الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهد القومي للكُرد - القسم الاول

فرست مرعي
كاتب

(Farsat Marie)

2023 / 1 / 6
القضية الكردية


تعتبر المناطق المرتفعة الشمالية والشرقية لبلاد ما بين النهرين ( كردستان الموطن الحقيقي للكرد)، وتقع أرض الكرد هذه في منطقة تتميز بطابعها الجبلي اشتهرت مقاطعاتها في التاريخ القديم بأسماء عديدة: سوبير، سوبارتو، كوتيوم، زاموا، عالياتم، كوهستان، بلاد الجبال. لكنها عرفت باسم كردستان منذ القرن الثاني عشر الميلادي ودونت بهذا الاسم في كتاب (نزهة القلوب) للبلداني الإيراني حمد لله المستوفى القزويني(1281 – 1349م) وكانت تتألف حسب قوله من 16 ولاية ومركزها قلعة بهار شمال همدان المدينة الحالية في كردستان إيران وكانت تتاخم ولايات العراق العربي وخوزستان والعراق الفارسي وأذربيجان ودياربكر( المنطقة الكردية – بلاد كوردويني- التي لم تدخل ضمن ادارة كردستان في العصر السلجوقي). وشاع باسم كردستان في وقت متأخر عندما اخذ الرحالة العثماني أوليا جلبي(1611 - 1682م) في كتابه ( سياحتنامه – الجزء الرابع) بتوسيع مفهوم كردستان بعد تجواله خلال القرن السابع عشر في جميع أنحائها، وقال: إن ولايات أرضروم، ووان، وحكاري، ودياربكر، والجزيرة (= جزيرة بوتان)، والعمادية، والموصل، وشهرزور، وأردلان تؤلف بمجموعها كردستان التي يستغرق قطعها 17 يوماً. ولعل كانت أقوال هذا الرحالة النشط في زمن قد تغير خلاله مفهوم كردستان من مجرد مدلول سياسي اداري الى مفهوم قومي، لذا نرى على هذا الاساس يستعمل الناس هذا الاسم حتى خارج هذه المناطق وبعيداً عن موطن الكرد الاساسي، ويطلق على المناطق التي تسكنها مجموعات كردية في خراسان – شرق إيران أيضاً وبالاخص مناطق قوجان، شيروان، سبزوار، بيرجند، بوجنورد) ومناطق حوالي مدينة مشهد (= طوس القديمة)، وكانت جميع هذه المناطق في إيران وأفغانستان وأواسط آسيا تعرف في عهد السلطان نادر شاه(1736 – 1747م).
ومن جهته فإن الشعوب لم تظهر فجأة على الأرض وهي تمتلك كل مقاومتها مثلما لم يظهر الأنسان وهو يتمتع بالقوة التقنية المعقدة ومسيطراً على موارد وقوانين الطبيعة مباشرة، وانما ظهر هذا الانسان وهو يعيش بمفرده ثم انضم فيها بعد ضمن منظمة قبلية كأول شكل للمجتمع الذي جاء في أعقاب القطيع البدائي تجمعهم صلة القربى من ناحية الأم ويلتفون حول بعضهم بواسطة العمل الجماعي والدفاع المشترك عن المصالح العامة.
لقد رافقت تطورات البشر في البداية تحولات عميقة عن أشكال اجتماع الناس الى أن ظهرت الأقوام ، ونشوء هذه الأقوام لم يكن نتيجة للزيادة البسيطة لعدد نفوس القبائل بل كان لظهور مجتمع جديد بنوعيته وهو ليس تكوين حكومي أو إقتصادي وانما هو اجتماعية بين الناس تكونت تاريخيا واتحدت بواسطة التسمية العامة والارض والثقافة واللغة والتكوين النفسي والعادات والتقاليد المعينة وغيرها.
ففي كردستان، ومع بداية العصور التاريخية، ظهرت أسماء تعبر عن أقوام واتحادات قبلية لعبت دوراً أساسياً وحضارياً في مناطق تواجدها أو خارجها، وصلتنا الاخبار عن طريق المدونات السومرية والاكدية والآشورية والاورارتية.
وتجدر الاشارة الى أن من الحقائق الخاصة في تاريخ منطقة كردستان القديمة، هو أن أقدم الاقوام التي ذكرتها النصوص المسمارية على أنهم مستوطني المنطقة المذكورة يرجعون في الاصل الى المنطقة الواقعة غرب وجنوب غرب بحيرة وان )، وهذه الحقيقة تكون قد حددت لنا بشكل لالبس فيه الموطن الاصلي للأقوام التي سكنت منطقة كردستان ومنهم الكرد . وهذا الموطن كما تشير المعلومات كان يحتوي على منطقتين رئيسيتين، منطقة (( سو)) والثانية هي منطقة (( كردا )) ، وقد تأكدت لنا صحة هذه المعلومات من خلال الكتابات المسمارية التي خلفها لنا الملك " شوسين " (٢٠٣٦ - ٢٠٢٨ ق . م) رابع ملوك سلالة اور الثالثة (۲۱۱۱ - ۲۰۰۳ ق . م)، حيث ورد ضمنها النص المسماري التالي:
"إيرننا حاكم سكان منطقة سو وأراضي منطقة كردا".
والـ KA الاخيرة هي اداة الاضافة السومرية، لان كلمة مادا MA - DA التي تعني (( بلاد- اراضي )) مضافة الى مدينة كردا . والباحث المسماري الفرنسي " تورو – دانجن THUREAU " الذي أورد هذا النص المسماري لاول مرة ونشره في REVUED - قد وقع في خطأ بسيط، حيث اعتبر أداة الاضافة (KA) من صلب اسم مدينة DA/KAR، ولذلك قرأ اسم المدينة على هيئة KAR.DAKA.
وهذا الخطأ الذي وقع فيه " تورو دانجن" قد اقتبسه من دون تغيير المستشرق الروسي " فلاديمير مينورسكي"(1877 – 1966م) وغيره، ومن الادلة الاخرى على أن أن رسم المنطقة الصحيح هو KAR.DA، وهي القراءة التي تقدم بها الباحث المسماري "ايدزرد EDZARD " حيث قرأ نفس الاسم في نص آخر على هيئة GAR.TA) ) علما ان العلامة المسمارية الخاصة بالمقطع GAR تقرأ كذلك KAR والعلامة الخاصة بالمقطع TA تقرأ كذلك DA فالاسم GAR.TA إذن يمكننا ان نقرأه KAR.DA من دون ان نكون قد حرفنا في حقيقة هذا الاسم، وعلاوة على ذلك فان موقع منطقة GAR.TA هو نفس موقع منطقة KAR.DA .
مما تقدم يبدو الآن واضحاً ان أصل الاقوام التي سكنت منطقة كردستان عبر التاريخ القديم يتمثل في المنطقتين (سو ) و(كردا)، مثلما أن شبه الجزيرة العربية تعتبر الموطن الاصل للأقوام الاكدية والبابلية والاشورية والامورية والكنعانية والعربية وغيرهم من اقوام الجزيرة العربية، وفيما يلي نستعرض الأقوام التي سكنت منطقة كردستان وفقاً لتسلسلها الزمني ومهتدين في ذلك على الاشارات التي وردت في النصوص المسمارية .
1- السوئيين- الآسويين
من خلال الاشارات التاريخية المتوفرة يبدو أن السوئيين، أي سكان منطقة (سو) التي مر ذكرها يمثلون أقدم السكان في منطقة كردستان، والدليل الذي يؤكد هذه الحقيقة هو اسم المنطقة (سوبار SUBAR)، الذي ورد لأول مرة في كتابات الملك " إيناتم " حوالي 2470 – 2430ق.م وهو ثالث ملوك سلالة لكش الاولى حوالي 2520 – 2355ق.م، حيث أن هذا الاسم مركب بالتأكيد من ( سو – SU) أي اسم القوم الساكن في منطقة (سو) الواقعة جنوب غرب بحيرة وان، ومن الكلمة ( بار – BAR) التي تعني في اللغة السومرية (خارج)، ومنها الكلمة العربية العامية (بره) والتي تعني (الخارج) أيضاً؛ وبذلك يكون معنى الاسم "سوبار" "السوئيون الذين يعيشون خارج (الحدود)".
2- السوباريين
والتسمية "سوبار" قد ظهرت في النصوص المسمارية أيضاً على شكل (سوبارتو)، لأن (تو) كانت تضاف من قبل السومريين كنهاية الى كلمات الجهات الجغرافية مثل: أورارتو، مارتو وسوبارتو.
وفيما يخص حدود منطقة سوبارتو، فلا يمكننا أن نضع لها حدود بشكل أكيد
ولكنها في كل الاحوال كانت محصورة بين جبال زاكروس من جهة الشرق ونهر الخابور من جهة الغرب (أحد روافد نهر الفرات في شمال سوريا)، ولذلك كانت التسمية سوبارتو تطلق على المنطقة الاشورية، وخير شاهد على ذلك ما ذكره الثائر على السيادة الاشورية في بابل، "مردوك بلادان" (۷۲۱ - ۷۱۰ق . م) ، حيث وصف خصمه الملك الاشوري سرجون الثاني(722 – 705ق.م) بأنه ملك بلاد سوبارتو.
هذا وان النصوص المسمارية قد اكدت على أن منطقة سوبارتو قد تعرضت خلال الالف الثالث قبل الميلاد الى احتلالين، الأول كان زمن الملك إيناتم حاكم لكش، والثاني زمن الملك سرجون الاكدي (٢٣٤٠ - ٢٢٨٤ق . م ). وفيما يخص هجماتهم على العراق، فيبدو أنهم قد اتحدوا في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد مع العيلاميين من اجل اسقاط مدينة اور، وقد تأكدت لنا هذه الحقيقة من خلال الرثاء المعروف باسم (( رثاء مدينة اور ))، حيث ذكر كاتبه الاشارة التالية:
"السوئيون والعيلاميون، الاعداء ( الى مدينة أور) قد وصلوا"
ان هذه الاشارة الخاصة باحتلال السوئيين والعيلاميين لمدينة أور في أواخر الالف الثالث قبل الميلاد، أي في أواخر حكم سلالة أور الثالثة، تؤكد على أنهم ما كانوا مكتفين بمنطقة سوبارتو التي شغلوها بل كانوا يتطلعون الى احتلال المناطق التي شغلتها الدويلات السومرية والاكدية، ولكن قوة الدويلات المذكورة هي التي منعتهم من تحقيق ما كانوا يتطلعون إليه، فعندما توفرت الفرصة لهم للهجوم على مدينة أور لم يترددوا في ذلك اطلاقاً، وعدم اكتفاء السوئيين بالمناطق التي شغلوها يعود الى انها كانت مناطق ذات موارد غذائية محدودة لا تساعد على الاطلاق على بناء دولة تنافس الدول السومرية والاكدية والبابلية وفي ختام حديثنا عن السوئيين يجدر بنا ان نشير الى ان منطقة سوبارتو قد وردت في النصوص المسمارية المختلفة بالصيغ التالية : سوبارتو ، سوبار ، سوبير، وشوبور، ولذلك ليس هناك اي فرق بين تسميتي سو، وسوبار ، حيث تدل كلتاهما على القوم الذي سكن منطقة سوبارتو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق مع الزمن لتفادي المجاعة في قطاع غزة • فرانس 24


.. اعتقال عنيف لمؤيدين لفلسطين في جامعة -السوربون- الفرنسية #سو




.. اعتقال عشرات الطلاب المؤيدين لفلسطين في جامعة -نورث كارولاين


.. في غياب آخر الشهود.. من سيحكي للطلاب قصص الحرب العالمية الثا




.. الإعلام الإسرائيلي يناقش المخاوف من إمكانية إصدار مذكرات اعت