الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
خرافة الخلق وكذبة آدم وحواء
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
2023 / 1 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" ( النساء1)...
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". [سورة الحجرات:13]...
في صباح خريفي ساحر خلاب، كنت أحتسي قهوتي أمام بيتي الريفي، في قريتي الجبلية العالية، وكان بالقرب مني، مجموعة من الفتيات الصغار والفتيان يلعبون ويلهون ببراءتهم المعهودة، لمحت بينهم فتى لا يتجاوز عمره الاثنا عشر ربيعاً، كان وجه الشبه بينه، وبين أحد الطلاب الذين قمت بتدريسهم بثانوية القرية في أوائل لثمانينات من القرن الفارط متطابقاً جداً، وخلت لوهلة أنني أمام ذات الفتى إياه، ناديته، فوافاني، سألته ألست من آل "فلان" (عائلة عنا بالقرية)، فقال لي نعم، فقلت له: أوليس أبوك هو "س" فقال لي نعم، شكرته، وأقفل عائداً ليذوب في نوبة اللهو البريء مع أقرانه الصغار، تيقنت عندها أن دماء وسمات وصفات ذاك الطالب الذي عرفته في الثمانينات تجري في عروق هذا الفتى الصغير، كان التشابه مدهشاً، فالدم واحد و"السحنة" و"الطلة" والهيئة واحدة، حتى طريقة الكلام تكاد تكون واحدة، وكذا هي العهدة، والعادة، عموماً، مع الآباء والأبناء، والأحفاد..
وهذا بدوره، ما يؤكد أن علم الوراثة قانون صارم، يمكن الاعتماد عليه، كما هو الحال اليوم في القانون والقضاء والمحاكم الجنائية، في حل الكثير من الألغاز وتفكيك الكثير من القصص والحوادث والجرائم الغامضة، وتحديد هوية وانتماء ووالد أي طفل من خلال تحليل الـ DNA وهو الحمض النووي(Deoxyribonucleic acid) والذي يتم اختصاره بالـ (DNA)، هو أحد المركبات الجزيئية البيولوجية المشهورة في الجسم، فكل خلية في الجسم تحتوي على الحمض النووي والذي يقع في داخل نواة الخلية، والتي تميزك عن غيرك من الكائنات الحية، وتحمل المادة الوراثية المعلومات والإرشادات الخاصة بالتطور والنمو والتكاثر على الجينات، حيث يتم انتقال المعلومات الجينية من الوالدين إلى الأطفال، فتقريبًا نصف هذه المعلومات يكون من الأب والنصف الثاني من الأم. التغيير الجيني في هذه المادة الوراثية يعد السبب وراء امتلاك أحد الأشخاص عيونًا زرقاء اللون بدلًا من البنية، والسبب من وراء إصابة البعض بأمراض معينة، وكل الأمور التي تؤدي إلى تكوينك أنت وتميزك عن الآخرين.
وببساطة واختصار شديدين، لست مختصاً ولا خبيراً بهذا العلم، ولا أستطيع الخوض والنقاش فيه كثيراً، وله خبراؤه ومختصوه، لكن، وبالانطلاق من عمومياته، ومبادئه البسيط فلا يمكن لمولود إلا أن يحمل صفات ومورثات الآباء والأجداد، وأن هذه الجينات الوراثية الخاصة بالوالدين ستنتقل حتماً إلى الأبناء، ولن تهبط عليه جينات جديدة ومختلفة من السماء أو يمكن أن يتغير عرقه ولونه. وصحيح، اليوم، ومع اختلاط الأعراق والأنساب والدماء، فإنه يمكن لعائلة واحدة، وأطفال من أب وأم أن يحملوا صفات جينية جديدة موروثة من الآباء والأجداد والأسلاف المتعددين كلون البشرة، والعيون، والطول، وبنية الجسم وغيره، وقد يصعب الحصول على جنس أو عرق صاف وتثبت تحاليل الـ DNA اليوم انتماء البعض وانحداره من أكثر من سلالة بشرية كأن يكون في دمائه مثلاً أصول يونانية، وتركية، وأوروبية وسلافية وهندية ووو في وقت واحد، كما هو حال الكثيرين، وهذا أمر مفهوم وطبيعي، قطعاً.
لكن ماذا لو انتقلنا للمفهوم والأسطورة الدينية حول الخلق والولادة، والتي تقول، وتجزم حرفياً إن آدم وحواء هما آباء البشر جميعاً، ومن "نفس واحدة" وبغض النظر عن لا أخلاقية وبشاعة هذه الأسطورة التي تفترض وجود زنى المحارم وزواج الأخوة وسفاح القربى البغيض، ورغم أننا لم نسمع عن وجود بنات "إناث" للزوجين آدم وحواء، فهي تعني فيما تعني أن أبناء آدم قابيل وهابيل وشيث، قد تزوجوا من أخواتهن أو من نساء وجدن هناك لا ندري كيف، حيث لم يكن هناك أي جنس بشري آخر على الأرض سواهم، حسب الخرافة الدينية، وذلك بعدما تم صدور فرمان رباني بطردهم من الجنة اقترافهم إثم الأكل من تلك الشجرة التي منعهم ربهما ألا يقتربوا منها كما أوصاهما ربهما، لكن الشيطان أزلهما وبقية القصة معروفة. ولسنا بصدد هذه الأسطورة والرواية الدينية، قدر ما نحن بصدد قضية تناسل وتكاثر عائلة آدم "غير المحترمة" والمشبوهة وموضوعهم الجيني، حيث يفترض قيام الأخوة بالزواج من أخواتهم، غير المذكورات والمجهولات، وذلك لاستمرار وبقاء هذه العائلة التي بدأت مسيرة البشرية بعصيان أمر لله المفترض.
ولو انتقلنا، الآن، لمستوى آخر من الأسطورة، ولئن صدقت أسطورة آدم وحواء البابلية-التوراتية عن الخلق والله، وبغض النظر أن هذا يعني ،حكما، ان البشر جميعا ابناء زنى وحرام واولاد سفاح الأخوة والأقارب، وإذا كان الله المزعوم قد خلق البشر من آدم وحواء فهذا يعني ان يكون للبشر DNAواحد مشترك، أي أن يكون البشر جميعاً من عرق أبيض هذا في حال كون آدم وحواء من العرق الأبيض، أو أن يكونوا من أصحاب البشرة السُمراء لو كان آدم وحواء سمر وأصحاب بشرة داكنة، أو في المقلب الآخر من العرق الأصفر كما هو حال سكان جنوب شرق لآسيا، وبهذا يجب أن تكون البشرية من عرق واحد تبعاً لآدم وحواء اللذين يفترض، علمياً وجينياً، توريث صفاتهما الجينية للأولاد والأحفاد، فمن أين، وكيف أتى العرق الأصفر، أو الأبيض، والأسود وتنوعت الصفات الجينية للبشر واختلفت عن الأب والأم الواحدة، وهذا سيعني فيما يعني، لو أخذنا وسلمنا به، وجود آباء سابقين لآدم وحواء، ووجود سلالات أخرى على الأرض، فحملوا تلك الجينات الوراثية المتنوعة، وهذا ما ينسف الأسطورة الدينية، ويفجرها من جذورها.
فحسب علم الوراثة، إن خلق البشر من نفس واحدة يقتضي تشابههم، مع بعض، كما يتشابه الأخوة، وأكون أنا والإفريقي، والآسيوي، والأوروبي واللاتيني بذات الملامح والصفات التي حملها المرحومان الوالدان آدم وحواء، طيـّب الله ثراهما الطاهر على أية حال، وحملهم لذات الصفات الوراثية، ولون البشرة، وألا يكون قد حدث أي تغيير وتطور في الصفات الجينية والوراثية، والأهم أن نتحابب ونتوادد ونتعايش كـ"أخوة" من نفس واحدة، وكما يحب بعضهم الأشقاء ويكون لدينا ميل ونزوع عاطفي أخوي تجاه البشرية جمعاء، وليس لا كما هو حاصل اليوم، حيث نتنافر كوحوش وضوار وذئاب...
ولو صدقت الأسطورة الدينية، "النفس الواحدة"، وقمتَ اليوم بإجراء تحليل للـ DNA لثبتً لك أنك تحمل ذات الشيفرة الوراثية والأصل الجيني مع كل سكان المعمورة، ولما كنت أصلاً بحاجة لإجراء هذا الفحص النووي لأنك وسكان الأرض من "نفس واحدة" وهم أخوة لك... ولو كان هناك فعلا ادم وحواء كآباء للبشر حقا فيجب ان تكون جيناتك، عزيزي القارىء، وجينات بوتين وبايدن ومكرون وعمرالبشير والقذافي والقرضاوي ورونالدو واحدة.. وهل لك أن تتخيل أن تكون جينات سيد القمني ونوال السعداوي وهوبكينز ونيتشه وماركس وشكسبير والملكة إليزابيث وسوناك أو الشعراوي وشيخ الازهر واردوغان والملا عمر والظواهري واحدة؟ وهل سيخطر ببالك أن تكون جينات مانديلا ومحمد علي كلاي وغاندي والماغوط وشابلن هي نفس جينات هتلر ومارلين مونرو وحورج بوش وماك ارثر، وكما تقول خرافة الأديان، أنهم "من نفس" من أب وأم واحدة؟
وعلى الصعيد العاطفي، وبعيداً عن الجينات، ما سر هذا التحاقد والتباغض والتكاره بين "الأخوة" البشر، من "النفس الواحدة"، وهل ترون كيف يقوك "الاخوة السلاف"، اليوم، ومن عرق واحد ونفس واحدة بقصف وإبادة بعض؟ وهل رأيتم كيف قام ويقوم "الأخوة" والاشقاء السوريون بذبح بعضهم ليل نهار وعلى الهوية وعلى مدى اكثر من عشر سنوات ونشر غسيلهم الوسخ في الأنترنت؟ أما كيف قام الأمريكيون بقصف أشقائهم اليابانيين، وهم من "نفس واحدة" بالنووي وقتل مئات الآلاف منهم، بثوان معدودة فذلك أكبر دليل على أنا خلقناهم من نفس واحدة...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ارتفاع حوادث معاداة الإسلام والكراهية ضد المسلمين في بريطاني
.. المؤسسات الدينية في إسرائيل تجيز قتل الفلسطينيين
.. 84-Al-Aanaam
.. الجالية اليهودية بنيويورك تدعم مطلب عائلات الرهائن لدى حماس
.. بابا الفاتيكان يدعو إلى وقف إطلاق النار في لبنان وغزة