الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 146

ضياء الشكرجي

2023 / 1 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَإِذا كُنتَ فيهِم فَأَقَمتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلتَقُم طائِفَةٌ مِّنهُم مَّعَكَ وَليَأخُذوا أَسلِحَتَهُم فَإِذا سَجَدوا فَليَكونوا مِن وَّرائِكُم وَلتَأتِ طائِفَةٌ أُخرى لَم يُصَلّوا فَليُصَلّوا مَعَكَ وَليَأخُذوا حِذرَهُم وَأَسلِحَتَهُم وَدَّ الَّذينَ كَفَروا لَو تَغفُلونَ عَن أَسلِحَتِكُم وَأَمتِعَتِكُم فَيَميلونَ عَلَيكُم مَّيلَةً وّاحِدَةً وَّلا جُناحَ عَلَيكُم إِن كانَ بِكُم أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَو كُنتُم مَّرضى أَن تَضَعوا أَسلِحَتَكُم وَخُذوا حِذرَكُم إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلكافِرينَ عَذابًا مُّهينًا (102)
هذه الآية تبين للمسلمين طريقة الصلاة أثناء الحرب، وبالرغم من أنها تتحدث عن أحكام فقهية محضة في طريقة الصلاة المقترنة بالحذر أثناء القتال، لا بد لها أن تختم بالوعيد «لِلكافِرينَ» بالإسلام أي غير المؤمنين به، بأن لهم «عَذابًا مُّهينًا»، ويمكن أن يقال إن المقصود هنا بالكافرين تحديدا أولئك الذين يقاتلون المسلمين في دينهم. لكننا علمنا من عموم القرآن بأن مصطلح «الَّذينَ كَفَروا» لا يعني إلا غير المسلمين، ثم علمنا إن هؤلاء «الَّذينَ كَفَروا» سواء المشركين أو أهل الكتاب أو أتباع الديانات الأخرى أو الملحدين أو اللاأدريين أو المؤمنين اللادينيين، كلهم من أهل النار خالدين فيها؛ إذن نلتقي كلنا هناك، وكما قال شاعر فارسي لنبني هناك في جهنم جنتنا التي هي على شاكلة أخرى.
فَإِذا قَضَيتُمُ الصَّلاةَ فَاذكُرُوا اللهَ قِيامًا وَّقُعودًا وَّعَلى جُنوبِكُم فَإِذَا اطمَأنَنتُم فَأَقيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَت عَلَى المُؤمِنينَ كِتابًا مَّوقوتًا (103)
ذكر الله هنا يمكن فهمه على نحوين، إما الذكر بما هو ذكر، سواء باللسان أو في القلب، بتسبيحه وحمده وشكره واستغفاره، أو على أي نحو من أنحاء الذكر، وإما عندما يكون المسلم في حالة يستحيل عليه فيها إقامة الصلاة بركوعها وسجودها واستقبال القبلة فيها، وتهيئة مقدماتها من وضوء أو غسل وكذلك طهارة البدن واللباس ومكان الصلاة أو لا أقل من طهاة مكان السجود، فيعوض المسلم صلاته بالذكر دون القيام بما لا يستطيع القيام مما ذكر، كله أو بعضه، وذهب بعض الفقهاء، ببيان طريقة الصلاة في مثل هذه الحالة، بأن يأتي المصلي بكل الأذكار الواجبة في الصلاة، مع الإيماء بالركوع والسجود، ودون وجوب استقبال الكعبة. وعندما تزول الحالة الاستثنائية التي حالت دون أداء الصلاة بكل واجباتها، والمعبر عنه بقول «فَإِذَا اطمَأنَنتُم»، عندها عليهم أن يقيموا الصلاة بجميع شروطها وأركانها. ثم تقرر الآية في الختام «إِنَّ الصَّلاةَ كانَت عَلَى المُؤمِنينَ [المسلمين] كِتابًا مَّوقوتًا»، بمعنى أنها واجبة «كِتابًا» أي كتبت بمعنى فرضت أو وجبت عليهم و«مَوقوتًا» بمعنى أن كلا من الصلوات الخمس موقت ببداية، لا يجوز إقامتها قبلها، ونهاية، لا يجوز إقامتها بعدها، ومن فاتته يصليها بنية القضاء، خلاف ما إذا أقيمت في وقتها المحدد، فتكون بنية الأداء.
وَلا تَهِنوا فِي ابتِغاءِ القَومِ إِن تَكونوا تَألَمونَ فَإِنَّهُم يَألَمونَ كَما تَألَمونَ وَتَرجونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرجونَ وَكانَ اللهُ عَليمًا حَكيمًا (104)
وهنا شحذ للهمم وتصعيد لمعنويات المقاتلين «في سَبيلِ اللهِ»، إنهم مثلما يفقدون قتلى، يفقد أعداؤهم قتلى مثلهم، ومثلما يصابون بشتى الإصابات فيفقد الواحد منهم بعض أعضاء جسده، كأن تقطع يده، أو تفقأ عينه، فيصيب أعداءهم شيء مماثل، فالحرب قاسية وموجعة بالنسبة لكلا طرفيها، مع الفارق إنكم أيها المسلمون «تَرجونَ مِنَ اللهِ [من ثواب ونعيم خالد في جنة عرضها السماوات والأرض وحور عين ثم لكم فيها ما تشتهون] ما لا يَرجونَ»، بل تنتظرهم نار جهنم خالدين فيها أبدا.
إِنّا أَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ لِتَحكُمَ بَينَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُن لِّلخائِنينَ خَصيمًا (105) وَاستَغفِرِ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ غَفورًا رَّحيمًا (106) وَلا تُجادِل عَنِ الَّذينَ يَختانونَ أَنفُسَهُم إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَن كانَ خَوّانًا أَثيمًا (107) يَستَخفونَ مِنَ النّاسِ وَلا يَستَخفونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُم إِذ يُبَيِّتونَ ما لا يَرضى مِنَ القَولِ وَكانَ اللهُ بِما يَعمَلونَ مُحيطًا (108) هاأَنتُم هاؤُلاءِ جادَلتُم عَنهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا فَمَن يُّجادِلُ اللهَ عَنهُم يَومَ القِيامَةِ أَم مَّن يَّكونُ عَلَيهِم وَكيلًا (109)
كالعديد من الآيات يؤيد الله حسب مؤلف القرآن إنه هو الذي أنزله، وهو أمر طبيعي أن يشهد القرآن لنفسه، أو يشهد مؤلف القرآن لنفسه. وهنا تبين هذه الآية أحد دوافع الإنزال، ألا هي أن يكون القرآن هو الدستور الذي يحكم النبي في ضوئه بين الناس في خلافاتهم، وهكذا اتخذ من بعده موقعه لأداء هذه المهمة الخليفة، أو الحاكم الشرعي، أو القاضي الشرعي، أو مرجع الدين، أو وكيل المرجع، أو المحاكم الشرعية، أو المفتي، أو الولي الفقيه. أما قول «وَلا تَكُن لِّلخائِنينَ خَصيمًا» فتعني ألا تكون مدافعا عن الذي خان، أو تخاصم عنه. وهذا ما تعارضه القوانين الحديثة، كون المتهم بريئا حتى تثبت إدانته. لكن يقال بما أن القائم بمهمة القضاء هو نبي مرسل متصل بالوحي الرابط بينه وبين الله، فيمكن إذا رأى الله حكمة في ذلك، أن ينبئ نبيه بمدى براءة أو عدم براءة المدَّعى عليه. أما طلب الله حسب مؤلف القرآن من نبيه أن يستغفر ربه، لأنه في حادثة ما تعجل الحكم ودافع عن أحد الصحابة الذي كان قد خان المُدَّعِي ضده، وكما يبدو أنه عرف بعد ذلك بأنه على خطأ فنسب تنبيهه على الخطأ فيما حكم فيه إلى الله. ثم تأتي الآية التي بعدها لتنهاه عن أن يجادل ويدافع عن الذين يخونون أماناتهم أو عهودهم، ذلك لأن الله لا يحب مرتكبي إثم الخيانة؛ هؤلاء الذين يتظاهرون بالأمانة ويسعون كي لا يتركوا أدلة تدينهم، ولكن إخفاءهم إثمهم بالخيانة قد يفلحون فيه بخداع الناس، ولكنهم لا يستطيعون إخفاءه على الله. طبعا من حيث المبدأ هذا صحيح، لأن الله يفترض أنه بكلم شيء عليم ومطلع على السر والنجوى، وعلى ما في الصدور. لكنْ أيٌّ منا كبشر لا يستطيع أن يدعي أنه مطلع على ما يعلمه الله ولا يعلمه الناس. هذا يعني إن انكشاف أي شيء على النبي كان من قبل خفيا عليه، بأي واسطة كأن ينقل إليه أحدهم ما لم يكن يعلم به النبي، فيقول إن الله أنبأه بذلك. ويبدو إنه لم يكن وحده الذي جادل ودافع عمن هو في علم الله مدان، فتقول الآية الأخيرة، إنكم أيها النبي وأيها المسلمون معه، إنك حتى لو دافعتم عمن تعتقدون ببراءته أو تدعون براءته، ونجحتم في تبرئته، فإذا كان مدانا بارتكاب ما نسب إليه، فإنكم ستبرئونه في هذه الحياة، ولكنكم في الحياة الأخرى، حيث يجزى كل بعمله الذي لا يعلم حقيقته ونواياه إلا الله، فهناك لن يمكنكم أن تتبوؤوا مهمة هيأة الدفاع عن المتهم، الذي لن يعود هناك مجرد متهم، بل سيكون مدانا بعلم الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب


.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت




.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق


.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با




.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط