الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نوال مصطفى… وسامُ الإنسانية من البحرين

فاطمة ناعوت

2023 / 1 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سعادةٌ مزدوجة تغمرُ المرءَ حين يفوز صديقٌ بجائزة دولية. سعادةٌ "ذاتية" كونَ الفائزِ صديقًا، والصديقُ صُنوُ الذات، وسعادةٌ "موضوعية" كونَ الفائزِ يرفعُ اسمَ الوطن العزيز، في الخارج. أما سعادتي بفوز صديقتي الأديبة والصحفية "نوال مصطفى" بجائزة رفيعة من "مملكة البحرين"، فكانت على مستويات أربعة. سعيدةٌ لصديقة عقلي وقلبي، وسعيدةٌ لأن اسمَ مصرَ ذا الجرْسِ العريق قد أُعلِن على منصّات دولة عربية مثقفة مثل "البحرين"، تُعلي من شأن الثقافة وتٌجلُّ المرأةَ وتحترم الإنسانَ وحقوقه، وسعيدةٌ لأنني شاهدةُ عيان على الجهود الشاقة التي تبذلُها صديقتي منذ عقود من أجل الإنسانية بشكل عام، والمرأة المستضعفة والطفل المأزوم على نحو خاص. وأما المستوى الرابع فهو فلسفةُ الجائزة التي تُشجِّعُ الجهودَ المبذولة من أجل المرأة والاعتراف بحقوقها. "جائزةُ الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة العالمية لتمكين المرأة"، بالتعاون المشترك بين "مملكة البحرين" و"الأمم المتحدة". فازت صديقتي بتلك الجائزة الإنسانية الرفيعة الشهر الماضي في الدورة الثانية للجائزة مع ثلاث أخريات من دول مختلفة. هدفُ الجائزة تشجيعُ النساء اللواتي يقمن بدور فعال لخدمة قضايا المرأة فى بلادهن، والتغلب على الفقر بحلول مبتكرة. ومَن تُراه قدّمَ للمرأة وطفلها مثلما قدّمت "نوال مصطفى" خلال عقود ثلاثة؟! وكأن الجائزةَ قد فُصِّلتْ على نهج صديقتي!
انطلقتِ الجائزةُ منتصف ٢٠٢١، في دورتها الأولى. وترأّست لجنةَ التحكيم الأردنيةُ د. "سيما سامي بحوث" وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، وتضمُّ وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة الشيخة "هيا راشد آل خليفة"، وأخريات وآخرين من أرفع القامات العربية والأجنبية.
من العسير سردُ منجزات صديقتي في مجال دعم المرأة والطفل، ولكن "القليلَ" قد ينبئُ عن "الكثير". يُسجِّل التاريخُ أن "نوال مصطفى" قد منحت الحريةَ لـ"أميمة" أول "غارمة" يُطلقُ سراحُها من السجون المصرية عام ٢٠٠٧، بعدما سدّدت مبلغ الاستدانة من جيبها الخاص. ثم توالتِ أياديها البيضاءُ بفك كرب قرابة خمسة آلاف "سجينة فقر"، وسداد ديون ثماني آلاف غارمة، وتدشين ورشتين لتعليم الحرف اليدوية والخياطة داخل سجنيْ القناطر ودمنهور، وحاضنة أعمال لاستقبال السجينات بعد انقضاء فترة العقوبة حتى يجدن مصدرًا كريمًا للدخل.
تتلمذت صديقتي على يد رموز شاهقة في عالم الصحافة مثل: "جلال الدين الحمامصي" و"مصطفى أمين"، فقررت أن تنحو النحوَ "الإنساني" ليس فقط في عملها الصحفي، بل كذلك في مشروعها الأدبي المحترم عبر رواياتها الجميلة.
كانت البدايةُ حين دخلت الصحفيةُ الشابة السجنَ لأول مرة، فورَ تخرجها من كلية الإعلام، لتُجري تحقيقًا لجريدة "الأخبار" مع عدد من السجينات. عند خروجها استوقفها مرأى أطفال دون الثانية من أعمارهم يلعبون في ساحة السجن! انزعجت، سألت، عرفت أنهم أطفالُ السجينات! انفطر قلبُها على أطفال قُدِّر لهم العيشُ وراء القضبان، بينما لا تليق بهم إلا الحريةُ والبراح. قالت: “العصافيرُ لا يملكُها أحدٌ"، فهم أطفالُ الحياة، وليس من ذنب ارتكبوه حتى تُسجن طفولتهم مع أمهاتهم، خصوصُا حين تكون الأمهاتُ في السجن فقط لأنهن فقيرات لم يستطعن سداد بعض الديون البسيطة في شراء غسالة أو ثلاجة أو شوار بناتهن. ولأنها ابنةُ مدرسة "الصحافة الإنسانية"، قررتْ أن تكون أُمًّا روحية لأولئك الأطفال، ريثما تخرج أمهاتُهم للنور بعد انقضاء العقوبة. فمكوثُ الأطفال في العتمة، يُطفئ شمعةَ البراءة في أرواحهم، فيخرجون للحياة بقلوب مصدوعة، من السهل أن تخضع لإغواء الجريمة. أنشأت من فورها "جمعية رعاية أطفال السجينات". وساندها المثقف النبيل "سعيد سنبل"، رئيس مجلس إدارة دار "أخبار اليوم"، وجعل مكتبها بالجريدة مقرًّا للجمعية النبيلة التي اعتمد نشاطُها على محورين: رعاية أطفال السجينات، ودراسة ملف كل سجينة لديها طفل، للوقوف على مدى تأهيلها النفسي والقانوني لرعاية طفلها بعد خروجها. وخلال رحلتها اكتشفت أن كثيرات كنّ ضحايا الجهل وبطش "ذكر"، قد يكون: الأب، الزوج، الشقيق، الذي ارتكب جريمةً ما، ثم أقنع امرأةً من ذويه بأن "النساء لا تسجَن”؛ فاعترفن على أنفسهن بارتكاب جرائم لم يرتكبنها، فكُنّ كبشَ فداء لمجرم! صديقتي هي التي صكّت مصطلح: “سجينات الفقر"، الذي تطوّر إلى: "الغارمات". والشكر للرئيس السيسي أن تعهد منذ توليه الحكم بتبني هذا الملف الموجع. وأتمنى من "الجمهورية الجديدة" أن تجعل تاريخ تأسيس الجمعية (١٥ يونيو ١٩٩٠) عيدًا قوميًّا يحمل اسم: "عيد البراءة".
مبروك صديقتي الجميلة "نوال مصطفى"، فخورةٌ بك. واسمحي لي بإهدائك هذه الكلمات: “الأمهاتُ الحزينات/ مشغولاتٌ بجمع الزهورِ/ التي بالكاد تنمو على حواف قضبان السجن/ لكي يجدلن إكليلاً أبيضَ/ لهامةِ السيدةِ الجميلة/ التي صنعتْ من قلبِها عُشًّا/ يحمي أحلامَ العصافيرْ.”

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -الجمهورية الإسلامية في #إيران فرضت نفسها في الميدان وانتصرت


.. 232-Al-Baqarah




.. 233-Al-Baqarah


.. 235-Al-Baqarah




.. 236-Al-Baqarah