الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في العام الجديد ( 2 ) المستوى السياسي

اسماعيل شاكر الرفاعي

2023 / 1 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سيظل المستنقع السياسي الذي صنعته الاحداث السياسية المتراكمة منذ الاحتلال والسقوط عام 2003 : راكداً ، وسيظلّ العراقيون ، مع كل دورة انتخابية ، يسيرون على النهج ذاته الذي يؤدي الى تأبيد هذا الركود ، باعادة انتخاب الوجوه نفسها التي تَسَبَبَت به . وهي وجوه تعوّدت التخفي خلف قناع الدين . ان اصوات العراقيين ، وليس اصوات كائنات فضائية ، هي مَن رفعت هذه الوجوه المقنعة الى سدة الحكم ، ومنحتهم صلاحية اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وترتيب البيت العراقي من الداخل ، وتحديد مستوى وطرائق العيش فيه...

سيستمر العراقيون على منهج اعلاء شأن اصحاب الاقنعة الذين يظهرون غير ما يضمرون لربع قرن آخر : حتى عام 2050 : وهي السَنة التي سيستغني فيها العالم الصناعي عن طاقة النفط والفحم الحجري الاحفورية ، مستعيضاً عنهما بطاقة نظيفة متجددة ( وقد يتم الاستغناء عن النفط قبل هذا التاريخ بعد اعلان امريكا عن سعيها الى العمل بآلية الاندماج النووي التي سيتولد عنها طاقة هائلة ، اكبر بما لا يقاس من الطاقة الاحفورية بدءً من 2030 ) .
ومع معرفة العراقيين بهذه الحقيقة الّا ان كل الدلائل تشير الى استمرارهم بالتمسك بالوجوه السياسية المتخفية خلف الاقنعة الدينية : اصحاب نظرية الدمج : دمج الاميين والمتخلفين ومزوري الشهادات من اعضاء احزابهم بدوائر الدولة ومراكز مؤسساتها . لم يعد باستطاعة العراقيين رؤية الخراب القادم بعد ان صنعوه بانفسهم . فهم لا يرون في مرايا مستقبلهم مَن ينظّم حياتهم افضل : من قيس الخزعلي ، ومقتدى الصدر ، ونوري المالكي وهادي العامري . وتلك واحدة من المفارقات الكبرى التي يعيشها العراقيون : فهم يعرفون الادوار المرسومة لهذه الوجوه المقنعة بقناع الدين من قبل المخابرات الايرانية والحرس الثوري الايراني والمتمثلة بتهريب المال العام العراقي بحجج ( فقهية ) مختلفة الى ايران ، ومع ذلك يستمرون بانتخابهم الى دفة القيادة : فتمعن هذه الوجوه المقنعة بسرقة المال العراقي العام وتهريبه الى ايران لتخفيف الحصار الدولي عنها ، حتى لو ادّى ذلك الى : فرض حصار دولي جديد على فقراء العراق ومتوسطي الدخل .

قد يحدث شيء كبير في ايران ، فثورة الاطاحة بالحجاب تتسع ، وتتسع معها مطالب الشعوب الايرانية التي ارتفعت ، من مطلب الاطاحة بالحجاب الى مطلب الاطاحة بالنظام السياسي الذي فرض الحجاب . لقد زالت الرهبة ، وكسرَ الناس حاجز الخوف من اوهام : ولاية الفقيه ونائب الامام اللتين طلاهما الفقهاء بطلاء المقدس ( والفقه دائماً اجتهاد بشري وليس وحياً منزلاً ) وهذه خطوة تاريخية جبارة في تقدم الوعي السياسي العام لدى الشعوب الايرانية ، تساعد على تجذيرها خلفية ايران الحضارية التي تنتج باستمرار فلاسفة متسائلين وادباء تنويريين وفنانين عظام : في الرسم والنحت والمسرح والسينما والرقص والموسيقى والغناء ...

ولهذا تسبق الشعوبُ الايرانية : شعوبَ المشرق العربي في التمرد على الطغيان : لقد قاموا بثورتين عظيمتين هما : ثورة التنباك ( التبغ ) 1890 ، وثورة المشروطة ( الدستور ) عام 1905 - 1911 ، في الوقت الذي كانت فيه شعوب المشرق العربي في العراق والشام والجزيرة العربية : تغفو في احضان الدولة العثمانية او داخل خيامها البدوية كرعاة وبدو ( وحتى تجربة محمد علي باشا في مصر ، في النصف الاول من القرن التاسع عشر ، لم تكن اكثر من تجربة طاغية مشرقي ، كان يبحث عن كيفية بناء دولة قوية وليس شعباً مصرياً قوياً ، ليهزم مركز الخلافة في اسطنبول ، ويكون هو الخليفة : كان الهدف الذاتي في تجربته يتقدم على هدف التحديث والتنمية والتطوير . ولهذا فشلت جميع تجارب طغاة الانقلابات العسكرية التي جاءت بعده ، ونسجت على منواله في بناء دولة بوليسية قوية مهمتها هزيمة شعوبها وليس تنمية وتقوية شعوبها .. وستفشل تجارب طغاة الجزيرة العربية بقيادة ابن سلمان : لانها ليست اكثر من خدوش على جسد الوعي الظلامي المتراكم منذ مئات السنين ) …

ما يثير القلق في العراق : عدم ايمان المتقنعين بقناع الدين بمفهوم الوطن ، وعدم الاعتراف في الممارسة بالافكار السياسية الحديثة المصاحبة له : كمفاهيم حقوق الانسان والمواطنة والتساوي امام القانون وتكافؤ الفرص . وهم يصرون على رسم سياسات تدفع بالعراق الى الوقوف الى جانب ايران في صراعها مع امريكا والغرب : والاستمرار باختراع الطرق التي تعصف بالاقتصاد العراقي كطريقة : قيام البنك المركزي ببيع الدولار ، وتأسيس المصارف التي تمارس دور غسيل الاموال ، ودفع اعضاء احزابهم الى التكاتف من اجل التساند في العمل على سرقة المال العام وتحويله الى ايران كما حدث في ما تمت تسميته : بسرقة القرن . ان تهريب العملة الصعبة الى ايران يدل على تمسك اصحاب الاقنعة الدينية بمفهوم ولاية الفقيه وجعله المثال الذي يجب محاكاته والنسج على منواله : رغم فشله في ترسيم علاقات دولية مريحة بين ايران وبين دول المنطقة وباقي دول العالم ، وفشله في ادارة الشأن العام الايراني على اسس اقل تشدداً واكثر تسامحاً ، ورغم الفشل الاقتصادي الصارخ المتمثل بانهيار العملة الايرانية وانهيار عملة جميع البلدان التي يدعي قادة ايران بانهم احتلوا عواصمها : مثل بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت …

وهذا الفشل المركب لمفهوم : ولاية الفقيه : السياسي والامني والاقتصادي جعله مفهوماً لا قيمة له في سوق الافكار والمفاهيم السياسية العالمية : فرغم مرور ما يقرب من نصف قرن على ولادة مفهوم : نائب الامام ( او ولاية الفقيه )كنظرية في السلطة السياسية : لم يبنِ شعب او امة في طول الارض وعرضها نظاماً سياسياً في ضوء منها ، ولم يستلهمها في نضاله السياسي : اي فصيل سياسي عالمي ، ولم نسمع ببلد واحد في العالم قام بالثورة لتطبيق نظرية ولاية الفقيه . وذلك يعود لكونها انظرية سياسية في الحكم لطائفة دينية واحدة . لقد رفض العالم تقبلها : وها هو الشعب الايراني نفسه يثور على مساوئها التي تجاوزت حسناتها . انها بالنسبة للشعوب الاخرى : مفهوم غير واقعي وغير عملي في السياسة ، وليس بامكان حتى الساسة الايرانيين استلهامه في تكوين مواقف وقرارات ، لانه ينبذهم ويبعدهم عن تلقي المعرفة من الامام الغائب التي يختص بها رجل واحد وسياسي واحد هو الفقيه نائبه على الارض . هل توجد دكتاتورية اكثر بشاعة من هذه الدكتاتورية التي تقوم على كذبة ، وليس اكثر من كذبة : ولكنها الكذبة التي تسببت باشعال النيران في اربعة بلدان عربية …

يسمح فقهاء الشيعة الاصوليين لانفسهم بوراثة الأئمة : رغم انهم يرددون صباح مساء بان الأئمة كائنات ذات طبيعة نورانية خالصة ، كائنات مخلوقة من مادة اسمى من التراب الذي خُلِقَ منه البشر : لهم قدرات تكوينية تمكنهم من تحقيق المعجزات وتجاوز قوانين الطبيعية والتاريخ : فهم وفق هذا التوصيف يحملون طبيعتين : طبيعة لاهوتية وطبيعة أُنسيّة ، كما لو كانوا ظلاً من ظلال المسيح كما رسم صفاته اللاهوت المسيحي …

لا يستطيع مواطن الحضارة الصناعية الذي تعلم َ ربط النتائج باسبابها ، وتعلمَ اختبار صحة المقولات والفرضيات والنظريات قبل الايمان بها : لا يستطيع هذا المواطن التسليم بوجود قوى غيبية كانت هي السبب وراء هبوط قيمة العملات الوطنية الايرانية والعراقية والسورية واليمنية واللبنانية : لا مجال لفكرة اللاسببية في التطبيق في المجال العلمي الذي يقوم على : العياني والملموس واختبار المفاهيم والنظريات التجريدية في المعادلات الرياضية في العلوم الطبيعية . لا بد من سبب معقول ادّى الى انهيار عملة هذه البلدان : ان السبب وراء هذا الانهيار يعود الى عملاء ايران في هذه البلدان ، الى " الولائيين" الذين اخترعوا ويخترعون الوسائل الكفيلة بتهريب عملة الدولار الى ايران ، لكن بما يضمن لهم حصة في هذا التهريب ، قدَّرها بعض الخبراء بالمليارات وليس بالملايين …








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي