَّة لقياس الأجرام السماويَّة بنفسها.
وذكر بعض من كتب في سيرتها إن هيباتيا: "نشأت في بيئة مضطربة بسبب تحوّل الإمبراطورية الرومانية من الوثنية إلى المجتمع المسيحي، بناءً عليه نشبت صرعات طويلة بين الطائفتين أثّرت على مسيرة حياة هيباتيا بل ومماتها أيضًا، ولم تعلن إلحادها أو اعتناقها للديانة المسيحية وفقًا للمصادر التاريخية التي لم تحدد موعد ولادتها أيضًا، حيث تمتد الفترة التي تُشير لولادة هيباتيا بين عامي 355 و 370 للميلاد".
وبخصوص واقعها الاجتماعي، ادرك أنّ الزواج سيمنعها من الوصول إلى هدفها الأسمى، وسيقطع خيط الوصل عن انجازاتها العلمية والإنسانية، أشاحت بوجهها عن الزواج فلم تفكر به حتى نهاية حياتها المأساوية. فقد تقدم لها اكثر من شاب بهدف القرب منها، فرفضت الجميع برفق، قائلة لهم: إنها تفضل لذة العقل على لذة الجنس، إذ ارادت أن تعيش لأجل العلم ونشره فحسب، إلّا أن رجال الدين خافوا من امتلاكها لقلوب العلماء والفلاسفة والمفكرين، وطلاب الفلسفة، إذ صار اسمها على كل لسان، وهم يشيدون بفكرها الفذ، وعلمها الجبار، وارادتها الفولاذية.
وصف المؤرخون جمالها بـ "الاسطوري" لأنها كانت جميلة جداً...وحين عزفت عزوفا تامًا عن الزواج، كما ذكرنا، وتفرغت للعلم وللفلسفة وللفكر، تعرّضت للمضايقات من بعض طلابها ومن غيرهم، حيث تقدّم لها أكثر من شاب بهدف القرب منها؛ إلّا أنها رفضتهم جميعًا برفق. وظل أحد الطلاب يعاكسها، ويتعمد ملاحقتها بعد انتهائها من دروسها، فلقنته درسًا في الأخلاق بأن قذفت وجهه بفوطة – خرقة بالية مستعملة وهي تصيح: إن الاستمتاع بالجنس هو هدفك أيها الشاب الأحمق، لا الاستماع بالفلسفة.
وكان يحضر دروسها ومحاضراتها ثلة من الاثرياء، وعليّة القوم، ومن النخبة وهي تُدرس مذهب افلاطون وارسطو، وكان الحضور كبيرًا إذ تغص بهم القاعة، والموضوعات تثير الجدل: مَن أنا وأين مصيري؟، وماذا باستطاعتي أن افعل أو أن اعرف؟، أين مكاني في نظام الأشياء؟، ما طبيعة الإله؟، ما طبيعة الخير والشر؟.
وتُعد هذه الأمور من القضايا الحيوية، وذا أهمية قصوى في اهتمامات الباحثين عن الحقيقة، من طلاب الفلسفة، والخوض فيها يُعد من القضايا المحظورة لدى رجال اللاهوت، فأثيرت حفيظتهم، وأتهموا هيباتيا بالإلحاد والزندقة، فأباتوا لها الحقد والضغينة، وصار هذا سبباً آخر لقتلها، وذريعة يتشبثون بها للخلاص منها.
يذكر "ول ديورانت" في موسوعته قصة خرافية حول هيباتيا، يرفضها إمام عبد الفتاح إمام في كتابه "نساء فلاسفة" ويعتبرها اسطورة لصقها بها اعدائها. مضمون القصة إنّ شابًا راح يضايقها ويصرّ بالإلحاح على متابعتها، حتى ضاقت به ذرعًا، ورادت أن تصدّه، فما كان منها إلّا أن رفعت ثيابها، وقالت له: إنّ الذي تحبه هو هذا الذي يرمز الى الجنس، وليس هو شيئاً جميلاً.
ونحن نقرّ بصدق هذه القصة، والسبب إنّ ثمة أُناس لا يُجد نفعًا بهم الأخلاق، والمنطق السليم، ولا الكلام المعسول المهذّب، كونهم لا يقيمون وزنًا لهذا القضايا، بل هُم بحاجة الى الرّد الحاسم، الذي ينزل على رؤوسهم كما تنزل الصاعة من السماء، حتى يعودوا الى رشدهم. وخيرًا ما فعلت هذه الفيلسوفة الكبيرة بهذا الشاب الجاهل، الذي كان كلُّ همّه أن يرضي غروره الجنسي ويشبع غريزته الحيوانية، وليحصل بعدها ما يحصل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع