الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ فرنسا 10 – فيليب الرابع، الأشد بغضا

محمد زكريا توفيق

2023 / 1 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل السابع عشر.
فيليب الثالث، القاسي، وفيليب الرابع، الوسيم.
1271-1284-1314.

ترك لويس التاسع، المعروف بالقديس، أسير المنصورة، ثلاثة أبناء. الابن الثاني، روبرت، كونت كليرمونت، بعد ثلاثمائة عام، سوف يؤسس أحفاده حكم عائلة البوربون في فرنسا.

الابن الأكبر، فيليب الثالث، لم يترك أثرا يذكر، بالرغم من أنه قد حكم مدة ثلاث عشرة سنة. أهم الأحداث التي تمت في عصره، هو انتفاضة كبيرة ضد عمه تشارلز، كونت أنجو، وملك صقلية.

الفرنسيون، وفرسان مقاطعة بروفيشنال، الذين أحضرهم تشارلز معه، كانوا متعالين ووقحين في سلوكهم مع أهل صقلية، وكانوا يضطهدونهم بشدة.

أخيرا، في عيد الفصح عام 1282، عندما كان شعب باليرمو في طريقه لسماع صلاة الغروب، وهم في ملابس العيد، عامل جندي فرنسي بوقاحة فتاة صقلية، وأغلظ لها المقال. فاندلعت ثورة، انتهت بقتل جميع الفرنسيين في الجزيرة، باستثناء فرنسي واحد، كان لطيفا، وأظرف من الباقين.

هذا الحدث، صار يسمى "حرب صلاة الغروب الصقلية". ثم عرض الصقليون التاج على بيدرو، ملك أراجون، وهي مقاطعة في إسبانيا، بصفته من أقربائهم القدامى.

عظم الأمر على البابا، ولم يرق له هذا الفعل، فغضب غاضبا شديدا، لقبول بيدرو هذا العرض المغري، وأعلن مصادرة مملكته. ثم قام بإرسال فيليب الثالث، ملك فرنسا، لكي ينتزع ملكها من بين مخالبه.

لكن، بعد فترة وجيزة من تقدم الجيش الفرنسي إلى أراجون، ضربهم وباء قاتل، وغدت جندهم تخر فلولا. الملك نفسه، وقع أسيرا، وهلك عام، 1284.

فآل حكم الجزيرة إلى بيدرو، بالرغم من أن تشارلز أنجو، وأبنائه، كانوا يحكمون نابولي في البر الرئيسي.

فيليب الرابع، المسمى، الوسيم، كان يبلغ من العمر سبعة عشر عاما، عندما تقلد مقاليد الحكم. لكنه كان ذكيا وماكرا مثل عمه، تشارلز أنجو، أو جده الأكبر فيليب أغسطس.

كان هدفه الأكبر، هو زيادة قوة التاج الفرنسي بأي وسيلة ممكنة، مشروعة أم غير ذلك. لم يكن مجبرا على التعامل مع ملك إنجليزي مثل جون. وكان إدوارد الأول، ملك بريطانيا، منشغلا بالأمور الداخلية، وأكثر حرصا على تقوية ملكه، من أن يتدخل في شؤون فرنسا. ولم يكن يهتم كثيرا بدوقاته الذين يحكمون مقاطعات داخل فرنسا.

عندما اختلق فيليب الرابع مشاجرة، وقام بالاستيلاء على مقاطعة جوين، في جنوب فرنسا، وإضافتها إلى جملة ما ملك، ذعن إدوارد، ولم يسحب رجاله من اسكتلندا للقتال، حتى لا يزيد الأمر احتداما، والطين بلة. بل بادر وصنع معه سلاما، ترك له منطقة جاكسون، وهي مساحة كبيرة في جنوب فرنسا.

ثم قام إدوارد بتأكيد السلام، بزواجه من أخت فيليب، مارجريت، وقام أيضا بخطوبة ابنه، الشاب إدوارد، من ابنة فيليب الصغيرة، ايزابيل.

لكن الشاب إدوارد، كان خاطبا ابنة كونت فلاندرز، جاي دامبيير. المسكين، الذي قمعه فيليب بشدة، وسجنه لكي يبقى طوال حياته في السجن.

بيد أن الجزء الأكثر بروزا في تاريخ فيليب الرابع، هو تعامله مع الكنيسة والباباوات. فعلى مدى المائتي سنة السابقة لهذه الأحداث، كانت سلطة البابا طاغية، تنمو أكثر وأكثر، وتزداد قوة. تتحكم في الملوك والأمراء في أوروبا.

وصلت إلى حد اللوم والتوبيخ في بعض الأحيان، بسبب عصيانهم وجرائمهم. لكن في كثير من الأحيان، كان يتم التدخل، عندما يمس الأمر بقوة الكنيسة وسلطتها الطاغية.

في ذلك الوقت، كان فيليب الرابع، يحيا حياة بذخ مسرفة. تسببت في أزمة مالية كبيرة، وكان في حاجة ملحة لأموال الكنيسة. البابا، بونيفاس الثامن، كان قد بلغ من الكبر عتيا، إلا أنه كان في الحق شديدا، لا يخاف لومة لائم.

أرسل البابا رسالة لوم وتوبيخ، إلى الملك فيليب، أغلظ له فيها المقال. وطالبه بإطلاق سراح الكونت فلاندرز، المسجون ظلما، وأمره بصنع سلام معه. أما بخصوص المساعدة المالية، فنجوم السماء أقرب له منها، ولن يحصل من الكنيسة على فلس واحد.

غضب فيليب من رسالة البابا جدا، ولم يزدد إلا اغترار، وأخذته العزة بالاثم. وتبادل الاثنان الرسائل شديدة اللهجة، مما زاد الطين بلة، إلى الدرجة التي هدد فيها البابا بخلعه.

فأرسل فيليب إلى بلدة أناجني، حيث كان يعيش البابا، اثنان. فارس فرنسي، يدعى نوجاريت، وإيطالي يدعى سيارا كولونا، كانا قد تشاجرا مع البابا من قبل، وفرا إلى فرنسا طلبا للحماية.

ركبا إلى أناجني وهما يهتفان: "يعيش ملك فرنسا فيليب الرابع، والموت للبابا بونيفاس".

أحاطتهما فرقة من الحرس، لكن لم تستطع فعل شيء. وتجمع حشد كبير أناجني، لكنهم بفعل الصدمة، لم يقدروا على إسكاتهما. بعد ذلك، ذهب الرجلان إلى الكنيسة، حيث وجدا البابا، وهو رجل عجوز، طاعن في السن، يبلغ من العمر ستة وثمانين عاما، يجلس بهدوء بجانب المذبح، وهو متوشح بأرديته اللامعة، والتاج المرصع قابع فوق رأسه.

هرعا إليه وهما يكيلان له السباب والشتائم، ثم قاما بصفعه على وجهه، وكان كولونا الإيطالي عازما على قتله، لولا نوجاريت، الذي رق له، ووقف حائلا في طريقه. ثم جراه إلى خارج الكنيسة، وأبقياه سجينا لمدة ثلاثة أيام.

في هذه المدة، تعافى سكان البلدة من هول المفاجأة، ونهضوا لكي ينقذوا البابا، ويقودوه بأمان إلى روما. لكن ما مر به عماد الدين، يبدو أنه كان أكثر من قدرته على الاحتمال.

فقد وجد البابا بعد عدة أيام، مستلقيا على الأرض ميتا، وهو يعض على رأس عصاه، والرغوة تخرج من بين شفتيه، وشعره الأبيض، ملطخا بالدماء، كما لوكان قد رأى عفريتا، أو مر بنوبة رعب، أدت إلى اصطدام رأسه بحائط صخري. هذه الميتة التي تدعو للشفقة، حدثت عام 1303.

تم اختيار بابا آخر. لكن بمجرد أن وجد فيليب الرابع، أن البابا الجديد، مصمما على استخدام سلطاته المخولة له، ويريد السيطرة عليه، تآمر ودس له السم الزعاف، لكي يتخلص منه. ثم قرر أن يكون البابا الجديد من اختياره هو.

لقد كان هناك عدد كبير من الكرادلة الفرنسيين، مستعدين للتصويت لأي شخص يختاره فيليب الرابع. في اجتماع سري مع رئيس الأساقفة، بوردو، أقسم بأنه سيحقق رغبة الملك. ثم أحضر الملك صديقه المفضل لكي يصبح بعد انتخابه، البابا كليمنت الخامس.

لدهشة الجميع، البابا الجديد كليمنت الخامس تم تتويجه في ليون، بدلا من روما، ثم اختار الإقامة في أفينيون، في مقاطعة بروفانس، والتي بالرغم من انتمائها إلى الإمبراطورية المقدسة، تقع بالكامل في فرنسا، وتحت سلطة الملك فيليب.

طالما كان مقر الباباوات في أفينيون، فلن يكونوا شيئا سوى أدوات في يد ملوك فرنسا. وهذا حقا، كان أكبر مصيبة حدثت لفرنسا في تاريخها. وهذا يذكرنا بأمر الخلفاء العباسيين، عندما كانوا دمى في أيدي السلاطين المماليك.

سلطة الباباوات، في السابق، كانت تتدخل، إلى درجة كبيرة، في الشؤون الداخلية لملوك وأمراء أوروبا. وهي في الغالب، أمور لا تمت إلى الدين بصلة. لكنها كانت السلطة الوحيدة التي تبقي الملوك والأمراء على عروشهم.

لكن، عندما يكون مقر الباباوات على التربة الفرنسية، كانوا يخشون النقد والتوبيخ من رئيس البلاد. وبالتالي، لم يكن هناك ما ينبه الملوك والأمراء إلى الأخطاء والفساد. فيستمر سلوك الملوك والأمراء، من سيء إلى أسوأ، بدون وازع أو رادع، أو لفت نظر الكنيسة ولومها.

كان فيليب الرابع، الوسيم بالاسم فقط، رجلا جشعا للغاية. لا يكل في البحث عن النقود. قام بفرض الضرائب الباهظة، وقمع شعبه بضراوة للحصول عليها.

في الماضي، ذهب اثنان من الجنود الرهبان إلى القدس، للدفاع عن الأماكن المقدسة. بعد فترة وجيزة من حملة لويس التاسع الصليبية، وزيارته إلى عكا، وهي آخر بقعة كانت في حوزة المسيحيين، لكن تم طردهم منها.

في ذلك الوقت، كان فرسان الإسبتارية في جزيرة رودس، يحلمون بالعودة للأراضي المقدسة. بينما عاد فرسان الهيكل إلى أوروبا، لكي يقومون بتدريب الشباب على حمل السلاح.

كان فرسان الهيكل، أغنياء، يملكون أراض كثيرة. هم أشهر جماعة تعرضت لمحاكم التفتيش. وهم الدليل الواضح على أن محاكم التفتيش كانت تستخدم، لا لحماية العقيدة، ولكن أيضا لأغراض شخصية وسياسية.

تأسست جماعة فرسان الهيكل عام 1119، لحماية طرق الحجيج إلى الأراضي المقدسة. مع مرور الوقت، صار هؤلاء المحاربون الرهبان ركنا هاما في الحروب الصليبية. قتل منهم ما يزيد عن 20 ألف أثناء تلك الحروب.

كانت لهم مكاتب عديدة منتشرة في دول أوروبا المسيحية. وكانوا يمارسون نشاطا ماليا يعتبر هو الأول من نوعه، مثل نشاط البنوك حاليا. هذا النشاط يعتبر السبب في نكبتهم وسبب القضاء على جماعتهم.

كان فيليب الرابع، ملك فرنسا، مدينا بمبالغ ضخمة لفرسان الهيكل بمدينة باريس. في عام 1307م، وجه فيليب الرابع تهمة الهرطقة إلى فرسان الهيكل.

جاء في عريضة الاتهام، إنهم ينكرون ألوهية المسيح، ولا يقدسون الصليب، ويقومون بقتل الأطفال، وقصص أخرى مخيفة.

الأدهى من ذلك، اتهامهم بأنهم يعبدون شخصية غريبة باسم بافوميت، ربما تكون اسما مستعارا للنبي محمد. هذه التهم لم يثبت صحتها أبدا. إلا عن طريق اعترافات، كانت تتم تحت التعذيب بآلات جهنمية، وبواسطة زبانية محاكم التفتيش.

أدانت محاكم التفتيش فرسان الهيكل بالتهم الملفقة. وقامت قنصلية فيين، بسجن وتعذيب أعضائها، ووقف نشاطهم ونزع ممتلكاتهم عام 1312.

الفصل الأخير في رواية فرسان الهيكل يأتي عام 1314، عندما تم حرق زعيمهم، جاك دي موليه، على الوتد، أمام حديقة قصر فيليب الرابع.

كان الرجل عجوزا ذو لحية بيضاء. وبينما كان واقفا يحترق وسط لهيب النار، كان يسب ويلعن ويتوعد البابا كليمنت وملك فرنسا فيليب، بيوم الحساب عندما يقفان أمام الرب.

بعد تدمير جماعة فرسان الهيكل، تم إلغاء كل ديون التاج الفرنسي قبل فرسان الهيكل. طريقة عبقرية للتخلص من الديون الكبيرة.

بعد أربعين يوما، مات البابا كليمنت، وبعد ثمانية شهور، مات فيليب في حادث أثناء رحلة صيد، عام 1314. تاركا اسما، هو الأكثر بغضا واحتقارا في التاريخ الفرنسي كله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Brigands : حين تتزعم فاتنة ايطالية عصابات قطاع الطرق


.. الطلاب المعتصمون في جامعة كولومبيا أيام ينتمون لخلفيات عرقية




.. خلاف بين نتنياهو وحلفائه.. مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث ملف ال


.. تواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 25 دولة| #مراس




.. السيول تجتاح عدة مناطق في اليمن بسبب الأمطار الغزيرة| #مراسل