الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية والتعليم / الجزء الثاني

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2023 / 1 / 7
التربية والتعليم والبحث العلمي


الطلاب يتعلمون فيما بينهم عادات مختلفة، فكل طالب جاء الى المدرسة بخلفية عائلته التقليدية الخاصة بها، فيهم المنضبط والمشاكس والمطيع والعاصي والمتردد، هناك عوائل تتابع أبنائها وتجهد نفسها في سبيل اجتهاد أبنائها، وهناك عوائل مهملة، فالشعور بالمسؤولية متباينة بين تلك العوائل، معتمدا على عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية شتى. يشعر الطالب في المدرسة بالإذعان خجلا في الظاهر، ومتمردا داخليا. وتلعب الاضطرابات الحياتية لدى الشاب دورا في ذلك، حيث يشعر الشاب بحاجته الى طريقته الخاصة، بينما لا يمكن ان يكون له تلك الطريقة، إما أن يتعلم بأسلوب الانقياد التحفيظي والتكيف مع الفهم، أو يشعر بالانكسار بسبب البيئة الجديدة التي دخلها. من المهم جدا أن نفهم هذا.
التعلم الذي يجعل التلميذ متحيزا في آرائه واستنتاجاته، لا علاقة له بجوهر التعليم، يمكن اطلاق كلمة التأديب او الامتثال على ذلك، ولكن جوهر التعلم هو ان تتعلم عن ردود أفعالك وخلفيتك وكيف تقيدك، وأن تجاوز جوهر التعلم هو الحركة المستمرة دون الثبوت في نقطة معينة. فلكل حرفة لها انضباطها الخاص، مهارتها الخاصة، اما التعلم فهو لا نهائي. العقل الذي يتعلم باستمرار هو أبعد من كل معرفة. لذلك نتعلم ونتواصل. التواصل ليس فقط تبادل الكلمات والعبارات، مهما كانت تلك الكلمات والعبارات واضحة. إنه أعمق من ذلك بكثير. التواصل هو التعلم من بعضنا البعض، وفهم بعضنا البعض. وينتهي هذا عندما تتخذ موقفا محددا بشأن بعض الأفعال التافهة أو غير المدروسة بالكامل نتيجة التواصل.
في اعمار الشباب يمتثل الكثير منهم للمألوف، ولا يجدون الرغبة في الخروج عنها، وهذا يخلق انضباطا وقواعد للعلاقة بين المعلم والطالب. على ان العلاقة بين الطالب والمعلم ليست علاقة تعاقدية او مبنية على شروط الإذعان، او التأكيد والقبول، وحيث تُدرك علاقة التعلم هذه، تصبح القواعد غير ضرورية. وعندما لا تكون واضحة، يجب وضع القواعد. قد تثور ضد القواعد، وضد إخبارك بما يجب عليك فعله أو عدم فعله، ولكن عندما تفهم طبيعة التعلم بسرعة، ستختفي القواعد تماما.
يرى علماء النفس بان "العقل الذي يتعلم هو عقل حر، والحرية تتطلب مسؤولية التعلم". التعلم لا يولد من الفضول او المتعة. قد يكون لديك فضول حول الجنس. هذا الفضول قائم على المتعة، على نوع من الإثارة، على مواقف الآخرين. الأمر نفسه ينطبق على الشرب والمخدرات والتدخين. على ان التعلم أعمق بكثير من ذلك وأكثر شمولا. على سبيل المثال، تتعلم عن الكون ليس بدافع المتعة أو الفضول، ولكن من علاقتك بالعالم. التعلم التحفيظي كما أسلفنا ذلك يحقق مطالب المجتمع او تلك التي تفرضها الاباء بالتوافق مع ضروراتهم الخاصة (في أن يصبحوا أطباء او مهندسين أو علماء أو ضباط أو متخصصين من نوع ما). وهناك التعلم القائم على المتعة والسعادة، تلك التي تاتي من الرغبة، كأن ترى بذلة جميلة في احدى المحال، ويبدأ الفكر برسم صورة وهمية في العقل عن كيفية ضهورك بارتداء تلك البذلة، وتحاول فيما بعد توفير المبلغ اللازم لشرائها، وكلما اقتربت من اكمال المبلغ كلما زاد شغفك وسعادتك الى ان تقتني البذلة، لتمضي بها سعيدا لفترة معينة، ثم يحل رغبة أخرى، وتوالي الرغبات تزيد مساحة السعادة الشخصية في الحياة، وكذلك الفضول القائم على المتعة، او التعلم الارتزاقي لنيل الوظائف وما تدره من أموال.. ولكن للتعلم بعد اجتماعي هام خارج تلك الفئات، يتعلق بصياغة الوعي العام الاجتماعي.
لقد قسمنا التعلم إلى فئات منفصلة حسب متطلبات المجتمع أو الميول الشخصية. نحن لا نتحدث عن التعلم عن شيء ما، ولكن عن نوعية العقل الذي يرغب في التعلم. يمكنك أن تتعلم كيف تصبح نجارا جيدا أو بستانيا أو مهندسا. عندما تكتسب مهارة في هذه، تكون قد ضيقت عقلك إلى أداة يمكن أن تعمل ربما بمهارة في نمط معين. هذا ما يسمى التعلم. هذا يؤمن المستقبل ماديا، وربما هذا هو كل ما يريده المرء، تخريج الطلاب الذين يمكنهم اجتياز الامتحانات، وهو ما تريده الحكومة وأولياء الأمور على حد السواء... لذلك نخلق مجتمعا يوفر ما طلبناه منه. ولكن إذا استهدفنا جودة التعليم والتي لا تتعلق بشيء ما، فعندئذ نخرج عقولا، وبالطبع قلوبا حية خالدة، فالتعليم يعني الاهتمام، وليس الانصياع القسري بداعي الانضباط لان الأخيرة هو القهر بعينه. والعقل المقهور المهمل تجبر نفسها على القبول عندما تكون ضحلة، غير مبالية. اما العقل الدؤوب يراقب بنشاط، يراقب، لا يغرق أبدا في القيم والمعتقدات المستعملة، تلك التي تصيغ الوعي العام الذي يستمد منه النشئ والجيل القادم اخلاقه، فعلى سبيل المثال المعتقدات الاجتماعية المتوارثة كغسل العار او الثأر وغيرها انما تناقلت بالتعلم التلقيني عبر الأجيال من بودقة الوعي العام الاجتماعي، وتستمر اثارها السلبية إن لم تتحرر العقول من هذه النمطية من التعليم. وهكذا عقل يتعلم هو العقل الحر، والحرية مجانية تتطلب مسؤولية التعلم. وعندما يخفق صاحبها في مواقفه واستنتاجاته، وعندما يتم إحباط ذلك فإنه يصرخ من أجل تحقيق الذات... الجودة اللطيفة للتعلم يفترض ان تتوفر في مدارسنا لتحرير القلوب والعقول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ