الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية والتعليم في العراق/ الجزء الاول

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2023 / 1 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


الآباء دائمو القلق على أولادهم، يتمنون ان يؤمنوا لهم مستقبلا زاهرا ويتجنبوا مخاطر الضياع والفشل. فغالبية العوائل تزج بأبنائها الى المدرسة للتعليم، منهم من يعتمد على الدروس الخصوصية ويوفر لذلك مبالغ طائلة، ليتمرن أبنائهم على حلول مسائل الرياضيات والفيزياء والكيمياء ويتقنوا علوم التاريخ والجغرافيا واللغات والوطنية.. ليتخرجوا اطباء او مهندسين او مدرسين او ضباط وهكذا، لضمان مستقبلهم ماديا ومعنويا. وتتمنى العوائل في حصول أبنائها على درجات عالية، وإظهار أبنائها بمستوى عال من (الذكاء)، افتخارا بهم وكي يُشار لهم بالبنان في بيئتهم الاجتماعية او على نطاق أوسع، ثم يتزوجوا وثم يتبوؤوا مكانة عالية في إدارة مفاصل الدولة، ويحصلوا على أجور عالية.. هذه امنية كل الإباء او الغالبية منهم، وهم يحاولون من اجل ذلك إيجاد الوسائل الكفيلة لتحقيق هذه الاماني، في عالم مضطرب، ينفجر فيه عدد السكان وتتباطأ الاقتصادات وتزداد فيه البطالة والعوز.
التعليم من وجهة نضري، او المفترض فيه، ان يهدف الى التحرر من التكييف الانقيادي في المسائل التي تتعلق بالحياة المعاصرة، أولئك الذين يتم تعليمهم يواجهون وقتا عصيبا مع والديهم ومعلميهم وزملائهم الطلاب، شبيهة بظرف المنازعة والقلق والخوف والمنافسة. انهم يواجهون عالما مكتظا بالسكان، مع أناس يعانون من نقص التغذية، وعالم الحروب، والإرهاب المتزايد، والحكومات غير الفعالة، والفساد، وخطر الفقر. هذا التهديد أقل وضوحا في المجتمعات الغنية والمنظمة تنظيما جيدا إلى حد ما، لكنه ملموس في بلداننا حيث الفقر الهائل والتزايد السكاني ولامبالاة الحكام غير الأكفاء.
السؤال هنا، هل الآباء والمدرسين والقائمين على نظام إدارة الدولة بالذكاء والوعي اللازم لتحمل مسؤولية التربية والتعليم؟ بعبارة أخرى هل المجتمع ونظام التعليم تساعد الأبناء ليكونوا أحرارا واذكياء ويتحملون المسؤولية؟ بالإمكان النجاح في التعلم، بأسلوب التحفيظ حتى ان كان بعكس رغبة الطالب، او ان تكون بعض العلوم لا تعاصر الوقت الراهن، ولكن هكذا نجاح يضمن شرط القبول في الكليات التي تسعى الناس اليها، ونظام الدولة والمجتمع تساعد في زيادة الترغيب والتشويق لنيل القبول في تلك الكليات كالطب والهندسة من خلال إيجاد فرص العمل لخريجي هذه الكليات ودفعها رواتب مجزية لهم.
لكن الذكاء شيء ثان، لان الذكاء بحاجة الى مدرس ذكي، واب ذكي، ومجتمع متطور يمتلك نخبا متميزة في الذكاء، ونظام تعليم متين يساير تقدم البشرية وتنقح المناهج وفقا لذلك، وتتدارك مآخذها، تلك التي تؤدي للانقسام والتكييف defragment and conditioning، وحين لا يتوفر كل ذلك، لا معنى لطلب الذكاء من قادم الأجيال، وفي غياب كل ذلك، ينتج مجتمعا عدوانيا غير منسجما وراكدا لا يؤمل منه اية ابداع، ولن يخرج عقول قيادية او نوابغ..
في واقعنا هذا، واقع العنف والفقر والفساد والإرهاب الذي يجب أن يواجه الشباب، وهم خائفون بطبيعة الحال، لديهم فكرة التحرر من هذا الواقع، مستقلين عن الروتين، ولا ينبغي أن يهيمن عليهم كبار السن، وهم محبطون وخجلون من كل سلطة، والحرية بالنسبة لهم تعني اختيار ما يريدون القيام به، لكنهم مرتبكون وغير متأكدين مما يريدون، يتظاهروا بمعرفة ما يفعلون. الطالب عالق بين رغبته الخاصة في التحرر اي الحرية في فعل ما يريد، ومطالب المجتمع او تلك التي تفرضها الإباء بالتوافق مع ضروراتهم الخاصة (في أن يصبحوا أطباء او مهندسين أو علماء أو ضباط أو متخصصين من نوع ما). هذا هو العالم الذي يجب على الطلاب مواجهته وأن يصبحوا جزءا منه من خلال تعليمهم، إنه عالم مخيف. كلنا نريد الأمن جسديا وعاطفيا، وأصبح الحصول على هذا الأمر أكثر صعوبة وإيلاما.
اذن ماذا نعني بالتعليم؟ هل نتعلم فن الحياة ووسائلها التقنية؟ ام نطلب اكتساب مهارة في تخصص معين كالجراحة التجميلية السائدة في هذه الايام لما تدر على صاحبها من أموال، وهذا يتطلب دراسة لعشرة أعوام بعد الدراسة الاكاديمية الأولية والتطبيق، لتبدأ مسيرة حصد الأموال (ان لم تتغير المعطيات).. هل هذا هو هدف التربية والتعليم؟ ام ان التربية تمتد الى فضاء اخر تمس الإنسانية، لفهم معنى ان تصبح انسانا، وتجد القرار في نفسك وتثبت وجودك الإنساني غير المنقسم او المتكيف او المنقاد بفكر الاخرين؟ والأخير لا يتطلب اية تقنية او مهارة، انه فن لا يعتمد على معلومات تحفيظيه، بل يتناول نفس الانسان وما وراؤه، فن عظيم وشامل يتناول حياتنا. ذلك الفن يتطلب مربيا متعلما، ويحتاج الى اباء متعلمين قبل تعليم الأطفال. ذلك الفن الذي يقي عموم المجتمع، ويجعل الطفل عنصرا مسالما في بيئته، فاذا كان الإباء يحبون أبنائهم فعلا، أعني ليسوا متعلقين بهم كما يتعلق الطفل بالمقتنيات واللُعَب، فسوف لن يسمحوا لأبنائهم ان يَقتِلوا او يُقتَلوا! ويفترض ان يكون نظام إدارة الدولة ترعى نفس الهدف ولا يسمح بالقتل. في الواقع الشرقي لا نجد ذلك، فالنظام في الواقع يغذي دافع القتل، ويعتبره أحيانا بطولة قدر تعلق الامر ببعض الثوابت التي تتوارثه. فيقوم النظام بتجنيد الأبناء للجيش قسرا وليس طوعا بعد تخرجهم، وتدريبهم وسوقهم في المعارك للدفاع عن تلك الثوابت، فإما ان يَقتل او يُقتل، بقبول ورضا الابوين (مكرهين على الامر غالبا)!
التعليم يفترض ان يشمل كل مناحي الحياة بحيادية وبلا تطرف، منعا للانقسام وما يترتب عليه من خلافات تولد مجتمعا متصارعا مع الاخرين وتولد الكراهية والازمات والعنف. فواجب المعلمين والاباء أساسا هو الزرع خارج مساحة الذاكرة الفاعلة لعقل التلميذ، ليكون متحررا من الشفقة بالنفس، لينهض بالمسؤولية، فحب الأبناء بلا شعور بالمسؤولية اضرار بالمجتمع وتسيب. والذي يحب الأطفال بلا مسؤولية، يأتي يوما ليرمي طفله لذئاب المجتمع بعد خمسة أعوام من عمر الطفل المدلل في كنفه، آمِلاً في تعليمه! فيخرج الطفل من دائرة الحب والدلال الى واقع مختلف، واقع التعليم التحفيظي والقسري في يومنا هذا، وبحسب توجهات متباينة بين المدارس الحكومية والاهلية. ان التعليم التحفيظي لن ينتج اذكياء، بل يكيف العقول لمسلمات او لمعلومات (متغيرة مع الزمن)، او معلومة من جهة واحدة، او لمعتقد دون الاخر بحسب توجهات المناهج المتباينة، وترافق الطفل طوال حياته، فينشئ الطفل متكيفا لمخاوفه الشخصية، العصبية، التوحد، وكل قبح البشر (مثل خلقها للآلهات وثم عبادتها، وتقديس الاديرة والكنائس والجوامع، حسب اختلافات الأديان، على سبيل المثال لا الحصر)، وكل ذلك لا علاقة لها بحياة الانسان، لكنه يتداخل مع تعلم العيش، لتصبح في النهاية أكثر جدية شيئا فشيئا أي متعصبا بامتياز، في تعارض مع عائلته أحيانا او مع الاخرين.. التعليم يفترض ان يجعل الأبناء متحابين ومحترمين ومتعاطفين بينهم، وكما يفترض ان تسود هذه الخصال المعلم والاباء قبل الطلاب، ان لم يكن كذلك تضيع كل جهود الإباء في تعليم أبنائهم. نحن توارثنا تعليما خاطئا يسبب الانقسام والتكيف والانقياد من الاخرين، ليولد العنف والحروب بسبب تناشز الأنظمة الحاكمة المتعاقبة عبر زمن طويل. في الانقسام لا يوجد ذكاء ولا عاطفة ولا حرية.
في بلد مثل العراق لا يمكن ان نحصل على تعليم شمولي مثالي، حيث لا تتوفر مقومات لهكذا تعليم، فالمعلمين متناشزي الأفكار والانتماءات والولاءات والمعتقدات، أي لا توجد روح ملية يقتنع بها كل أصناف المجتمع، كما ان المناهج تدفع بعكس جريان رياح الاشتهاء لبعض طبقات المجتمع في جوانب شتى، كما تتقاطع مع توصيف الوظائف في العمل المؤسساتي ونظام إدارة الدولة شبه الراكدة على حالها منذ قرن مضى.. ان مثلث ادارة الدولة ونظام التعليم التحفيظي للدولة (ونظم التعليم الخاص المتداخل معه) وثوابت العائلة والبيئة الاجتماعية، مناشزة تخلق الانقسام ثم الصراع والعنف. فلن ينتج هكذا تعليم اذكياء ونوابغ وقادة اطلاقا، بل تولد الفوضى والعنف والحرية اللامسؤولة، تلك التي نراها شاخصة عقب تغير كل نظام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل صغيرة منسية.. تكشف حل لغز اختفاء وقتل كاساندرا????


.. أمن الملاحة.. جولات التصعيد الحوثي ضد السفن المتجهة إلى إسر




.. الحوثيون يواصلون استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل ويوسعون ن


.. وكالة أنباء العالم العربي عن مصدر مطلع: الاتفاق بين حماس وإس




.. شاهد| كيف منع متظاهرون الشرطة من إنزال علم فلسطين في أمريكا