الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في أنثروبولوجيا اللهجات المحلية التي تحجب المعنى

قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)

2023 / 1 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


زرت معظم الدول العربية من جنوب الجزيرة العربية في اليمن وعمان إلى شمالها في مصر والسودان والشام ومن بغداد في المشرق العربي إلى المغرب والجزائر في الشمال الإفريقي وما بينهما دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية وفي كل البلدان الصغيرة والكبيرة التي زرتها وأهما أم الدنيا لغرض الدارسة والبحث والتفرغ العلمي والمشاركة في ملتقيات ومؤتمرات ثقافية وعلمية ومكثت فيها مدد متفاوتة بالطول والقصر. سنحت لي الفرصة للتعرف على ثقافاتها المحلية المتنوعة التي تشكلت عبر التاريخ الطويل من التباعد الجغرافي والانقطاع الحضاري بين الدول العربية المستقلة بحدودها السياسية الحديثة وربما كانت هذا الخبرة هي التي حفزتني للبحث في مشروع المشترك الثقافي والدراسات الثقافية العربية المقارنة إذ وجدت أن المجتمعات العربية، تزخر بجملة واسعة من القواسم الثقافية المشتركة؛ في اللغة والعادات والتقاليد والافكار والمعتقدات والأمنيات والاحلام والقيم والاطعمة ومع ذلك يجد المرء صعوبة في فهم معاني الكلمات والإشارات والرمز الشعبية المتداولة في الحياة اليومية في الأقطار العربية المختلفة فكلمة ماشي باللهجة المصرية الجميلة تعني باليمنية لا يوجد شيئًا. وكلمة يعطيك العافية في اللهجة المغاربية تعني يعطيك الموت بينما تعني في الشامية الحياة الطيبة. وكلمة يحتوي وحوى في المغرب العربي لها دلالة بالغ الحساسية بينما هي في العربية الفصحى تعنى محتوى الشيء أو مضمون الكتاب وكلمة اقشعني في العراقية الحانية تعني اتبعني بينما تعني في العربية الجنوبية اطرحني أرضا وكلمة لبوة في اللهجة المصرية لها دلالة غير مستحبة بينما في العراقية دلالتها ايجابية. وكلمة كلمة سوه في الجزائرية لها دلالة بالغة الحساسية بينما هي في اليمنية أحد أنواع الخضروات وكلمة الكسكسي في المغرب العربي تعني وجبة شعبية شهية بينما تثير الابتسامة عند من يسمعها في المشرق العربي. وهكذا دواليك ثمة لهجات محلية في كل قطر عربي وربما تنويعات مختلفة للكلمات في اللهجات المحلية لكل بلد بمفردة يصعب فهمها بالنسبة للزائر الغريب فإذا لم تكن لديك ثقافة أنثروبولوجية في الأقطار العربية سوف تقع في مطبات لغوية كثيرة وانصح بقراءة الأنثربولوجيا الثقافية لمن يريد أن يفهم الاختلاف في معاني الكلمات العربية فليس لكل كلمة المعنى ذاته في الدول القطرية المختلفة. وهذا ما يستدعي الاهتمام بالدراسات الأنثروبولوجية الثقافية بين الاقطار العربية والانثروبولوجية الثقافية هي مفتاح فهم الكثير من الالغاز والرموز الثقافية الشائعة والخفية. وهذا ما أدركه علماء الأنثروبولوجيا الغربيون الذين اهتموا بدراسة الفروق السيمائية بين الثقافات الشفاهية والكتابية. اذ قام علماء الإنسان وعلماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء اللغة بأبحاث ميدانية من مجتمعات الشفاهية الثقافة وخرجوا بنتائج مذهلة وعلى درجة كبيرة من الأهمية حول نمط العلاقة بين الثقافة الشفاهية والكتابية وخصائص كل منهما. إذ ان الموجة الجديدة في الكتابات الاتنوغرافية الغربية قد تميزت بالعناية والاهتمام بالذوات الفاعلة المنتجة للخطاب وجعل صوتها جزءاً من النص المنتج . الأمر الذي كان يتم تجاهله في الكتابات الانتروبولوجية السابقة في سياق الاحتفاء وراء الموضوعية والأساليب العلمية التي - حسب ادعاء الباحثين الأوائل ــ تتحكم في اختيار البيانات وتنظيمها لإنتاج نص مرجعي يمثل ( حقيقة ) المجتمع المدروس وتطمس حقيقية أن الانثروبولوجي هو الذي يتحكم بالشروط الموضوعية لإنتاج النصوص .
وهكذا ظهرت كتابات اثنوغرافية تجريبية في محاولة لإعطاء الذات صوتا في النص النهائي ، كما جاء في دراسة أبو لغد بعنوان ( ايسا ) 1981م ، والتي أثارت ضجة كبيرة عند ظهورها، وهي قصة حياة امرأة من مجتمع إفريقي كما روتها نيسا للباحثة . والملمح الآخر للمراجعة النقدية هو الاهتمام بتبيان الشروط التاريخية والاجتماعية (لتكوين الحقيقة )، وذلك من خلال تدوين آليات العمل الميداني وكيفية بلورة الباحث لمعرفته عن الآخر . وهذا ما فعلة الانتروبولوجي الأمريكي رآبنو " Rabinow " 1977م في دراسته للمجتمع المراكشي في المغرب العربي . فضلا عن عدد آخر من الدراسات الاثنوغرافية عن المجتمع المغربي التي اهتمت بتدوين ( الحوار الانترغرافي ) في محاولة لإبراز كيفية الحصول على المعرفة فضلاً عن المعرفة ذاتها(تامينيان، 1997: 23).
وقد عرف هذا الاتجاه ( بالأنثروبولوجيا التأويلية ) كتب الباحث الأمريكي، ستيفن كيتون Steven Caton " في اثنرغرافيا الشرق الأوسط ، التي ألم بها أكثر جاءت أعمال ك. جيرتز 1979 وإيكمان 1976م وروزن Rosen 1976م وميكر Mocker 1979م وآخرين، لتجسد المنهج التأويلي بصورة رائعة .. لقد أشاروا جميعا بدرجات متفاوتة إلى أهمية " اللغة " لفهم القضايا التأويلية التي يدرسونها ، وهذا ما يفصح عنه عمل ( روزن ) الذي يعد أحد ممثليها الرواد ؛ إذ كتب : " يعتبر الدور الذي تلعبه اللغة ، في تكوين العلاقات الاجتماعية ، مكملا لوحدة المجال الاجتماعي والإدراكي للحياة في ( سفرو ) بلدة في المغرب العربي . بالطبع ، ليس هناك غموض في ما يتعلق بالدور المركزي للكلام في مجتمعات الشرق الأوسط . إنني كمراقب لمناورات أهل سفرو ضمن نطاق الألفاظ ومعانيها المتاحة لتشخيص علاقاتهم، أدركت أن الاستعمالات اللغوية ليست ببساطة بطاقات تلصق على عدد كبير من المراكز والأدوار الاجتماعية القائمة وإنما كانت جزءاً مكملاً للخلق الفعلي لتلك الأدوار" (كيتون، 1997: 157).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام