الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية والتعليم / الجزء الثالث والاخير

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2023 / 1 / 8
التربية والتعليم والبحث العلمي


عندما كنت احاضر في المعهد التقني، كان لدي العديد من الطلاب، غالبيتهم اجتازوا الامتحانات وتخرجوا، كان هناك بعض الطلاب الاستثنائيين أكملوا كليات الهندسة وتخرجوا مهندسين، لكن الغالبية العظمى كانوا غير مبالين، مملين، كسالى، ومؤذين إلى حد ما. كان منهم من صنع شيئا من نفسه في المجال الذي دخله، لكن قلة قليلة فقط كانت لديهم الشعلة الإبداعية. بين الحين والآخر سيكون هناك شخص ربما يتمتع بجودة العبقرية، ولكن تراه سرعان ما يختنق في بيئته. ان النظام التعليمي الحديث فاشل، أنتج مجتمعا متناشزا، وبؤسا مروعا، وعنفا راح ضحيتها الالاف، لأنها اعتمدت على زرع الذاكرة التي تنتج حزنا وتفككا وآلة مطواعة متكيفة ومنقادة لخدمة المجتمع، ذلك المجتمع الراكد بقيمه التي عاصرت زمنا لم يعد موجودا، المجتمع الذي يريد ان يستغل الطالب لأغراضه الخاصة ولا يهتم بالتربية المتكاملة للإنسان، ليسميه في النهاية مواطن محترم، وهذا لا يتطلب سوى تكامل سطحي للغاية. ولكن إذا كان المجتمع موجودا للفرد، فيجب أن يساعد في تحريره من تأثير التكييف الانقيادي الخاص به. ان لا يصنع منه قالبا نمطيا جاهزا، تلك الأسطوانة المشروخة التي تدور في مجرى حيز واحد فتصدر صوتا نشازا، بحاجة الى الانتشال من ذلك الحيز، لتسمع وتستمتع بالألحان، كذلك التقليد والتكيف المتوارث جيلا بعد جيل، لان تقليد نمط ما مؤشر على الركود والجمود؟ فهل هذا هو التربية المتكاملة التي تصبوا اليها المجتمع؟ أي ان نكرر ما علمتنا إياه الأديان المزعومة أو ما قاله آخر زعيم سياسي أو اقتصادي أو ديني. نحن نلتزم بالأيديولوجيات ونحضر التجمعات الجماهيرية السياسية، هناك متعة جماعية بالرياضة، والعبادة الجماعية، والتنويم المغناطيسي الجماعي أي التنويم الاجتماعي، ان القوالب الجاهزة ليست تكاملا تربويا. وإذا شذ أحدهم عن ذلك القالب يسمونه شاذاً غير منضبطا! انها عملية عزلة، سواء كانت عزلة مع مجموعة معينة أو عزلة المقاومة الفردية. اننا نتقولب أي نأخذ ذلك القالب التربوي الاجتماعي من أجل الأمن الجسدي، ومن أجل الراحة النفسية والسلامة. بوعي أو بغير وعي، فإن الخوف من عدم الأمان يجعل التوافق ظاهريا وداخليا.
الخوف هو أساس كل التزام، الخوف من عدم النجاح، من العقاب، من عدم الربح، وما شابه. الانضباط هو التقليد والقمع والمقاومة، بوعي او بدونه، فهو نتيجة الخوف. السؤال هنا، أليس الخوف من عوامل التفكك؟ يقسم البشر ويفرقهم، انا وانت وهو، وطني ووطنك، ومعتقدي ومعتقدك او ديني ودينك، كل تلك الاختلافات ستؤدي الى الانقسام وبالتالي الى الصراعات، ويجعلني او يجعله مختلفان بالاسم واللون والعرق والتراثية وبوظائف ومراكز مختلفة وهكذا فإنها تتعدد الى أصناف من الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية. هناك نص سيخي هندوسي يقول" ان العقل ذابح الواقع"، وهي تعني ان حالتنا العقلية والذاتية الداخلية تعزلنا عن الواقع وقد تفصلنا عنه، ويفترض ان ندرك بانه أينما ظهرت الانقسامات تبدأ الصراعات، كصراع الأديان والقوميات والتي جلبت الحروب وخلقت العنف والكراهية بين الناس عبر التاريخ. النفس يعتبر ذاته مثاليا نبيلا، ويحارب من اجل النبل، ذلك النبل "الاناني". فحين تقصد مكان للعبادة لتنقية الروح وتعميق الايمان بالقدرة الخارقية لدينك ومعتقدك، فإنها تتعمق في داخلك، تتجذر في اللاوعي، لتصبح صورة فكرية تتعلق بها كما يتعلق المحب بحبيبته، أي تصبح من مرافقاتك الشخصية التي تتمركز في النفس، وكلما مضى بك العمر يكون هذا المركز بؤرة المشاكل والافراح والخوف والاحزان، وفي النهاية تتساءل هل بإمكاني التخلص من المشاكل والاحزان!!
تتحكم الدولة او (جهة معينة) في التعليم، وتتدخل في الكيان البشري لتصبح متهيأه لأغراضها الخاصة. إن فهم الزائف على أنه الباطل، ورؤية الصواب في الخطأ، ورؤية الصواب على أنه الصحيح، هو بداية الذكاء. إنها ليست مسألة استبدال. لا يمكنك استبدال الخوف بشيء آخر. إذا قمت بذلك، فلا يزال الخوف موجودا. قد تنجح في التستر عليه أو الهروب منه، لكن الخوف لا يزال قائما. إن القضاء على الخوف (وليس إيجاد بديل له) هو المهم. الانضباط بأي شكل من الأشكال لا يمكن أبدا أن يجلب التحرر من الخوف. يجب فهم الخوف وعدم مقاومته أو قمعه أو التسامي به. مشكلة التفكك معقدة للغاية، مثل أي مشكلة بشرية أخرى. أليس الصراع عاملا آخر من عوامل التفكك؟ لكن الصراع ضروري، وإلا فإننا سنركد. بدون السعي لن يكون هناك تقدم ولا ثقافة. بدون جهد وصراع، سنظل متوحشين. ربما ما زلنا كذلك. لماذا نقفز دائما إلى الاستنتاجات أو نعارض عندما يتم اقتراح شيء جديد؟ من الواضح أننا متوحشين عندما نقتل الآلاف لسبب أو لآخر، من أجل بلدنا، ديننا وايديولوجيتنا وعرقنا.. قتل إنسان آخر هو ذروة الوحشية.. أليس الصراع علامة على التفكك؟ "ماذا تقصد بالصراع؟" الصراع في كل شكل، كأن يكون بين الزوج والزوجة، بين مجموعتين من الناس مع أفكار متضاربة، بين ما هو والتقاليد، بين ما هو والمثالي، بين الحاضر وما يجب أن يكون عليه المستقبل. الصراع هو صراع داخلي وخارجي. في الوقت الحاضر هناك صراع على جميع المستويات المختلفة لوجودنا، الواعي وكذلك اللاوعي. حياتنا عبارة عن سلسلة من الصراعات، ساحة معركة لن يكون فيه قدر معين من السلام، فهل يمكنك فهم الاخر ان كنت في صراع معه؟ لا يمكن أن يحدث الخلق والابداع إلا في أجواء السلام، في السعادة، وليس في الصراع والتنازع. لكن المشكلة الرئيسية هي في إرساء القواعد كنتيجة للصراع بين الفكرة ونقيضها، ثم التسليم لهكذا قواعد كفيصل، هي مكمن الخطأ، لان جوهر التعلم هو الحركة المستمرة (تطور) دون نقطة ثابتة، أي لا يمكن إرساء قواعد ثابتة نتيجة لهكذا صراع، لان الفكرة وليدة التطور البشري عبر الزمـــــــــــن ونقيضها جاءت بقوالب جاهزة، من المعارف التحفيظية النسخيـــــــــــــــة والايديولوجيـــــــــــــــات والمعتقدات، فإقصاء أحدها ستفضي للارباك واللبس وللتفكك ثم الصراع، ولا يمكن تحت أي ظرف من الظروف أن يجلب التفاهم، وعندما لا يكون هناك تعارض يكون هنـــــــــاك تكامل. ولكن من زاوية أخرى اليس الصراع ضروري للفهم؟ ووسيلة ينتج التفاهم؟ أي تصبح سواء ان كانت إيجابية او سلبية، السبب والنتيجة! بمعنى لا يمكن التحرر من الصراع حتى يتم إرساء فهم لما هي عليها الحالة، بتشخيص الخطأ فقط. ان تشخيص الخطأ لا يعني بالضرورة اننا نعلم الصح، لكن الصراع في النهاية يفضي للتكامل، فعندما يكون العقل مشوشا بالاستنتاجات أو التكهنات أو النظريات، عندما نفهم العوائق، عندها فقط تكون هناك حرية. لكن اليقظة السلبية تكشف عن العوائق، ومع التحرر منها، يأتي التكامل إلى حيز الوجود...
التعليم بأسلوب المعلم والتلميذ وعصا العقاب يولد الخوف، ولا يجعلك ان تفهم الامتداد الشاسع للحياة بخفاياها وجمالها واحزانها وافراحها، ويجعل العقل راكدا في حيز الأمان الاجتماعي، ولن يجعلك ان تقفز لفضاء خارج مخزون الذاكرة التلقيني التحفيظي، أي بمعنى انه يقضي على الذكاء، ذلك الذي يحتاج الى حرية، للتحرر من ذلك المخزون القسري.
الإباء والمعلمين ونظام التعليم يهدف الى الركون للأمان وتجنب التمرد على المألوف وهذا يعني العيش في التقاليد الاجتماعية، وبالتالي في الخوف. وظيفة التعليم هي مساعدة كل واحد منا على العيش بحرية ودون خوف، وان خلق الجو المناسب لذلك يتطلب قدرا كبيرا من التفكير من جانب الإباء والمعلمين وكذلك الطالب. الانضباط لا يعني السيطرة أو القهر. الانضباط والتعلم يعني الاهتمام. العقل الدؤوب يراقب بنشاط، يراقب، لا يغرق أبدا في القيم والمعتقدات المستعملة. العقل الذي يتعلم هو عقل حر، غير مقيد بالخوف، والحرية تتطلب مسؤولية التعلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث