الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حنة أرندت. عن الحب و الخوف من ضياعه.1/4

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 1 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حنة أرندت
Hannah Arendt

ماريا بوبوفا
MARIA POPOVA

ترجمة: نورالدين علاك الأسفي. [1]
[email protected]

"الحب، ولكن كن حذرا مما تحب"، هكذا كتب الفيلسوف الأفريقي الروماني القديس أوغسطين في السنوات الأخيرة من القرن الرابع ميلادي. بمعنى أعمق، نحن ما نحب- و ما نمسي عليه يغدو لنا، بدعوة مما لا يقع على حصر من توقنا الواعي و أشواقنا اللاواعية، مع القنوط، والرغبات النمطية. ومع ذلك، هناك شيء متناقض بشكل عميق حول مثل هذا النداء إلى العقل؛ في فكرة أنه باستطاعتنا أخذ الحيطة في مسائل الحب، أن تكون محبوبا هو أن تعرف قيود اللاعقلانية التي تنزلق حتى على العقل الأكثر إرادة عندما يتولاه القلب بمستساغ إهماله.
كيف سننتبه إلى حيطة أوغسطين، ليس بالقهر ولكن بفهم أفضل لتجربتنا في الحب، و هو ما ستكتشفه حنة أرندت (14 أكتوبر 1906-4 ديسمبر 1975) في عملها الأقل شهرة ولكن من نواح كثيرة الأجمل، كتابها "الحب والقديس أوغسطين" [2]- مخطوط طويل لأول كتاب لأرندت وآخر ما سينشر باللغة الإنجليزية، بعد وفاتها أنقذته من أوراقها عالمة السياسة جوانا فيكياريلي سكوت/ Joanna Vecchiarelli Scott و الفيلسوفة جوديث شيليوس ستارك/ Judith Chelius Stark.
فلمدة نصف قرن بعد أن كتبتها كأطروحة دكتوراه في عام 1929 - في وقت كان رائد الفكر هذا، و الذي سيصبح واحدا من العقول المتوقدة و الأكثر حماسة و مضاء في التحليل في القرن العشرين، سيؤلف رسائل حبها النارية إلى مارتن هايدغر/ Martin Heidegger [3]- قامت أرندت بمراجعة المخطوطة وشرحها بقلق شديد. فعلى حجرة شحذ أوغسطين، أتت على صقل أفكارها الفلسفية الأساسية - على رأسها الانفصال المزعج الذي رأته بين الفلسفة والسياسة كما يتضح من صعود أيديولوجيات مثل الشمولية، و التي فحصت أصولها بشكل قاطع؛لا ينسى[4]. فمن أوغسطين استعارت عبارة amor mundi - "حب العالم" - والتي غدت سمة مميزة لفلسفتها. فانشغلت بأسئلة حول سبب استسلامنا للشر و تطبيعه[5]، فحددته أرندت كأصل للاستبداد؛ يعمل على جعل البشر الآخرين غير ذي صلة. و لغير ما مرة عادت إلى أوغسطين بحثا عن الترياق: الحب.
ولكن؛ في حين أن هذه الفكرة القديمة عن حب الجار، والتي ستلهم مارتن لوثر كينغ/[6] Martin Luther King، كانت محورية في انشغال أرندت الفلسفي واهتمامها بأوغسطين، فإن أهميتها السياسية لا تنفصل عن أعمق ينبوع للحب: الشخصي. على الرغم من كل الحكمة السياسية والفلسفية التي تستخلصها منها، فإن اعترافات أوغسطين تحركها تجربته في الحب الشخصي - تلك القوة الأبدية التي تحكم شمس، قمر، و نجوم حياتنا الداخلية، والتي تنعكس وتقنن هياكلنا الثقافية والاجتماعية.
و بالتركيز على مفهوم أوغسطين للحب على أنه "نوع من الرغبة" – الشهية باللاتينية/ appetitus، و الذي اشتقت منه– وتأكيده" أن الحب ليس في الواقع سوى الرغبة في الشيء لذاته." هذه الرغبة الموجهة ستعتبرها أرندت هي التي تدفع بالحب:
كل شغف مرتبط بشيء محدد، يتطلب الأمر هذا الكائن لإثارة الرغبة نفسها، و بالتالي توفير هدف لها. يتم تحديد الرغبة الشديدة من خلال الشيء المعطى الذي تسعى إليه بالتأكيد، تماما كما يتم تحديد الحركة من خلال الهدف الذي تتحرك نحوه. لأنه، كما يكتب أوغسطين، الحب هو "نوع من الحركة، وكل حركة هي نحو شيء ما". ما يحدد حركة الرغبة؛ دائما ما يتم تقديمه مسبقا. شغفنا يهدف إلى عالم نعرفه. لا يكتشف أي شيء جديد. الشيء الذي نعرفه ونرغب فيه هو "خير"، وإلا فلن نسعى إليه من أجله. كل البضائع التي نرغب فيها في سعينا إلى الحب هي أشياء مستقلة، لا علاقة لها بالأشياء الأخرى.كل واحد منها لا يمثل سوى صلاحه المعزول. السمة المميزة لهذا الخير الذي نرغب فيه هي أننا لا نمتلكه. و بمجرد الحصول على الشيء تنتهي رغبتنا، ما لم نكن مهددين بخسارته. في هذه الحالة تتحول الرغبة في الحصول إلى خوف من الخسارة. كبحث عن الخير الخاص بدلا من الأشياء بشكل عشوائي، فإن الرغبة هي مزيج من "التصويب على" و "الرجوع إلى". إنها تشير إلى الفرد الذي يعرف خير العالم و شره و يسعى للعيش بسعادة. إننا نعرف السعادة لأننا نريد أن نكون سعداء، وبما أنه لا يوجد شيء أكثر تأكيدا ثقة من رغبتنا في أن نكون سعداء، فإن مفهومنا عن السعادة يرشدنا في تحديد البضائع المعنية التي أصبحت بعد ذلك أشياء أهدافا لرغباتنا. الشغف، أو الحب، هو إمكانية حصول؛ أن يستحوذ الإنسان على الخير الذي سيجعله سعيدا، أي الاستيلاء على أكثر ما يخصه. أي نيل ما هو أكثر مما يخصه.
------------------------
[1] في البال: المقالة مناط الترجمة رهن بالإحاطة علما؛ لا بقصد تبني فحواها جملة أو تفصيلا. المترجم.
[2] https://www.worldcat.org/title/love-and-saint-augustine/oclc/751550545&referer=brief_results
[3] https://www.themarginalian.org/2016/04/25/hannah-arendt-martin-heidegger-love-letters
[4] https://www.themarginalian.org/2016/12/20/hannah-arendt-origins-of-totalitarianism-loneliness-isolation/
[5] https://www.themarginalian.org/2017/02/07/hannah-arendt-the-banality-of-evil/
[6] https://www.themarginalian.org/2015/07/01/martin-luther-king-jr-an-experiment-in-love/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف