الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطقوسية التعبيرية ح 3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 1 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الخلاصة التي يمكن مقاربتها كبحث نظري معتمدا على الدراسات المتراكمة البحثية والتنقيبيية واللغوية والتأريخية، أن العلاقة الإشكالية التي يعاني منها الدين من خلال وجود الطقوس برمزيتها والمعبد بكونه المكان الحيوي لممارسة التدين والطقوس هي ما يعرف بالأحتواء المكاني للدين، بمعنى أن الدين عندما يكون أفكارا متنقلة بين العقول وبلا حدود مكانية تستوجب التوقف كمحطات وجوبية، يكون أكثر فاعلية في التغيير وأشد في تحريك العوامل والبواعث الإيمانية، عندما يصبح الدين حقيقة ويتحول إلى الوجدان الثابت ويستقر في الأرض سيحتويه المكان ويصبح مقيدا بشروط التحرك بين العقول، لكن من جهة أخرى يكون قادرا على التأثير لقوة على الواقع من خلال تواجده البيني بين الإنسان محيطه، فيبدأ بممارسة الطقوس التي قلنا أنها المظهر الحسي الإعلاني عن دواخل الإيمان لدى الأفراد.
هذا التحول النوعي بقدر ما هو مفيد للدين وللإنسان من جوانب عدة لكنه أيضا له جانب سلبي متمثلا بالأحتواء الموضعي والموضوعي، عندما يأوى الدين إلى المعبد يحتاج إلى أداة بشرية لإدارة هذا المكان وربما حتى ممارسة الطقوس كتعليم عام، الإشكالية هنا أن المعبد هذا وحسب التقليد النفسي للإنسان يتحول من مظهر إلهي من المفترض أن يبقى كذلك إلى منظر متشخصن بمن يديره وبعامله كملكية خاصة، من هنا ظهر مفهوم الكهنة ورجال الدين الذين يتعاملون مع المعبد ومن بعده الدين إلى ملكية شخصية لا يمكن المساس بهذا المفهوم، وتتداخل العناوين التعبدية والطقسية والإيمانية لتكون علامة تجارية لرجل المعبد أو كاهنة الذي يتفرد البعض فيه فيكون الكاهن الأعظم أوو الأكبر وبالمنزلة التالية بعد الله المعبود، هذا الحال ليس تأمليا أبدا ولا هو أفتراء تاريخي بقدر ما هو تحصيل لوقائع ثابتة ومتكررة من ممارسات الإنسان مع كل الأديان، ومن الطبيعي أن هذه المنزلة تترسخ كلما أبتعدنا زمنيا عن مرحلة التأسيس حتى تتحول الكهنوتية إلى قداسة مفترضة وطبيعية وتفرض شروطها على المجتمع والفرد.
إذا الإشكالية الكبرى التي تصيب الأديان بشكل عام ولا مستثنى منه هو أحتواء بعض الأفراد لرمزية الدين أحتواء موضوعيا بتغيير المعادلة الإيمانية التي كانت الله "العبادة الإنسان تساوي الدين" لتكون "الله الكاهن والمعبد الطقس تساوي إيمان متحكم به"، هنا يفقد الدين عذريته ويتحول إلى أداة فاسدة بيد إنسان لا يؤمن بالله في الجوهر والموضوعية ولا يقبل حتى أن نضع الحدود ما بين ما لله فهو لله وما بين لقيصر فهو لقيصر، لأنه يرى أن مالك شخصي للمعبد والمتحكم بالطقوس بأعتبار وإخبار أن الله أختاره لهذه المهمة التي أمتهنها بقدر فوقي، فهو إذا بوابة الآلهة أو الرب أو الله بلا منازع، والخصام والأختلاف معه هو خصومه مع الله وأختلاف معه مما يجعله قادرا عن أنتزاع الصفة الإيمانية من المخالف ومنح حق محاربته وقتله، البعض يرى أن الدين لذاته هو من سمح بذلك والحقيقة أن الدين نص على أن المعبد لله وحده (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) 1 .
إذن الدين كفكر ليس مسئولا عن إشراكية الإنسان في أمر الله قاصدا أو ساهيا مؤمنا بما أشرك به أو جاهلا عنه وملام عليه حسب ما يبرره المشركون، فالشرك أثم وطغيان وجريمة بحق الإنسان نفسه قبل أن يكون بحق الدين وحق الله لأنه بداية الظلم الأعظم ودار الظالم خراب، فقد جاء في النص الديني بهذا الموضوع الإشراكي وليس الشركي بلحاظ المعنى والدلالة القصدية ما ورد من وصية لقمان لأبنه وهو يعظه (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، بالخلاصة يشرك الإنسان ويظلم لمجرد أن جعل من نفسه جزء من أمر الله وإرادته ويمارس الظلم حين يفعل ذلك، الطغيان في الشركية والإشراكية يكون أشدا عند طبقة الكهنوتية ورجال الدين الذين يفعلون بشكل حاد نظرية الأحتواء، هنا يصبح لزاما ووجوبا أن يعيد الدين نهضته من خارج المعبد القديم وضده، وهذا ما نجده في قصص الأنبياء والنصوص الدينية المؤكدة لهذه الحالة (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ)، وقوله ( وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ)، المعنى إذا هو أن هؤلاء الإشراكيين والمشركين كانوا يعبدون رب المعبد وليسوا ملحدين أو وثنيين بما أنحرف به المعبد من دين أسلافهم التي عبر عنها النص بآبائهم، فيقولون "وإنا على آثار آبائنا فيما كانوا عليه من دينهم مهتدون" يعني أنهم متبعون على منهاجهم القديم.
هذه الإشكالية رافقت كل الأديان وفي كل مراحله وحتى تعدت الأفكار إلى الشخوص وبجل بعض الأنبياء وعبدوا من أقوامهم (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)، وهناك فشة جعلت ثقلها الإيماني بأشخاص مؤمنين حولوهم إلى رموز مساوية في القداسة والتعظيم مع الله أو قريبا منه، حتى أن البعض عبد قبور هؤلاء وظن أن سر الإيمان الحقيقي أن يتخذوا من هذه القبور ملاذات تعبر عن إيمانهم بالله تحويلا وترميزا، هذا الميزة الرابطة بين التعبد والطقوس والقداسة الركن الثالث والأساسي الذي يميز الفكر الديني ومحتواه عن كل الأفكار المعرفية والأيديولوجية في التاريخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.قال الأعمش : قالت الجن : يا رسول الله ، ائذن لنا نشهد معك الصلوات في مسجدك ، فأنزل الله : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) يقول : صلوا ، لا تخالطوا الناس .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن محمود ، عن سعيد بن جبير : ( وأن المساجد لله ) قال : قالت الجن لنبي الله صلى الله عليه وسلم : كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناءون [ عنك ] ؟ ، وكيف نشهد الصلاة ونحن ناءون عنك ؟ فنزلت : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة.. اتفاق التهدئة | #غرفة_الأخبار


.. حزب المحافظين في بريطانيا... هزيمة تاريخية تلوح في الأفق| #غ




.. عام 2024 يشهد أكبر مصادرة للأراضي في الضفة منذ اتفاق أوسلو


.. مستوطنون يهاجمون بلدة بقضاء جنين ويشعلون النيران بمركبة




.. محللون إسرائيليون: هزيمة حماس في غزة ليست وشيكة