الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في (فلسفة التاريخ عند فيكو) للمؤلفة عطيات أبو السعود 1/ 3

داود السلمان

2023 / 1 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مقدمة
التاريخ هو السّجل المدوّن لحقب طويلة من تاريخ الانسانية. يهتم التاريخ هذا بالحضارات حيث تطورها ومبانيها، والحقب الطويلة التي مرّت بها، وللخوض في تلك المراحل بهدف خدمة البشرية، وكذلك للاطلاع على حياة ومسيرة تلك الشعوب والأمم، كي نستفيد من تلك المراحل التطورية، وكيف نهضت تلك الأمم من سباتها الفكري والتطوري والحضاري، بل وحتى الإنساني على اعتبار إنّ البشرية مرّت في مراحل متعددة حتى وصلت إلى ما نحن عليه من تطور، حضاري وعمراني وعلمي، فهي – أي الأمم – لا سيما القديمة منها كانت تعيش عيشة هي أشبه ببقية الحيوانات، منها إلى الإنسان الحالي.
والتاريخ، كما يرى الدكتور صلاح قنصوة، في كتابة "فلسفة العلم"، "التاريخ ليس قاصرا على احداث بل هو تاريخ الأحداث والأفكار والأشخاص في نطاق وحدة متفاعلة".
شيء من حياة فيكو
جامبا تيستا فيكو مؤرخٌ وفيلسوفٌ إيطاليٌّ وُلد في نابولي في ٢٣ يونيو عام ١٦٦٨م في حجرةٍ متواضعةٍ فوق مكتبةٍ يملكها والده، نشأ في أسرةٍ رقيقة الحال؛ فكان والده ابنًا لفلاحٍ نزح إلى نابولي عام ١٦٥٦م، وكانت أمُّه ابنة صانع عربات كما كانت هي الزوجة الثانية لأبيه. كان جامبا تيستا هو الطفل السادس لأسرةٍ مكونةٍ من ثمانية أطفال، التحق في سنٍّ مبكرةٍ بمدرسة الآباء اليسوعيين وفيها درس اللغات القديمة، وخاصةً اللاتينية وبعض اليونانية، كما درس الآداب والبلاغة والفلسفة والمنطق واللاهوت والتشريع، وخاصَّةً التشريع الروماني، بالإضافة إلى ما حصَّله من فترات اعتكافِه في مكتبة والده.
عانى فيكو كثيرًا من الفقر والأزمات المادية، وكان أجره زهيدًا متواضعًا فظل يأمل في تحسين أحواله المادية، وتقدَّم عام ١٧١٧م لمسابقة أكاديمية للفوز بمنصب كرسي القانون المدني الذي كان شاغرًا ولكنه أخفق، ولم يكن إخفاقه في الفوز بهذا الكرسي لسببٍ يتصل بكفاءته العلمية، بل كان راجعًا لعدم معرفته بلعبة السياسة الأكاديمية التي لم يفكِّر في خوضها؛ ولهذا عكف على بحث في القانون ليتقدَّم به في المسابقة التالية.
في عام ١٧٢٥م وبعد نشر الطبعة الأولى من "العلم الجديد" كتب فيكو الجزء الثاني من سيرته الذاتية، وهي سيرةٌ طريفةٌ يروي فيها تفاصيل مشوقةً عن مراحل تطوره العقلي والجهود المضنية التي بذلها لإخراج كتابه العظيم "العلم الجديد". غير أن هذا العمل المبدع لم يلقَ من أبناء عصره إلا التجاهل والجحود، وقد عبَّر فيكو عن ذلك في رسالةٍ له لأحد أصدقائه الرهبان شرح له فيها كيف أن كتابه لم يجد صدًى في مدينته ومسقط رأسه التي وصفها بالتبلُّد، وأن من أهدى إليهم كتابه لم يترك لديهم أثرًا ولا أدنى استحسان، وكأن الكتاب قد سقط في صحراء قاحلة. ويذكر فيكو في رسالته أن كل أعمالِه السابقة كان لها غاياتٌ محددة؛ وهي شغل أحد الكراسي بالجامعة، ولكن هذه الأخيرة اعتبرَته غير كفءٍ مما جعله يعكف على عمله الجديد وهو الكتاب الوحيد الذي تمنَّى أن يبقى بعد موته. وقد أثبت التاريخ صدق حدسه، وعبَّر في رسالته أيضًا عمَّا لقيَه في حياته من سوء الحظ وطعنات الحقد وفساد الحياة الثقافية في عصره، ولكنه بعد أن أتمَّ كتابه شعر أن العناية الإلهية كانت رحيمةً به، وأنها قد توَّجت آلامه بتاج العلم الجديد مما جعله ينسى كل ما صادفه من عذابٍ وبؤسٍ وفقرٍ وشقاء، فكتب يقول: "أمدَّني هذا الكتاب بروح بطولية حتى إنني لم أخشَ المنافسين بل لم أعُد أخشى الموت نفسه".
توفر فيكو في آخر سنوات عمره على كتابة إضافات لسيرته الذاتية وأيضًا إضافات وتعديلات لكتابه الأساسي "العلم الجديد" وانتهى منها عام ١٧٤٣م وأرسلها للمطبعة فكانت الطبعة الثالثة عام ١٧٤٤م، ولكنه تُوفِّي في يناير ١٧٤٤م قبل أن يشهد الطبعة الثالثة لعلمه الجديد الذي كان الهدف الأوحد لحياة مؤلِّفه فلم تكن السيرة الذاتية مجرد تتبُّع الخطوات التي أدَّتْ به للوصول إلى العلم الجديد وإنما كانت أيضًا، كما لاحظ كروتشه، تطبيقًا للعلم الجديد على حياة مؤلِّفه.
ولقد لاحقه سوء الحظ الذي لازمه في حياته حتى بعد وفاته؛ فقد كانت تقاليد الجامعة الملكية تقضي بأن يصطحب الأساتذة رفات زميلهم الراحل لمثواه الأخير، وعندما حانت ساعة الجنازة حضر زملاؤه الأساتذة وزملاؤه في الأكاديمية وتم نقل الرفات إلى فناء الدار ووُضعت عليه علامة الجامعة الملكية، ولكن ما لبث أن دبَّ الخلاف بين زملاء الجامعة وزملاء الأكاديمية؛ إذ رفض أعضاء الأكاديمية أن يحمل أساتذة الجامعة الجثمان وانتهى الخلاف بانسحاب أعضاء الأكاديمية تاركين الجثمان، ولم يستطع أساتذة الجامعة الملكية أن يقوموا بالطقوس الجنائزية بمفردهم فأُعيد الجثمان إلى مكانه، وحزن ابنه جينارو حزنًا شديدًا فقام في اليوم التالي بالاتفاق مع الكاتدرائية على نقل الجثمان إلى مثواه الأخير وتحمل النفقات الزائدة، ودُفن فيكو في ركنٍ منزوٍ من الكنيسة وظلَّت رفاته مجهولة وغير معروفة حتى عام ١٦٨٩م حين قام ابنه بعمل نقشٍ على قبر والده وسجَّل في هذا النقش اسم جامبا تيستا فيكو أستاذ البلاغة الملكي والمؤرِّخ الملكي، كم كان رقيقًا في حياته عظيمًا في كتاباته، توفي في ٢٠ يناير عام ١٧٤٤م عن ستة وسبعين عامًا.
راجع: ص 13-14 (الدكتورة عطيات ابو السعود، فلسفة التاريخ عند جامبا تيستا فيكو، منشورات التنوير، الطبعة الثانية، سنة الطبع 2010 بيروت لبنان).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا