الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تهتّك المفاهيم

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2023 / 1 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من الصعب جدا ان يتقولب ذهن الانسان ويصبح ملتزما بخط معيّن لا يحيد عنه ولا يتطور من خلاله الى اتجاهات مختلفة لكن يبقى في إطار الحفاظ على التوجّه العام. ولم يتعرض موضوع من المواضيع لتهتّك المفهوم اكثر من التعامل مع غائب مؤمّل حضوره مع عدم فهم الغاية من الغياب والغاية من الظهور بل والغايات الاخرى التي تضيع في ذهن الجاهل الذي لا يعلم ما الذي يجري حوله.
لقد اعتادت الكثير من المجتمعات على التقليد في كثير من الامور فيما يتعلق باحاديث او حوارات ما بين الناس وما بين افراد الاسرة التي تتميز بثقافتها المتغيرة حسب الوضع السياسي والاجتماعي للمجتمع وللطبقة التي تسيطر على المجتمع اعلاميا وسياسيا واقتصاديا. لذلك ترى المجتمع العربي مثلا جزءا من هذه المجتمعات التي تعاني من التغييرات غير المسيطر عليها بسبب هذا الاعلام المسيطِر على الكثير من عقول الناس حتى وصل الامر الى ان المجتمع او أنّ قسما مهما من المجتمع يخضع لما يمليه اعلام السلطة او اعلام الدفع العاجل او الآجل للسيطرة على العقول! فمن متابع الى آخر تتغير الكثير من المفاهيم عبر وسائل عديدة حتى تصل (وبالفعل وصلنا) الى مستوى خطير من عدم الاهتمام بالاخلاق عموماً وبالمفاهيم القيميّة خصوصاً. ولا اعني جهة معيّنة في السياسة او الدين او السلوك الا من اؤلئك الذين يخضعون الى المعايير الاخلاقية بشكلها العام والناتجة عن تجارب القيم الانسانية والسلوكيات الصحيحة التي تنسجم مع كل طريق او وسيلة صحيحة في الحياة وتتناغم مع الفطرة الانسانية بشكل اساس. هل من شيء اريد ان اثيره هنا من عناوين لا علاقة لها بما اطرح تقليدياً؟ الجواب بالخط العريض: نعم!
هل تعلم انّ ما يقارب من 50 مليون دولار# بلغت استثمارات الفيسبوك في الاونة الاخيرة، بما يسمى بالميتافيرس وهو عبارة عن الاندماج مع البيئة الافتراضية وبناء التواصل مع اشخاص عبر الاثير وعبر التواصل الافتراضي، كما يقول مارك زوكربيرغ من خلال الحديث عن الواقع الافتراضي بالابعاد الثلاثة والكلام ليس بعيدا عن آفاق الحديث والالتصاق بالكون البعيد ولو افتراضاً. ويكون هذا الاندماج او الالتصاق بالعالم الاخر عبر الوسائل الافتراضية بعناوين مختلفة وعبر سيطرات من جهات معيّنة ربما تكون لغايات غير صحيحة اذا لم نبالغ في ذلك نكون لغايات لا اخلاقية لتغيير الكثير من المفاهيم الانسانية تحت تأثير الافتراض البعيد كل البعد عن الواقع بكل ابعاده وصعوداته ونكوصاته. فهناك الانتاج الغريب لكثير من الالعاب والبرامج التي ساهمت وتساهم في تغيير بعض المفاهيم في ذهن العديد من الناس وايصالهم صاغرين(!) الى الشذوذ بحجة الحرية الانسانية والى الانصياع المطلق للآخر المجهول الذي لا ترغبه القيم والفطرة الانسانية بحجّة التقدم والتطور، بينما هي غاية في التخلف والتراجع. لذلك تلاحظ العديد من الشركات ومنها الفيسبوك تنفق الموارد الخيالية على تطوير(!) المفاهيم وتغييرها من خلال وسائل منها المنصات الفردية بلعبة ما او من خلال منتدى دردشة وبالتالي تكون الدردشة وكل ما يشار الى العلاقات والاتصالات والحجج العلمية وغير العلمية تحت نظر ومسمع من يريد لها ان تكون واضحة بكل تفاصيلها. ثم تأتي عملية التدوين الرغبوي او القسري لكلّ ما هو مسموع ومنظور. وبالتالي سيكون هناك تنسيق مفتوح لا يمكن لاي شخص ان يتخلى عنه باي شكل من الاشكال. بل يمكن لاي شخص آخر ان يبني عليه باسلوب معيّن ليفرض ما يريد عليك. من مفاهيم ولغات واساليب وحتى مشاعر مختلفة كما يفعل بك الفلم السينمائي المرعب او المضحك او المبكي او يسوقك الى حيث لا يقبل بها ضميرك ولا اخلاقك وهنا تكمن الخطورة الكبيرة.
هنا لا اريد ان الغي دورا ايجابيا يقوم به ما ذكرت من وسائل التواصل الاجتماعي بل اريد ان انوّه الى شيء ما ربما يكون مجهولاًعن العديد من الناس الغافلين عن انهم سيدفعون الثمن باهضاً بلا اي فائدة تذكر وسيكون هذا الثمن ليس غاليا فحسب بل سيكون خطيرا على الانسجة الاجتماعية بدءا بالاسرة وانتهاء بالمجتمع كاملاً. اي يبدأ من تفكيك الاسرة الى تفكيك المجتمع بتغيير القيم الخاصّة ثم التحوّل الى القيم العامّة، وفي بعض برامجه يبدأ بتفكيك العام بالوسيلة العامة الاكثر انتشارا الى الخاص داخل الاسرة وداخل المدرسة وداخل الجامعة بل الى كل الزوايا الضيقة في المجتمع. وان القيت نظرة على بعض ما اريد ان اثيره هنا ستقتنع بوجهة نظري كما اعتقد. هاك الكثير من العرب ومن طبقة محسوبة على المثقفين، الانجرار الى ما يسير الاخر المنحرف من تغيير قيمهم وتشكيك بكل عقيدة وان ارتبطت بالسماء لمجرد اثارات تشكيكية يتبناها من ليس لديه دليل مهم للكشف بل لديه الاسلوب في التشكيك بحيث يقودك الى ما يريد. منذ اكثر من عقدين من الزمن ومازالت الكثير من المفاهيم الاجتماعية الخاصة في المجتمع العربي تكرر نفسها ثم تنحدر الى ادنى، من مستوى قول الدكتور الوردي عالم الاجتماع العراقي المعروف الى الان يردد العديد بمصطلحاته وارائه بلا دراية في التغييرات التي طرأت على المجتمع العراقي مثلا والعربي عموماً. في مرحلة يمكن ان نطلق عليها بمرحلة ما بعد الوردي، او مرحلة ما بعد النظريات الجزئية التطبيقية التي اثارها العديد من اساتذة وعلماء الاجتماع. ولا ابالغ اذا قلت اننا مقبلون على حملة جديدة من نوع التفكيك للقيم وباموال عربية وبجهود من سار في قافلة بيع القيم بابخس الاثمان. حتى وصل الامر الى المتاجرة بالقيم التي باتت مهلهلة في ذهن البعض بابعاد اهل الثقافة عن مجال السباق للوصول الى الهدف في جعل المجتمع افضل واجمل واكثر التزاماً بهذه القيم المهمة.
نحن والعلاقات الخاصّة!
لقد استخدمت كلمة التواصل ما بين الناس عبر هذه الاتصالات المتيسرة والتي تتيح لنا الكثير من الحلول في الكثير من المجالات ان استخدمت بالشكل الصحيح وليست للهو فقط وتضييع الوقت فيما لا يقدّم، بل يؤخّر الناس عن اداء اعمالها وتحقيق اهدافها السامية. وهنا ينبغي القول ان التواصل الاجتماعي ضروري الى درجة كبيرة لتخفيف الكثير من الاعباء التي تحوّل الناس الى ما لا يستقيم هدف الانسانية. لكنّ الوغول الى مساحات سحيقة في التعامل مع الوسائل المتيسّرة الحالية شيء من المبالغة غير الصحيحة والتي اضاعت الكثير من الفرص الثمينة للتقدم في مجالات عديدة. بعد ان وصل الامر الى ان يستغرق التواصل وقتا طويلا يزاحم الكثير من الواجبات الاسرية للرجل والمرأة، للاب وللام، للولد وللبنت، لمتعلقي التربية الاخرين. ووصل الامر الى ان يستغرق اللهو بهذه الوسائل الى تضييع الفكر او الفكرة حينما يكون الاستغراق بتغيير المواضيع بشكل سريع وتغيير الالوان الظاهرة والاشكال المتعددة والصور المختلفة والوجوه المتباينة في التعبيرات والوجوه المتغيرة في الحركات، والرسوم التي تتحرك بسرع مختلفة بحيث لا يستطيع الذهن ان يلاحق ما يحدث فيسبب للمتابع الكثير من الاثارات غير الطبيعية والتحولات الذهنية المختلفة التي لا تنسجم مع محيطه القريب بل والبعيد احياناً. هذا المحيط الذي يشكّل المؤثّر الاساس على المتابع والذي ينبغي ان يكون في طريق السيطرة العامة من قبل القائمين على المتابعة العامّة والتي اصبحت في وادٍ سحيق بعيداً عن واقع الامة والقيم والقواعد العامة التي من المفترض ان تكون محددة بشكل ومتطورة بشكل آخر. هذا المحيط الذي ينبغي ان يتابَع من قبل ذوي البصيرة والمسؤولية لا ان يصل الامر الى ما وصلت اليه المجتمعات التي اضاعت الكثير من الفرص، كما يحصل في المجتمعات العربية والمجتمع العراقي خاصّة بسبب عدم وجود السيطرة على ما ينشر وعلى ما يبَثّ في وسائل التواصل ووسائل الاعلام ومنها المحطات الفضائية التي هامت على وجهها في صحراء التيه والضياع في اغلبها. ومن الملاحظ كيف سيطرت المناهج المترهلة غير المسيطر عليها على عقول الكثير من الشباب والكبار على حدّ سواء، حتى باتت السيطرة على الذهن تصل الى ان غابت الكثير من فرص التعليم بالجلوس المستمر امام وسائل التواصل الى الدرجة التي تجعل الاستاذ الجامعي يسهر ويثابر على التواصل اكثر من مثابرته على المحاضرات العلمية والابحاث المعمّقة التي وصلت بها الامم الاخرى الى مستويات رائعة. وجعل هذا الوضع الكثير من مدرسي المدارس الثانوية والتعليم الابتدائي او الاساسي ان يهتمّ بصفحات التواصل مع طلابه وكانهم اصدقاء لا مسؤولين منه. وكانهم اصحاب يكون الحديث معهم على تفاصيل الحياة اليومية التي لم يبق هذا الوضع اي خصوصية لانسان! وهذا الوضع جعل العديد من اصحاب المسؤولية العلمية والاخلاقية والتربوية والعملية (ما يتعلق بالعمل) ان يكونوا ضيوفا مستمرين في الضيافة مع بعضهم البعض وفي كل ساعات العمل(!) بلا اي انتاج بل بكسل واضح اثّر على الانتاج بشكل عام وعلى الوضع العام لمستقبل البلد من حيث وضع الخطط للمستقبل ومتابعتها وتنفيذها، وتطويرها. ومتابعة كثرة العطل والمناسبات المختلفة تدلّ على ما اقول، حينما يكون طموح الاستاذ، ان يكون يوم عطلة للجلوس في البيت والمتابعة لصغائر الاخرين.
لقد بدأت بعض الشخصيات بما يسمى بالبثّ الحي على الهواء وهو الوضع الاخطر الذي لا يمتلك فيه من يبثّ اي خطة لعمل او اي خطة لقول شيء مفلتَر وفق القيم والقواعد الاخلاقية والتربوية وحتى الامنية الاجتماعية والامنية التي تتعلق بامن البلد بشكل عام. فلاحظنا العديد ممن يبث عن خطة عسكرية او امنية لمتابعة من خرق ويخرق القانون، او يبث ما يدور من سلوك مع الوالدين باساءة واضحة لهما وما يبث عن الاكل والشرب والملبس بل وصل الامر الى ما يبث عن غرف النوم وما تحتويها هذه الغرف(!)، وهنا تكمن خطور اكبر بل والاكبر على النطاقين الشخصي والاسري، ومنه الى ان يصل الى عدو ما يتربّص بالمجتمع الدوائر من خلال ما ذكرت.

ولنا عودة
د.مؤيد الحسيني العابد
Moayad Alabed
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#
https://www.socialmediatoday.com/news/facebooks-first-big-investment-into-the-metaverse-and-what-it-means-for-t/607339/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تحكم حلب هيئة انتقالية؟.. الجولاني يكشف خطته في سوريا


.. جندي كوري جنوبي ينحني معتذرًا لمواطن بعد نزولهم لفرض الأحكام




.. محللان: موسكو وطهران تضغطان على الأسد واجتماع الدوحة سيكون م


.. مصادر طبية للجزيرة: 36 شهيدا جراء الغارات الإسرائيلية على قط




.. ما حظوظ نجاح جهود التوصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة؟