الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(2-2)الفن في المجتمعات البشرية الأولى ... البدايات

علي وتوت

2006 / 10 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إن أقدم آثار الإنسان إنما هي من أعمال الفن(1)، لذا فان أقدم تاريخ للوعي الإنساني هو تاريخ الفكر الفني (المجازي) الذي ينطوي على ما للصورة من آثار كثيرة طمستها مع الزمن تراكمات بالغة التعقيد(2)، وهكذا ارتبط الفن في العصر الحجري القديم بعد تطوره الأول بالسحر. ولكن الكيفية التي تم بها هذا الارتباط لازالت غير محددة من قبل الباحثين، فالبعض منهم كان يرى إن هذه الرسومات كانت "المصيدة" ومعها الحيوان الذي تم اقتناصه بالفعل- إذ إن الصورة كانت هي الرسم والشيء المرسوم في آنٍ واحد(3). بينما اعترض الباحثين الآخرين مؤكدين أن الإنسان البدائي كان يؤمن بأنه في حالة تجسيده للحيوان، إنما يكتسب بهذه الطريقة السيطرة عليه، فهو يعتقد بأنه استحوذ على الشيء ذات في الصورة، ويظن بأنه سيطر على الموضوع. فالتمثيل التصويري لم يكن بالنسبة إلى ذهنه إلا إسـتباقاً للنتيجة المطلوبة ( 4). فالفن البدائي كان أداة سحرية(5) وقراءة صادقة لوعي الأفراد في المجتمعات البدائية الأولى، فقد مثل بتفاعله الخصب واقع تلك المجتمعات(6).
ولما تطور وعي الإنسان البدائي بفعل تطور أدواته صار الرسم يعبر عن طقوس دينية. ولكن الارتباط بين الفن والدين لم ينقص شيئا من وظيفة الفن في المجتمع(7). إذ إن الأنثروبولوجيين يقررون أن الفن لم يخرج في تلك المرحلة عن كونه مجرد آلة تعمل في خدمة التنظيم الديني. رغم أن العلاقة بين الفن والدين هي واحدة من أكثر المسائل تعقيداً وصعوبة، إلا أن من المرجح ـ من وجهة نظر العديد من الباحثين ـ أن الفن قد خرج في ذلك الآن في المجتمع الذي تمايز (إلى فئات وطبقات) من رداء السحر(8). ولكن خروجه هذا من كنف السحر قد ربطه بالدين رباطاًًً لا ينفصم، منذ عصور ما قبل التاريخ(9).
فقد انتقل النشاط الفني في العصر الحجري الجديد Neolithic period (والذي يمتد من نحو 20000 إلى 10000 قبل الميلاد) بعد أن حدث التفريق بين فن ديني وفن دنيوي، إلى فئتين متباينتين، إذ أصبح الرجال وحدهم (ممثلين بالعرّافين والكهنة أكثر من غيرهم) يؤدون مهام الفن الديني الذي يتعلق ببناء القبور ونحت التماثيل فضلاً عن أداء الرقصات الدينية ، فيما عهد إلى النسـاء بالفن الدنيوي ـ الذي أصبح مقتصراً على الخزف والفخار ـ والذي كان يؤدي وظائف زخرفية جمالية ، كجزء من الأعمال المنزلية(10).
نخلص مما تقدم، إلى أن العلاقة بين الفن والمجتمع وثيقة. فالفن لم يكن نتاجاً هامشياً للإنسان في المجتمع البدائي، بل كان مبدءاً وبنية من البنى التي قام عليها المجتمع في أول نشوئه. وهكذا كانت المضامين التي حفل بها الفن في تلك العصور لا تحيد عن كونها شروطاً هامة لاستمرار المجتمع وبقائه. فعلى الرغم من الغموض الذي كان يسبغ على أشكال الفن البدائي، إلا أن محتواه كان واضحاً. فالطقوس التي يؤديها الساحر أو صانع المطر أو الكاهن كانت غامضة إلا أن أهدافها كانت واضحة من دون شك.

الهوامش
(1) أرنست فيشر: ضرورة الفن، ترجمة: اسعد حليم، القاهرة، الهيئة المصرية للتأليف والنشر، 1971، ص72
(2) غيورغي غاتشيف: الوعي والفن، دراسة في تاريخ الصورة الفنية، ترجمة: نوفل نيوف، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، 1990، ص64
(3) أرنولد هاوزر: المصدر السابق، ص18
(4) هربرت ريد: المصدر السابق، ص (22-24)
(5) أرنست فيشر: الاشتراكية والفن، ترجمة: اسعد حليم، بيروت، دار القلم، ب.ت.، ص58
(6) سعدي فيضي عبد الرزاق: المدخل إلى علم الإنسان، بغداد، وزارة التعليم العالي، جامعة بغداد، بيت الحكمة، 1989، ص135
(7) أرنست فيشر: الاشتراكية والفن، مصدر سابق ص15
(8) أحمد كمال زكي: الأساطير، دراسة حضارية مقارنة، بيروت- دار العودة- 1979، ط 1، ص66
(9) هربرت ريد: معنى الفن، ترجمة: سامي خشبة، بغداد، دار الشؤون الثقافية، 1986، ط2، ص92
(10) أرنولد هاوزر: المصدر السابق، ص 74








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم