الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 147

ضياء الشكرجي

2023 / 1 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَمَن يَّعمَل سوءًا أَو يَظلِم نَفسَهُ ثُمَّ يَستَغفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفورًا رَّحيمًا (110) وَمَن يَّكسِب إِثمًا فَإِنَّما يَكسِبُهُ عَلى نَفسِهِ وَكانَ اللهُ عَليمًا حَكيمًا (111)
يكاد يكون كل إنسان معرضا لأن يرتكب عملا سيئا، دون أن يكون إنسانا سيئا بالضرورة. لكن من لوازم استقامة وصلاح الإنسان، إنه إذا ارتكب سوءً راجع نفسه وندم على فعله، واعتذر من الذي توجه إليه العمل السيئ، وإذا كان قد ترك عمله السيئ أثرا، لا بد أن يعمل على إزالة ذلك الأثر، وتدارك خطئه وإصلاح ما أفسده. ومن الناس من تأخذه العزة بالإثم كما يعبر القرآن تعبيرا جميلا، ومثل هذا يستنكف من الاعتذار، وكأنه يخدش كرامته، لكنه لم يفكر حين وجه عمله السيئ تجاه شخص آخر، أن لذلك الشخص كرامة، هو الآخر معتز بها، والمسيء أولى من المساء إليه أن يضحي ولو تضحية معنوية بإعادة الاعتبار إلى من خدش اعتباره. هذا طبعا إذا كانت الإساءة معنوية، أما إذا كانت مادية فلا بد من المبادرة إلى تعويض من أضره ماديا. هذه قضية دينية وأخلاقية على حد سواء، مع الفارق بين معايير الدين ومعايير الأخلاق في تحديد الحسن من القبيح. وطبعا هذا التفاوت ليس على طول الخط، فبعض ما هو حسن أو قبيح دينيا، يكون أيضا بمعايير الأخلاق حسنا أو قبيحا، وهكذا بعض ما هو حسن وقبيح في ميزان الأخلاق هو كذلك في ميزان الدين. فأخلاقيا لا يشعر الإنسان بالذنب، إذا أكل ما هو محرم دينيا، أو شرب الخمر، أو مارس العلاقة الجنسية من غير عقد شرعي بتراضي طرفي الممارسة الجنسية، ودون تسبيب أذى لشخص ثالث، أو إذا لم يؤدِّ الصلاة. وفي نفس الوقت بعض المحرمات الأخلاقية قد لا تعتبر محرمات دينية، كاستغابة أو إهانة غير المؤمن أو الاعتداء عليه على أي نحو كان كان. وحتى لو اعتبر الإساءة تجاه غير المسلم أو غير المؤمن غير محبذة، فهي لا تعدو أن تكون من المكروهات وليست من المحرمات، بمعنى أننا هنا أمام نهي ترخيصي أو إرشادي، وليس نهيا إلزاميا، يعاقب عليها مرتكبها أخرويا. ومن هنا فإنه قول جميل «مَن يَّعمَل سوءًا أَو يَظلِم نَفسَهُ ثُمَّ يَستَغفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفورًا رَّحيمًا»، والتعبير القرآني بظلم الإنسان لنفسه، هو مرادف لارتكاب الذنب، أي المعصية لأوامر الله، حسب الفهم الديني، كالزنا وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير، فيما هي المحرمات في الإسلام، ويا ليت الأديان قد ركزت على الجانب الأخلاقي، فيما هو تعامل الإنسان مع الإنسان الآخر، أكثر من تركيزها على ما اعتبرته معاصي بالمعنى الديني، كترك صيام شهر رمضان، أو عدم المبادرة لحج البيت بمجرد تحقق الاستطاعة بشروطها الدينية، وهكذا لو تأملنا في الوصايا العشر، فقد ركزت على قضايا اعتبرتها مركزية، وما هي بمركزية حسب معايير الأخلاق، وبالتالي حسب معايير الله، وأهملت الكثير من القضايا الإنسانية المركزية، بل أباحت بعض المحرمات الأخلاقية، كالرق والعبودية. وكذلك يعتبر قولا جميلا أن «مَن يَّكسِب إِثمًا فَإِنَّما يَكسِبُهُ عَلى نَفسِهِ»، وهذا له معنيان، الأول إنه وحده يحمل وزر عمله السيئ، ولا يتحمله غيره، مما يؤيده القول القرآني والفلسفي الدقيق «لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِّزرَ أُخرى»، والمعنى الثاني إنما مرتكب العمل السيئ إنما يضر نفسه بالدرجة الأولى.
وَمَن يَّكسِب خَطيئَةً أَو إِثمًا ثُمَّ يَرمِ بِهِ بَريئًا فَقَدِ احتَمَلَ بُهتانًا وَّإِثمًا مُّبينًا (112)
وهنا من غير شك تكون السيئة مضاعفة، فهي تعبر عن ارتكاب عمل قبيح، ثم الأقبح منه أن يرمي مرتكب السيئة بها شخصا آخر بريئا، وهذا ما يعد كذبا وافتراءً وبهتانا.
وَلَولا فَضلُ اللهِ عَلَيكَ وَرَحمَتُهُ لَهَمَّت طّائِفَةٌ مِّنهُم أَن يُّضِلّوكَ وَما يُضِلّونَ إِلّا أَنفُسَهُم وَما يَضُرّونَكَ مِن شَيءٍ وَّأَنزَلَ اللهُ عَلَيكَ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَم تَكُن تَعلَمُ وَكانَ فَضلُ اللهِ عَلَيكَ عَظيمًا (113)
من الصعب أن يفهم المرء كيف يمكن لنبي رسول مصطفى من مجموع النوع البشري من أول إنسان حتى آخر إنسان، ليكلف من الله المطلق في علمه وحكمته ولطفه، بأهم وأخطر وأشرف رسالة إلهية إلى بني الإنسان، تعتبر عينة وزبدة وخاتمة الرسالات؛ كيف يمكن له أن يضله آخرون، حتى لو لم يكن هذا الإضلال قد تم، بل يكفي أنه كاد أن يحصل، بمعنى أنه كان ممكن الحصول. وإذا علمنا أو لنقل افترضنا أن محمدا هو نفسه مؤلف القرآن فيتقمص شخصية الله ليجعله يتحدث عن نبيه، بدلا من أن يتحدث النبي نفسه عن نفسه، فيعني ذلك إنه يقر بضعفه، واحتمال وقوعه تحت تأثير أو خداع آخرين له. لكنه يكتشف ذلك بطريقة ما، فيجعل الله ينبئه به، وهكذا هو كلام العديد من الآيات عن شك محمد بأن ما يأتيه هو الوحي من الله، فينهاه الله عن أن يجعل الريب يتسرب إلى قلبه، بأن ما يأتيه هو الحق من ربه، ثم يطلب منه إذا كان لديه شك أن يسأل الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب. هذه واحدة من العديد من غرائب وعجائب القرآن، كما هي عجائب وغرائب بقية الكتب المقدسة والنصوص الدينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با


.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط




.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-