الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنظمات الافتراضية وادارة الفضاء الافتراضي

شوقي ناجي جواد

2023 / 1 / 12
التربية والتعليم والبحث العلمي


المنظمات الإفتراضية وإدارة الفضاء الإفتراضي

الأستاذ الدكتور شوقي ناجي جواد الساعاتي
تمهيد
تمكنا والحمد لله من إصدار كتابنا تحت عنوان الإدارة في المنظمات الإفتراضية في بداية العام 2020 والذي يمكن عده إضافة علمية جديدة إلى المكتبة العربية. وإليكم جانباً منه:
تتواجد المنظمات الأفتراضية (Virtual Organization) من حيث المبدأ في الفضاء الأفتراضي (Virtual Space)، إلا أنها تتواجد كذلك في الفضاء المادي التقليدي (على الأرض). وتعد هذه الأنواع من المنظمات ظاهرة جديدة في عالم الأعمال، ولو أن جذورها تمتد إلى تطورات سابقة. وبصياغة لغوية وفنية فإن المنظمات الأفتراضية تتواجد أبتداءً في الذهن والتكنولوجيا لتمثل جوانباً من المنظمات التقليدية القائمة على أرض الواقع، ومن الوجود المادي الحقيقي إلا أنها ذات بُعد أفتراضي. بمعنى آخر فإننا لا نشاهد في المنظمات الأفتراضية البناء من الطوب والطين، ولا المكاتب والمصانع، ولا الأقران ورفاق العمل، ولا نقابل الجمهور وجهاً لوجه، بل أن كل ذلك أنفرط وأنقلب إلى أشكال أفتراضية. وتتكون هذه الأنواع من المنظمات من شبكات أعمال ألكترونية. وبدلاً من أن نتولى الإدارة في منظمات تضمنا وتلتحفنا، نجد أنفسنا في منظمات سيالة ومرنة (Fluid & Flexible) وأن جزءً كبيراً منها غير مرئي، وأنه يظهر إلى الوجود عندما نطلبها من خلال جهد ذهني مبذول من قبلنا. لأننا نعيش في فضاء أفتراضي وأن هذا الفضاء يبعدنا قليلاً عن حواسنا الخمس ونركن أكثر إلى المخزون المعرفي المتوفر لدينا، وفي داخلنا، وعبر تخيلاتنا. وكل ذلك يتطلب شجاعة تنظيمية جديدة والتي لا يتحلى بها، ولا يجروء خوض غمارها وإدارتها إلا عدد قليل من رواد الأعمال الراغبين في فتح آفاق جديدة نحو أسواق أكبر.
القصد من وراء تقديم هذا البحث هو إقامة الجسور، ومد النظر إلى الفضاء الأفتراضي ووصفه بأسلوب إداري. وسوف نبدأ بمناقشة طبيعة الفضاء الإنساني، ثم ننتقل إلى وصف الفضاء الأفتراضي الذي يتكئ على على ثلاث فضاءات أخرى (الفضاء التكنولوجي، والفضاء الذهني، والفضاء الحضاري) وسنحاول ليس فقط بيان كيف ننشيء الفضاء الأفتراضي، بل كيف أن تنوع العوامل التكنولوجية والإنسانية يمكن لها أن تساهم في رسم حدود ذلك الفضاء. وأخيرا نختتم بحثنا بعرض بعض من القضايا الإدارية الأساسية ، إلى جانب عرض بعض القيود التي تعرقل إدارة الفضاء الأفتراضي بقوة أكبر من الإدارة في الظروف التقليدية. وتتطلب الإدارة في الفضاء الأفتراضي سلسلة من عمليات الأخذ والعطاء بين الحرية المتاحة والمرونة التي يتيحها الفضاء الأفتراضي وبين أحتياجات الإدارة التقليدية للمساءلة والتخطيط والهيكلية.
هناك الكثير من الأدعاء بأن الفضاء الأفتراضي يتولد عن طريق تكنولوجيا الأتصالات. إلا أن ذلك ليس بالأمر الصحيح تماماً. ذلك أن التكنولوجيا هي التي تُمكن الفضاء الأفتراضي وتقومهُ، ولا توجده من حيث المبدأ. البشر هم الذين ينشؤون الفضاء الأفتراضي ويتخيلوا ويبنوا ويركبوا التكنولوجيا لإدامته والحفاظ عليه، ولولا ذلك لما أنتشرت وشاعت تكنولوجيا المعلومات بهذا القدر خلال العقدين الماضيين. ثم أن برامجيات قواعد المعلومات لا تُوجد قواعد بيانات بحد ذاتها لولا وجود العنصر البشري لتجيب كيف يتم تركيب هذه البرامجيات، وكم عدد حقولها، وعلامَ هذه الحقول.
وحتى يتم إيجاد وتكوين المنظمات الأفتراضية، فإنه لمن الضروري إيجاد الفضاء الأفتراضي الذي ستتواجد عبره هذه المنظمات. وعند ذاك يأتي دور تصميم التكنولوجيا ذات الصلة وتطبيقها. ولا يستلزم الفضاء الأفتراضي الأستعانة بتكنولوجيا المعلومات فقط، بل أن الأمر يحتاج إلى النظرة التخيلية من لدن البشر. وأن الأمر أساساً جديد وليس أبتداع أن نستعين ببعض المصطلحات التي وظفها Graham (1999) عبر عمله العلمي الذي نشر تحت عنوان (The Internet) فهذه الشبكة العالمية الألكترونية عمل تحولي وثوري في آن واحدة، وهي القوة التي يستعين بها البشر لأنجاز ما يرغبون أنجازه. إذ تتحدى هذه القوة الفضاء المادي بحدوده الرسمية المعلنة، تلك الحدود التي تفصل بين دول العالم، وهي القوة التي بشرت بفضاء العالمية (Globalization). والأكثر من ذلك فقد منحت الشبكة العالمية الألكترونية (الأنترنت) الفرصة للأعمال والمديرين التغلب على القيود المفروضة على الأسواق والحضارات وأخترقتها، وساعدت في الوقت نفسه في توفير مسببات النجاح لإدارة الفضاء الأفتراضي.
لذا فإن البحث الحالي سيتعرض إلى ما يقصد بالفضاء الأفتراضي، وكيف يمكن إيجاده، ويتعرض كذلك إلى بعض القضايا التي تتعاطى مع عملية الإدارة الأفتراضية. وبعد أن نتوسع في كل منها، سنحاول تقديم المعالجات الممكنة بشأنها.
عليه دعونا أولاً التركيز على ما يقصد بالفضاء الأفتراضي وكيف يمكن إيجاده.
الفضاء التقليدي والفضاءالأفتراضي Conventional and Virtual Space
تحتاج أية منظمة وبالضرورة منظمات الأعمال إلى "فضاء" لتمارس من خلاله أعمالها. ولم ترسو الحياة التنظيمية للأعمال عبر الزمن الذي من خلاله تدفقت وظائفها، بل كذلك عبر الفضاء المتاح لها. وقد يأخذ بُعد الفضاء أشكالاً عدة، وفي العموم في آن واحدة. هناك مثلاً الفضاء المادي الذي تشغله المنظمة التقليدية متمثلاً بالجدران والقواطع والحدود التي من خلالها وعبرها يمارس هذا النوع من المنظمات أعمالها: ويضم ذلك أبنية المكاتب، والمصانع والمخازن، وما إلى ذلك من حيز مشغول. وفوق كل ذلك هناك طبقات فضائية أخرى تولدت بفعل أعضاء المنظمة وكما أبتدعتها أفكارهم. ويصف Boisot (1995) هذه المفاهيمات بالفضاء المعلوماتي الخاص بالمنظمة المعنية، والروابط التي تشدها من حيث الجوهر بحضارتها. ودون Morgan (1986) في كتابه الموسوم (Images of Organizations) الأستعارات المتعددة التي تربط المنظمة بأعضائها وتعكس كيف يستجيب الأعضاء إلى تلك الأستعارات الحضارية، وكيف تساهم في تشكيل ما نكون عليه وكيف نجاري واقع الحال في المنظمة.
ينطوي الفضاء الأفتراضي على مفهومين: الأول الذي يشير إلى ذلك الفضاء التعويضي (نسخة مطابقة من) عن الفضاء المادي التقليدي، من خلال ما تقدمه التكنولوجيا بأنواعها من مساهمات مثل نظم تكنولوجية الأتصالات والتي يمكن عدها نوع من الطوب والطين في البناء. والثاني الفضاء التخيلي الذي يساهم في إيجاد الفضاء الذي يستند إلى الجهد الذهني القادر على تجميع أجزاء الصورة عن ذلك الفضاء. فالعمال على خط الأنتاج التجميعي لا يتطلب منهم نظرة تخيلية عما يقومون به لأن شكل العمل يأتي إليهم وما عليهم إلا التنفيذ وبشكل روتيني. أما في المنظمات الأفتراضية فيأتي تصور لما سيقومون به إذا هم أرادوا أنجاز عمل ما، وكيف عليهم التفكير ملياً بشبكة الأعمل الألكترونية والمنظمات من حولهم ليعلموا أي جانب يمكن تسخيره لأنجاز المهام المطلوبة، من خلال أستيعاب الواقع التنظيمي الذي يدور حولهم ويركزوا على الأنشطة التي تساهم في بلوغ المُراد.
ولبيان كيف يجري العمل على أرض الواقع، نأخذ مثالاً عاماً لمنظمة أفتراضية تتولى عمليات البيع عبر الشبكة العالمية (الأنترنت). حيث يقوم مدير هذه المنظمة بالبيع وهو لا يرى المشتري ولا يعرف عنه شيئاً، ولكن لديه بعض المعلومات عن المشترين، كما أن عنوان المراسلة الألكتروني (e-mail) لا يوفر معلومات كافية مثل الرمز البريدي والمكان الجغرافي، لذا فإن الصورة الجغرافية مفقودة ما لم يسأل عنها المدير لاحقاً. وقد يمنح أسلوب البيع هذا بعض التلميحات ويوفير بعض الإشارات، ولكن ذلك يتطلب وقتاً لابأس به حتى تتشكل الصورة بوضوح. كما أن البائع لا يحقق المواجهة المباشرة (وجها لوجه) عبر الشبكة الألكترونية، كما يحققها صاحب دكان المحلة أو مطعم الحارة.
وبالتالي يقع على مدير المنظمة الأفتراضية أن ينحو إلى رسم الصورة وتكوينها تخيلاً ليتوضح له من هو المشتري. وهناك فرق بين مدير يتخيل أو يتصور، ومدير تخيلي أو تصوري. المدير الذي يعمل من خلال الشبكة الألكترونية ليس تصوريا ولا يستطيع تشكيل صورة المشتري من خلال ما يحصل عليه من معلومات عبر الحساب الألكتروني بسبب أخفاقات ال (dotcom) بينما يكون للمشتري ثقة وإلى حد ما بالبائع، ولو لم يتحقق الأتصال المباشر معه. هنا على المدير البائع أن يوظف مخيلته لتوليد الصورة عن ذلك المشتري الغائب حالياً والتعرف على أحتياجاته تخيلاً. لهذا السبب يحاول المدير الألكتروني الحوم حول القضية من خلال أستخدام بعض الوسائل والأجهزة لتحقيق الأتصال مع المشتري والمحافظة على التواصل معه وتحقيق تغذية راجعة مفيدة. إلا أن هذه الأوضاع المجتمعية تتطلب هي الأخرى جهداً ينطوي على بُعد تخيلي وتصوري لإستدامة صورة المشتري والحفاظ عليها. وما لم ينغمر الأطراف جميعا (البائع والمشتري وأعضاء المنظمة الآخرين) عبر مشاعر تشاركية تبادلية عن بعضهم البعض وبفاعلية، فإن ذلك الجهد المبذول من قبلهم جميعاً سيذوي ويتبدد.
المنظمات المتواجدة في الفضاء المادي لها خصائص وتسهيلات إدارية واسعة، ومع ذلك فهي منظمات مركزية الموقع وتحافظ على مسالك وقنوات أتصال وبالحد الأدنى. كما تمتلك مثل هذه المنظمات مكاتب متعددة وكبيرة أحياناً، إلى جانب أمتلاكها للمصانع إذا كانت ذات طبيعة أنتاجية وغير خدمية. وفي كلا الحالين يعمل فيها عدد كبير من الموظفين الذين يشغلون مكاتب متقاربة من بعضها البعض. ولمثل هذه المنظمات هياكل تنظيمية هرمية وكما تعرض لها Max Weber (في جواد 2010 أ). وتبنت العديد من المنظمات الكبيرة هذا المنحى في بناء هياكلها التنظيمية. ولو أن مثل هذه المنظمات قد تصبح أكثر ميكانيكية وذات آلية بيروقراطية، ويشعر العاملون فيها بنوع من الطمأنينة، وهم يعملون مع من هم يعملون وإلى من سيتم إبلاغ النتائج، ومن يقييم نتائج أعمالهم. ويعاب على هذا النوع من المنظمات بأرتفاع مستوى البيروقراطية في العمل، إلى جانب أرتفاع التكلفة الإدارية والأعتماد على مبدأ التخصص الوظيفي وتصريف الأعمال عبر الأقسام الإدارية، والذي تنخفض فيه مستويات المرونة والإبدعية (Waterman & Peters 1982)(Kanter 1983) (Pennings 2001). وأن الفضاء الخاص بهذا النوع من المنظمات هو فضاء ملموس ويستدعي جهداً عالياً في رسم وتصوير الحال القائمة فيه وأستيعابها تماماً.
وإذا أنتقلنا إلى وجود المنظمات في الفضاء الأفتراضي، سنلاحظ أنها وعلى النقيض من تلك المنظمات التي تتواجد في الفضاء المادي. إذ تُعد منظمات الفضاء الأفتراضي مخلوقات شابة ظهرت خلال العقود القليلة الماضية وتميز بها القرن العشرين بقيمها الإبتكارية والتجديدية. وأن هذه المنظمات الشابة نشأت في بيئات مضطربة بسبب تخلل العديد من التطورات والتغيرات البيئية والتكنولوجية الواسعة، والتي أنعكست آثارها على تلك المنظمات وأسواقها. إلا أن هذه المنظمات تستمد قوتها من مرونتها وإبداعاتها المتأتية من تبنيها نمط المنظمة الشبكية (Network Style). كما وتميل الإدارة فيها إلى الخارج، على عكس المنظمات التقليدية التي تستند إلى ما يصلها من تعليمات وتوجيهات من قمتها وتنحدر إلى قاعدتها عبر التسلسل الهرمي. إلا أن منظمة الفضاء الأفتراضي تعتمد على المعرفة التي توفر لها مسببات الأندفاع نحو الإبتكار والتجديد في أعمالها، أكثر من أعتمادها على ما يتوفر لها من بيانات، ثم أنه وبسبب أنعدام القيود الحدودية (داخلياً وخارجياً) فإن ذلك يمنحها القدرة على إعادة تشكيل نفسها بسرعة نسبية، ولأنها ذات توجه خارجي فإنها تهتم بجوهر الأعمال. إلا أن فقدانها للوضع المادي إلى حد ما وعدم تشكل هيكلها التنظيمي وفق المنهج التقليدي، وأنحسار موقعها الجغرافي يولد لها بعض المشكلات. وأحدى هذه المشكلات هي قضية الترغيب والثانية تمتعها بالمرونة غير المستقرة والتي قد تضع أمامها بعض العراقيل، كنفور المغامرين من المستثمرين، وكذلك نفور اليد العاملة لشعورها بعدم الأمان. ولو أن البعض من البشر يميلون إلى العمل لوقت ما (أفراداً ومديرين) أملاً في العثور على عمل أفضل ذي مردود أعلى، وإيجاد فرص أفضل. والبعض الآخر من العاملين يعتقد أن العمل في مثل هذه المنظمات محفوف بالمخاطروالتهديدات (Handy 1996)، والذي أسماها Bridges (1955) "death of the Job" أختفاء العمل حالة مخيفة.
كما أن هناك قضايا أخرى تعرقل عمل المنظمات التي تمارس نشاطها في الفضاءات الأفتراضية، منها الرقابة والمساءلة بسبب صعوبة الأشراف على أفراد عاملين عن بُعد. ويمكن تذليل هذه الصعوبات من خلال توظيف بعض النظم التكنولوجية للقيام بالرقابة على الأفراد والأعمال، ولكن الرقابة الزائدة عن الحدود المرسومة لها قد تشكل حالة أبتزاز مرونة المنظمة الأفتراضية، وتسبب في تثبيط حماس العمل الإبداعي والمبادر. وقد أكد Kolmogoros (1965) على أن أفضل النظم الأفتراضية هو النظام القادر على معالجة المعرفة ولو أنها عملية معقدة. حيث ترتبط درجات من المرونة ترتبط بشكل أو آخر بدرجات التعقيد.
أن الفضاء الذي تتواجد فيه المنظمة الأفتراضية غير مرئي بالعين المجردة، ولا يمكن مشاهدته أو لمسه أو حتى الشعور به، فقط المصطنعات هي التي تولده، مثل الحواسيب والبشر الذين بتشاركهم يمكن تخيله وتصوره. وأن الروابط ونقاط الألتقاء بين أجزاء تلك الأجهزة والبشر هي التي تشكل شبكة العمل التي يمكن تفسيرها عبر الرسومات والمخططات والأشكال التي توضح لنا تلك الروابط، ويعتمد إدراكها على حجم المعرفة وشكل التخيل الذي يتولاه الإنسان لفهم الروابط وكيفية عملها. إلا أن Graham (1999) أوضح بأن ما هو متخيل ليس بالضرورة مستوعب كما هو!! وبالتالي فإن الفضاء الأفتراضي له أبعاده، وأن عملية التخيل التنظيمي حالة جوهرية، ولكنها ليست دوماً الخطوة الثانية. ولم تتعرض أدبيات العلوم السلوكية والسلوك التنظيمي إليها بوضوح.
وبالتالي فإن أنشاء المنظمة الأفتراضية لا يعني ظهورها بمجرد تشغيل الشبكة الألكترونية من خلال جهاز الحاسوب، والقيام ببناء المنظمة المطلوبة. لأن عملية الأنشاء تطلب أولاً شكلاً من الإبداع لتوليد الفضاء الأفتراضي الذي ستعمل المنظمة من خلاله. كما ويتطلب ذلك بشراً لهم مهارات من نوع خاص. وسوف نتعرض لهذا البعد الجديد الذي نطلق عليه رأس المال البشري.
إيجاد الفضاء الأفتراضي Generating Virtual Space
ما هو متاح من فضاءات أمام منظمات الأعمال الكثير منها، إلا أن أهمها إلى عملية أنشاء وتوليد المنظمات الأفتراضية الآتي:
1- الفضاء التخيلي (Imaginary) والذي يُمكن من خلاله تحديد مستويات المعرفة الفطرية والقدرة الإبداعية لدى المعنيين بالأمر.
2- الفضاء التكنولوجي (Technology) والذي يُمكن من خلاله تحديد القدرات التكنولوجية الخاصة بالمنظمة (بما فيها طاقات النظم ومهارات الموارد البشرية).
3- الفضاء الحضاري (Cultural) والذي يعكس الفضاء المعلوماتي أو الفضاء الحضاري كما عبر عنه Boisot (1995).
وإليكم الآن الشروحات الإضاحية لكل نوع من أنواع الفضاءات المنوه عنها آنفاً:
الفضاء التخيلي (Imaginary Space)
المنظمات التي تمتلك أفضل وأجود فضاء تخيلي هي تلك المنظمات التي تستطيع تداول وتوظيف المعرفة بفاعلية عالية. ومثل هذه المنظمات لديها من العاملين الأذكياء وذوي الخبرة والمهارات المتقدمة والقادرين على التخيل وتوليد الأفكار وتقديم المقاربات، ما لم تمتلكه منظمة أخرى. حيث أكد Morgan (1993) على قدرة الأستيعاب وتشكيل صورة المنظمة المرغوب فيها، كون أن مثل هؤلاء العاملون يمتلكون مهارات تفاعلية وتواصلية تمنحهم القدرة على إدراك المفاهيم، عبر تبادل المعرفة بالشكل الذي وصفها Senge (1990) بمنظمة التعلم. وعبر عنها كل من Takeuuchi & Nonaka (1995) بالمنظمة متعددة النصوص. ولابد من الإشارة هنا إلى أنه من المفيد التصريح بأهمية أمتلاك العاملين معرفة مسبقة تساعد في تشكيل محتوى الفعل اللاحق لما يتخيلون (2000 Witzel).
ولابد من التثبيت بأن الفضاء الأفتراضي ليس حالة فريدة في أنشاء المنظمة الأفتراضية. وأن لكل منظمة ناجحة فضاء أفتراضي الذي من خلاله تقوم الأطقم البشرية بعمليات البحث والتطوير، ويطورون منتجات جديدية، ويصنعون الإستراتيجية، ويحاولون إثارة سؤال "ماذا لو؟". ولإيجاد منظمة أفتراضية وكما هي حال أية منظمة أعمال فإن الخطوة الأعتيادية الأولى هي في إثارة جملة من التساؤلات، وتقديم الأجابات الكافية عنها، مهما أختلفت مواضيعها، مثل من هو جمهور المنظمة؟ ما هي أحتياجاتهم؟ ماذا على المنظمة أن تقدم من منتجات أو خدمات ذات قيمة مقايسة بالأحتياجات؟ أي نوع من الطاقات البشرية ترى المنظمة ضرورة توظيفهم؟ ما هي المهارات التي يحملونها؟ وما هي علاقاتها بالمنتجات أو الخدمات التي تقدمها منظمتهم؟ أختيار ذلكم المديرين القادرين على تكوين الصورة الذهنية عن المنظمة، وكيف هم يستوعبون غاياتها وأهدافها؟

الفضاء التكنولوجي (Technology Space)
وكما هو حال الفضاء التخيلي، فإن لجميع منظمات الأعمال فضاءً تكنولوجياً بشكل ما، حتى ولو كانت هذه المنظمات لا تملك إلا هاتفاً بسيطاً أو حاسوباً تمارس من خلاله أعمالها عبر مكتب بسيط. الفضاء التكنولوجي هو ذلك الفضاء الذي يتولد عندما تعتمد المنظمة اشبكة التكنولوجية لتصريف أعمالها، ولهذا الفضاء بُعدان:
البُعد الأول: قوة وأتساع وديمومة الشبكات نفسها، بما في ذلك سعتها، وسهولة التعامل معها، أمانتها ومعوليتها.
البعد الثاني: مستوى مهارات الأفراد مستخدمي شبكات الأعمال والقائمين على صيانتها وأدامتها.
وهنا علينا تحقيق الموائمة والتجانس (Fit) بين العناصر المنوه عنها. فإذا لم يحتل العنصر البشري بالمهارات المطلوبة لتسهيل التعامل مع الشبكات التكنولوجية، فإن ذلك سيعرض أمكانات المنظمة التنظيمية والأستثمارية إلى الأخفاق في تحقيق ما تريد تحقيقه، وقد يوقع هذا النقص بالمهارات إلى حدوث أخطاء من شأنها هدر نواتج الأعمال.
كما يتطلب الأمر موائمة ومجانسة الفضاء التكنولوجي مع الفضاء التخيلي. فإذا كان مدى التخيل أوسع من الفضاء التكنولوجي فلابد من إحدث التحديث. فمثلاً لو حصلنا على الفضاء التخيلي لنظام التوزيع العالمي فعلى المنظمة المعنية أن تضمن أن تكون تكنولوجيتها قادرة على التجهيز وفق الأعتبار العالمي. ولكن الأمر سيختلف وتكتنفه الخطورة إذا كان الفضاء التكنولوجي كبيراً. فلو أمتلكت المنظمة تكنولوجيا بحجم أكبر مما تحتاج، فإن ذلك يعني سوء الأستثمار في هذا المجال. فمثلاً سعت بعض الصحف، كصحيفتي Wall Street journal & Financial Times إلى نشر نتائج بعض الدراسات التي أظهرت أن الأستثمار في نظم المعلومات (Information Technology) في نخبة من شركات الأعمال حتى نهاية التسعينات من القرن المنصرم تجانست مع مدخولاتها وأرباحها، ولاقت شركات أخرى صعوبة في أستعادة تكاليف تلك التكنولوجيا. ولو أن ذلك لم يمنع تلك الشركات وأخرى من الأستثمار في نظم المعلومات إنطلاقاً من أن منافعها المستقبلية إيجابية إلى الحد الذي يغطي تكاليفها (2002 Dzinknowski) (2003 Witzel).
الفضاء الحضاري (Culture Space)
وكما تم الإشارة إليه سابقا فإن حضارة المنظمة تولد فضائها الخاص بها، وهو الذي يوضح كيف للمعرفة أن تتدفق، وأي الأشكال المعرفية يمكن وبسهولة نسبية توظيفها. إذ يمثل الفضاء الحضاري الخاص بمنظمة ما إلى أي مدى يمكن لأعضائها المحافظة على ذلك الفضاء والعمل في ضوئه، من أعراف ومعتقدات وقيم ومسلمات تعكس الجانب الأخلاقي في سلوكياتها.
وحتى يمكن للفضاء الحضاري التواجد، لابد أن تبرز أولاً الموائمة بين إدراك كل عضو في المنظمة المعنية، بمعنى أن يتشارك جميع الأعضاء بقيم عامة، وعليهم أن يبلوروا صورة واحدة من قبلهم. إلا أن الفضاء الحضاري للمنظمة الواحدة هو ليس فقط مجموع وجهات وجهات نظر وقيم ذلكم الأعضاء كونها متقاربة، بل هو المساحة التي تجمع وجهات نظر تلك المعتقدات والقيم. وكلما تقاربت وجهات النظر تلك، كلما زادت كثافة الفضاء الحضاري. بمعنى أنغمار آراء وقيم غالبية أعضاء المنظمة سويةً في حضارتها. ويفصل Morgan (1986) أكثر فيقول أن على المنظمة أن تعلق أهتماماتها على توليد التشاركية في المعنى، والتشاركية في الفهم والإستيعاب لأن ذلك سوف يسمح بتشكيل ورصف الأنشطة التنظيمية بطريقة منظمة.
هناك أكثر من مدخل للنظر إلى الفضاء الحضاري، فمثلاً أشار Hofstede (2001) إلى أن الحضارة تتميز بكونها خليط من قيم عامة وممارسات متداولة بين جميع أعضاء المجتمع الواحد، وشخّص تلك الخصائص الضارية إنطلاقاً من عدة أبعاد (العمليات والنتائج والحرفية والنظم المفتوحة والمغلقة). ومن جانب آخر فقد صنف Boisot (1995) الحضارة أستناداً كيفية ترميز ونشر المعرفة. وصرح Morgan (1986) بأن أساليب التصنيف، بشأن كيفية النظر نحو الحضارة التنظيمية، لها مصداقيتها، ويمكن أن تكون هي الأفضل أستخداما لفحص وأختبار حضارة ما للوقوف على كيفية قياس تسبيباتها وعزوها.
كما أنه من المهم تحقيق الموائمة والتجانس بين الفضاء التكنولوجي والفضاء التخيلي، فأنه من المهم جداً كذلك تحقيق الموائمة والتجانس بين الفضاء الحضاري والفضاء التكنولوجي. وفي كل الأحوال فإن تحقيق ذلك يُعد من أصعب وأعقد المحاولات عند السعي نحو ربط تلك الفضاءات مع بعضها البعض إزاء تفعيل الفضاء الأفتراضي. وكيف يمكن لنا أن نولد نوعاً من "التخيل المتشارك" الذي من خلاله نحضى بنفس المجال الفكري ونعمل سوية مع الآخرين بفاعلية. أن تعقيدات هذا الأمر وتداخلاته العويصة هي أقدم من فكرة المنظمة الأفتراضية. حيث سعى المعنيون بعلم النفس والسلوكيات وعلم المعرفة وعلم اللاهوت إلى التفكير بعمق ولعقود خلت للبحث عن كيف ولماذا يتعامل الأفراد مع نفس القضية ويحللونها، إلا أنهم في النهاية يخرجون بحلول متعددة. فهل هناك أمكانية لتغيير طريقة تفكيرنا حتى نصل إلى أعتماد طريق واحد للتفكير متفق عليه. فقد حاول أحد الكتاب المدعو James Branch Cabell الذي أخترع أداة تسمح لشخصين التشارك بحُلم واحد، ومع ذلك فإنهما لم يكونا واعيين لبعضهما البعض (1993 Davenport) وقد أشار Bernays (1928) إلى أن الأمر لا يعود إلى التكنولوجيا فقط، بل إلى التعليم ووسائل الأعلام والإعلان لتحقيق بعضاً من التشاركية ببعض المعلومات التي يمكن أن تساهم بتحقيق نمط فكري واحد بين العامة من الناس.
وقد تمر عقود أخرى حتى نستطيع أن ندرك أمكانية إيجاد نمط فكري واحد يلتقي حوله مجموعة من الأفراد. وأحدى المشكلات الأساسية في هذا الأمر تعود إلى الجمع العقلي، بمعنى آخر أن يدرك شخصان أمراً محدداً، ولكن كل بإسلوبه. ويقع نفس الحال لأفراد يعانون من قلق أو معاناة معينة عندما تواجههم أياماً صعبة. ففي عرض ورد عبر كتاب (Day of Infamy 1957) المستند إلى مجموعة مقابلات أجريت مع الذين نجو من معركة (Pearl Harbor) فيوضح الكاتب (WLord) كيف أن أفراداً يقفون على بُعد نصف متر من بعضهم البعض، ويستشعر كل منهم حدثاً ضروساً كسقوط قذيفة مدمرة بالقرب منه، ولكن بشكل مختلف. فأحدهم يرى بريق الأنفجار ولا يستذكر الصوت، والآخر يسمع دوي الأنفجار ويحس بحرارة العصف ولا يتذكر البريق. فإذا راقبنا فريق عمل في منظمة ما في حالات مماثلة بشأن ما أشرنا إليه، فإن الموقف ستكون معقدة كذلك. ففي إحدى الأحداث المسجلة عندي عن عدد من الطيارين المقاتلين الذين أشتركوا في التصدي لطائرة العدو، أدعى كل واحد منهم أنه هو الذي أسقطالطائرة، إلا أنهم لم يكونوا واعين إلى وجود طيار مقاتل آخرغير منتمي لذلك العدد في الجو يقاتل طائرة العدو.
وأنه من المؤكد وفي ظل ظروف الأجهاد والقلق العالي يقع على فريق العمل الواحد أن يعمل أعضائه تفاعلياً ويتشاركون بنفس الفضاء الحضاري، إاذا كان ذلك الفضاء قوياً ومتماسكاً للدرجة التي لا تسمح لأي منهم بالتعاطف مع الضغوط التي قد تقود إدراكهم بأتجاهات متباينة. وتحاول المنظمات العسكرية جاهدة في التغلب على مثل هذه الحال من خلال التدريب المستمر والتمرين لتهيأة أعضائها إلى كيفية التصرف في المواقف الحرجة والمحافظة على رباطة الجأش والشعور بفحوى الرسالة المعدة من قِبل إداراتهم. ويمكن القول أن جانباً من هذا المعنى متوفر في المنظمات ذات الطاقات المتأججة (Hypertexts Organizations) التي طور أفكارها كل من Nonaka & Takeuchi (1995) وأستطاعا تطوير المنهجية الرباعية لنشر المعرفة والمكونة من الجتعمة (Socialization) والتظهيرية (Externalization) والتذويتية (Internalization) والضم والتوحيد (Combination) (حجازي 2005). وكل جزء من هذه المنهجية يمثل مجموعة من التقنيات تعمل على ضم معارف الأفراد سوية ونشرها في نفس الفضاء الحضاري.
وتظهر حجج كل من Takeuchi & Nonaka (1995) أهمية موائمة ومجانسة الحضارة مع التكنولوجيا ومع التخيل. وحتى نضمن نجاح إيجاد الفضاء الأفتراضي، لابد وأن يتمتع أعضاء المنظمة المعنية بثلاثة محركات لتعزو أعمالهم، وهي:
1- عليهم كأفراد أن يكونوا قادرين على تخيل منظمتهم داخلياً وخارجياً بعقولهم، ويحافظون على مسار أدوارهم وعلاقاتهم بالآخرين داخل وخارج المنظمة.
2- وعليهم كأفراد وكأعضاء في فريق عمل أن يكونوا قادرين على إدارة وتوظيف قدر من التكنولوجيا للحفاظ على علاقاتهم بالآخرين، وقادرين على إدارة معارفهم سوية.
3- وعليهم كأفراد في منظمة واحدة التشارك في العديد من القيم والممارسات بقصد ضمان سريان علاقاتهم بشكل أئتلافي وجمعي متجاوب، قدر الإمكان، وكذلك الحفاظ على نشر المعرفة وسيرة المنظمة وحضارتها عبر جوانبها تماماً.
وإذا ما أخفق أفراد المنظمة في أي من المساحات المنوه عنها عبر السطور السابقة، فإن ذلك سيكون مدعاة لتهشم الفضاء الأفتراضي. ذلك أن ضعف التخيل يعني أن لا يكون بأستطاعة المديرين والأفراد أستيعاب مفاهيم ما يجب القيام به، ويكونوا ميالين إلى الأستنباط أو الأهمال الكلي، بمعنى فشل شبكة أعمال الفضاء الأفتراضي كلها.
حدود وأمتدادات الفضاء الأفتراضي The-limit-s & Extent of Virtual Space
أشار الحديث عبر الصفحات القليلة السابقة إلى كيف للفضاء الأفتراضي أن يقوم على تلك المفاهيم الثلاثة بشأن القدرات الإبداعية للمنظمة، والقدرات التكنولوجية لها، وقدرات أعضائها في العمل سوية كفريق واحد متراص. بمعنى هل أن هناك عوامل أخرى، إلى جانب ما تم ذكره، لها دور في تحديد أمتدادات الفضاء الأفتراضي؟ إليكم الجواب على ذلك:
نطاق الرقابة Span of Control
يعكس مصطلح نطاق الرقابة إلى قدرة المدير في التأثير على ما يجري حوله. تحديداً يستخدم مصطلح نطاق الرقابة لبيان عدد الرؤوسين التابعين إلى المدير الواحد. فإذا كان للمدير الواحد عدة جهات ترفع له البلاغات ونتائج الأعمال، فإن ذلك ينذر بالخطر الذي ينشأ بسبب عدم قدرة المدير على تخصيص وقتٍ الكافٍ لكل واحد من تلك البلاغات والتقارير، أو إلى بعضها. ويُعتقد أن هذا المفهوم نشأ في العام (1922) وتم تحديد عدد التابعين للمدير الواحد بستة إلى ثمانية أتباع، وكلما زادت الأمتدادات الجغرافية للمنظمة، فإن ذلك يدعو إلى خفض ذلك العدد إلى الحد الأدنى (جواد 2010).
وإذا ما تم تفعيل نشاط المنظمة الأفتراضية، وبشكل سليم، وأستطاعت أن تقوم بالأتصالات والتواصل وعلى مدى رقعة جغرافية واسعة، سواء أكان مع من تتصل معهم من أعضائها والتابعين لها، أم من أفراد جمهورها المستهدف والذين قد يكونوا من سكان دول متعددة! هذا فضلاً عن أن التنسيق العالي والأشراف على العاملين وروؤساء الوحدات الأخرى، والذين ليسوا على قرب مناسب، يتطلب الأمر أتباع أساليب ومداخل إدارية مختلفة وغير تقليدية. وكمثال على ذلك الأخفاقات التي واجهها أحد البنوك العالمية والذي كان مقره في لندن، ويتعامل تجارياً مع أطراف خارجية متعددة وبعيدة جغرافياً عن المركز، سواء أكان ذلك التعامل يأخذ شكل بنوك مراسلة أم فروع البنك المعني في دول العالم الأخرى. فكيف لهذا البنك أن يحقق الأشراف السليم على عمل الأفراد في تلك المراكز المنتشرة عبر الحدود وفي دول متعددة، في ظل أحتمالية تملص البعض من المسؤوليات، أو الهرب من بعض الأعمال وبما يسمح بتوليد نوع من الأحتيال والغش عبر العمليات التجارية والمالية، والتي أنعكست على على سمعة ذلك البنك. ثم أن إجراء الأتصالات وتبادل المعلومات عبر الفضاء السبراني (Cyberspace) الذي لا يُعد فضاءً مناسباً لمزاولة عمليات التدقيق والمساءلة، في الوقت الذي لا زال الأفراد العاملين في ظل هذه المواقف المحفوفة بالمخاطر بحاجة إلى نوع من الأرشاد والتوجيه الإداريين.
وتبقى قضية عدد المرؤوسين التابعين إلى الرئيس الواحد محل جدل وخلاف. فالرقابة في المنظمات الأفتراضية تتطلب تمرير كم كبير من المعلومات وحجم لا بأس به من المعرفة، وبأكثر ما يكون من تمرير تلك الأمور في المنظمات التقليدية. وتبرز الحاجة العليا إلى الأصغاء عند أستلام تلك المعلومات، وأستيعاب المعرفة المنقولة تلك وتحليلها وهضمها. وعند ما نعمل على تصميم شبكة أعمال المنظمة الأفتراضية، فإن عدد العقد التي يتوقف عندها كل مدير يجب أن يكون ملماً وبعناية حتى لا يعاني المدير من عبء المعلومات المتدفق إليه (عبد العال 2012).
قدرة النظم في التعامل مع مستخدمين متعددين
The Ability of Systems to Handel Multiple Users
عندما نتحدث عن قدرة النظم في التعامل، فإننا أمام موضوع يحتمل وجهان، الإنساني والتكنولوجي. إذ لا بد من تصميم شبكات الأعمال في المنظمات الأفتراضية بعناية عالية لتفتح الأبواب أمام جميع أعضاء تلك المنظمات، ومن ناحية أخرى فإن الأعضاء بحاجة إلى تدريب وإلى مهارات أتصال تمكنهم من العمل كفريق واحد، ودون الأعتماد فقط على أحدهم، وكا هي حال شبكات أعمال المديرين الذين عليهم القيام بكل جهد من شأنه أن يمهد إلى تنسيق الجهود المبذولة من قبل الجميع.
وتبرز أمامنا قضية مهمة، ألا وهي عدم تناسق القوة التنظيمية Organizational Asymmetry Power التي تعرض لها Khalil (1996) بشيء من التفصيل إذ يعبر هذا المصطلح أنه عند أنضمامنا إلى منظمة ما، علينا عند ذاك أن نتنازل عن جانب لا بأس به من أستقلاليتنا والموافقة على مزاولة العمل لصالح تلك المنظمة لقاء منافع وتعويضات تصل إلينا على شكل مرتبات ومكافآت وأية أشكال أخرى. ونحن نقبل بذلك ولأسباب عدة منها:
1- أن المنافع بشكل عام والتعويضات التي نحصل عليها قد تكون أكثر من الجزء الذي نتنازل عنه من أستقلاليتنا.
2- لعب الأدوار التشاركية في أنجاز العمل لتحقيق أهداف المنظمة التي أنضممنا إليها على أمل أن أهدافنا وتتأكد أحلامنا من خلال ذلك الأنضمام.
ومع ذلك فقد تبرز بعض القضايا بعد ذلك، سيما عندما نشعر أن ما فقدناه من أستقلالية لا يرقى إلى المنافع والتعويضات التي نحصل عليها، أو نخفق في تحقيق التشاركية في الوقت الذي تهدف المنظمة إلى التأكيد عليها. هنا يأتي دور شبكات الأعمال الأفتراضية التي بإمكانها تخفيض حزننا الناشئ عن فقدان جزء من الأستقلالية، وتزيد في الوقت نفسه التشارك في القيم السائدة كونها تمكن أعضاء المنظمة (أفراداً وإدارات) من أن يندفعوا بالعطاء في تفعيل شبكة الأعمال لتحقيق غايات وأهداف المنظمة وأعضائها. وأن ذلك لا يتحقق إلا إذا كان لكل عضو مجالاً مناسباً في وعبر شبكة العمل، وإلا ستطفوا إلى السطح قضية عد التناسق في القوة التنظيمية المنوه عنها آنفاً ويتفاقم صراع الأدوار. وهنا يجب التأكيد على قضيتين هامتين:
الأولى: تشير إلى ضرورة جعل تركيب وتصميم شبكة الأعمال بشكل مبسط وغير معقد،
وبما يتيح لأعضاء المنظمة سهولة التعامل مع الأطراف الأخرى عبر تلك الشبكة.
الثانية: الميل نحو إيجاد حراس أذكياء على بوابات الشبكة قادرين على إبطال الأفعال التي
تنعكس على العمل ضد تساوي أمكانات الدخول إلى الشبكة من قبل الأطراف
المعنية.
مصادر المعرفة Resources of Knowledge
لابد من الإشارة هنا إلى أن فضاء المنظمة الأفتراضي مقيد بمصادر المعرفة المتوفرة لها دون شك (القصص، والدراسات السابقة، والبحوث، المستلصات من نواتج الأعمال، والمعاينات، والأحدث، وما ينتج عنها،،،إلخ). وحتى تستمر المنظمة في أستثمارها للفضاء الأفتراضي وبأقصى الدرجات لابد لها من الأستمرار بالبحث والتقصي عن تلك المصادر لأقتناء وتوليد معارف جديدة. وهنا يبرز أمامنا التداخل وتبادل أدوار مفاهيم المنظمة الأفتراضية، ومنظمة التعلم، والمنظمة المندفعة بحرارة نحو ما تريد تحقيقه (Virtual, Learning, Hypertext Organization). وببساطة القول فإن المنظمات غير القادرة على التعلم ستكتشف أن فضائها الأفتراضي مقيد ومطوق بشدة. لذا فإن التدفق المتواصل والنشر السليم للمعرفة سيصبح أمراً غاية في الأهمية، لضمان ديمومة ذلك الفضاء وبقاءه لصالح المنظمة الأفتراضية. وإذا لم يتم بث ونشر المعرفة عبر شبكة الأعمال فإن ذلك سيكون مدعاة لتجميد كل شيء في المنظمة المعنية، ويصبح الموقف عند ذاك مشابه لحال جهاز الحاسوب الذي تنقطع عنه القوة الكهربائية فجأة !!! تخيل ماذا يحصل؟ وبالتالي على المنظمات أن تكون قادرة على توليد وأكتساب الكم المناسب من المعرفة ومن مصادرها المختلفة لضمان بقاء شبكات الأعمال الألكترونية حية وفاعلة.
الحضارة Culture
يملي شكل ونوع حضارة المنظمة عليها طبيعة المعرفة التي يتم تداولها ومناقلتها ونشرها حتى تساهم في تشكيل الفضاء الأفتراضي لها. وقد تعرض Boisot (1995) وبشيء من التفصيل إلى موضوع الحضارة، ولا بأس أن نوجز ما قيل بشأن العلاقة بين الحضارة والمعرفة.
المعرفة المنظمية وكما أشار إليها إلى ذلك Boisot (1995) يتم تداولها ومناقلتها عبر البعد التنظيمي الذي سماه "الفضاء الحضاري" Culture Space. أما كيف يتم تداولها ومناقلتها فإن ذلك يعتمد على نوع وطبيعة المعرفة. حيث تم تقسيم المعرفة وفق معيارين أثنين (ترميز المعرفة ونشرها). إذ يتم تداول ومناقلة المعرفة المرمزة وبثها بسهولة، في الوقت الذي يصعب تداول المعرفة غير المرمزة، التي قد تبقى محبوسة في الأدراج ولا تبث. وهو ما يطلق على هذا النوع بالمعرفة الضمنية (Implicit) والتي يصعب ترجمتها ومناقلتها وبثها بشكل علني إلى الغير. أما المعيار الثاني فيضم المعرفة المنشورة وهي المعرفة الصريحة (Explicit) والمعلنة وهي على عكس الضمنية. وبهذا الشأن جاء Boisot (1995) بأربعة مسميات للمعرفة، وهي:
1- المعرفة الممتلكة (Proprietary) وتكون مرمزة وغير منشورة (يسهل بثها ولكنها غير متارك فيها بشكل كبير. وهي المعرفة المصطنعة من قبل الفرد أو المنظمة، وأن مالكها لا يرغب في أطلاقها، كونه صاحب المصلحة الأولى والأخيرة.
2- المعرفة الشخصية (Personal) وتكون غير مرمزة وغير منتشرة (يصعب بثها والتشارك فيها). وهي المعرفة المودعة في عقل صاحبها أو في الذاكرة التنظيمية ومحتفظ فيها بقوة لتعكس الميزة التنافسية لكل منهما.
3- المعرفة الشائعة (Public) وتكون مرمزة ومنتشرة (سهلة البث وفي نفس الوقت متشارك فيها بشكل واسع). وهي المعرفة التي تكون سهلة الأكتساب والمشرعنة والمتوفرة في الكتب والمصادر الأخرى المعلنة والمسموح الأطلاع عليها وفق الضوابط القانونية.
4- المعرفة السائدة (Common Sense) وهي غير مرمزة ولكنها منتشرة (ليست سهلة البث وفي نفس الوقت متشارك فيها بشكل واسع). وهي التي تعبر عن المنطق العام من المساحات المعرفية الصعبة والمعقدة في التشبيك معها، كونها تتكون من مجاميع معرفية متشاركة، ومعتقدات عامة بشأن بعض القضايا التي تبقى غير مرمزة ولكنها شائعة.

والآن نعود إلى مصطلح الحضارة التنظيمية والذي يغطي فضاء المنظمة، بأعتباره يضم مجموعة القيم والمعتقدات السائدة والمتداولة، والمسلمات التي يشترك بشأن مضامينه أعضاء المنظمة جميعاً، من قريب أو بعيد.
وفي ضوء ذلك فإن الفضاء الحضاري للمنظمة يسمح لهيمنة أنواع من المعرفة وسيادتها فيه. وقد أشير لهذه الأنواع والأشكال من المعرفة التشابه والتماثل مع الحضارة التنظيمية، وأن لكل نوع منها أمتيازات على الأنواع الأخرى. وأطلق عليها المسميات الآتية:
∞ الأسواق: وتستحوذ حضارة الأسواق على المعرفة العامة من الناس الذين يأمونها. ولهذه المعرفة آثار تعزى للأشكال السلوكية والأجتماعية السائدة في السوق، وهي واضحة المعالم ومتشارك فيها من قبل العامة.
∞ البيروقراطيات: وهي حضارة تبرز خلالها المعرفة الممتلكة. وغالبا ما تكون المعرفة مرمزة، إلا أن القائمين عليها يتبنون أتجاهات ميالة إلى الإجابية، لأنهم يعتقدون بأن دورهم يدور حول الحفاظ على المعرفة وليس تزويدها للآخرين. وأن المعرفة في هذه المنظمات تُعد مصدر قوة.
∞ الأقسام: وهي الأقطاعيات التي تمارس عبره المعرفة الشخصية. وأن رعاة المعرفة يميلون إلى الأحتفاظ بها لأنفسهم ولا يتشاركون فيها بسهولة، وهي في الغالب معرفة غير مرمزة. وتُقاد مثل هذه المنظمات بقادة ذوي شخصيات كرازماتية لا ترغب بتخويل الصلاحيات إلى الغير، وتفضل إصدار الأوامر إلى الغير وتقديم الإيضاحات لرصف أعمال تلك الأقسام.
∞ الجماعات: وهي حضارات صغيرة داخل المنظمة الواحدة تنتشر عبرها المعرفة السائدة. ومن خصائص هذه المعرفة عدم تسجيلها وبثها بشكل رسمي، ومع ذلك تنشأ قنوات غير رسمية تسمح لكل فرد من أفراد الجماعة الحصول على نفس المعرفة ويتصرف وفقها.
ومن بين هذه الأنواع الأربعة من الحضارت تبرز البيروقراطيات (إدارة المكاتب) والأسواق في بيئة الأعمال. وتظهر البيروقراطيات في الجزء العلوي من المنظمة. أما ألأقسام فيتحكم فيها قادة أقوياء. وفي كلتا الحاليين تتركز القوة والمعرفة في قمة المنظمة. والمسلك السليم لكسر الطوق يكون عبر أنموذج السوق. وإذا أخذنا بهذا الأنموذج فإن الأمر يتطلب من الأفراد الذين يشغلون مراكزهم في القمة أن يتخلوا عن ولايتهم ويستسلموا لصالح منظماتهم وينشروا معارفهم ويتخلوا عن جانب من قوتهم لتلك المصالح. وأن حضارات الأقسام والجماعات هي نماذج بديلة ولو أنها غير شائعة وموجودة حاليا، وتتميز المنظمات الريادية والمغامرة (Entrepreneurial) بذلك. أما النوع الأخير فيبرز في المنظمات الراديكالية (1993 Semler).
هناك مداخل أخرى لتصور تدفق المعرفة عبر المنظمة الواحدة، إلا أن الأنموذج المطروح قد يكون مفيداً في بيان أثر الحضارة على ثلاث نماذج تم مناقشتها آنفاً. وأن نمطها الإداري يؤشر مدى الرقابة المعتمدة من قبلها، وكذلك الحال فيما يتعلق بحدودها أو بما تسمح به للدخول عبر الشبكة الألكترونية. كما يمكن لهذه النماذج بيان بيان كيف تتولد المعرفة وتستخدم، وأي نوع من المعرفة يمكن أن تكون الأكثر منفعة وأين تعم. وبالتالي لا يمكن التغاضي عن الحضار والمعرفة والهيكل التنظيمي بسبب تبادلية التأثير فيما بينها، وبيان دور كل منهم في رسم شكل المتغير الثاني.
للمزيد يمكنكم المراسلة على الإيميل التالي [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة