الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة لسمات التحديث في فكر رفاعة الطهطاوي الحداثة تشتبك مع الحريات الدينية والفكر الوجودي

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2023 / 1 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رفاعه مؤسس النهضة الفكرية الحديثة قبل مطلع القرن التاسع عشر هذه النهضة التي استقاها من شيخه حسن العطار وساهم الطهطاوي بتاسيس البنى النهضوية الفكرية فيما بعد حيث لولا شجاعته بتصديه لمسائل تعتبر من المحرمات في وقته لما انفتح الباب فيما بعد لرواد النهضة بتقييم اسس اخرى وايجادها لرفعة الفكر وتحرره .
ان فكر رفاعة فكر موسوعي بشكل كبير ولكن ما ميزه هو مصطلحين اكثر رفاعه من استخدامهما الا وهما الحداثة والتاحديث ولهذين المفهومين اسس في حياة رفاعه حيث استقاهما من استاذه حسن العطار الذي يقول: ان بلادنا لا بد ان يتغير حالها ويتجدد من المعارف ما ليس فيها )) ومعنى تغير الاحوال هو التحديث والتمدين للبنية الاجتماعية عامة اما تجدد المعارف فهو القول بالحداثة الفكرية والقيمية والمعنوية والسلوكية عامة وهو مخاض نهضوي تجسد في هذا المفهوم الجديد للزمن والتاريخ في تجربة الشيخ الطهطاوي وبهذين المفهومين اي الحداثة والتحديث ارتفعت تجربة رفاعة فوق المفاهيم القديمة للزمن والتاريخ التي كانت منغلقة في الرؤى والمفاهيم الدورية او السلفية الاسترجاعية ولعل هذه الرؤية الزمننية التاريخية الموضوعية التي تعمقت برحلته المكانية الى رؤية وخبرة زمنية تاريخية اخرى اكثر رقيا وتقدما في فرنسا التي ساهمت في شحذ همته في المجال التفكيري العقلائي وان يتخلص اكثر فاكثر من الحدود والقيود السلفية والتوفيقية والى الارتفاع الى افاق الرؤية العقلانية المستقبلية اي الى افق الترقي والتمدن والنهضة ولهذا يعيد رفاعة بناء الخريطة التاريخية للانسان في مراتب ثلاث .الاولى هي مرتبة الهمل المتوحشين والثانية مرتبة البرابرة الخشنين والثالثة مرتبة اهل الادب والظرافة والتحضر والتمدن والعمران والسؤال الذي يجب ان نطرحه هنا قبل الخوض بفكر رفاعة بشكل اكثر عمقا هل ما زال فكر رفاعه بعد مرور اكثر من مائة سنة طريا وقابلا للعمل به في المجتمعات؟ والجواب نعم بسبب انتكاس فكر النهضة الذي ابتداه رفاعه الذي تكلم عن سلوكيات التربية لدى الطلبة الذكور والاناث على حد سواء في كتابه المرشد الامين للبنات والبنين في 400 صفحة وقد راج في حينه هذا الكتاب رواجا عظيما فسرعان ما نفدت طبعته الاولى واعيد طبعه بعد عامين من وفاة المؤلف اي سنة 1875م. وهذا الكتاب يصنف بانه اول كتاب في التربية يسجله الادب العربي الحديث .
كم استطعنا ان نرتقي بواقعنا التربوي السلوكي داخل مدارسنا وداخل البيئة الاجتماعية التي تحتضننا الى ما ذهب اليه رفاعه الطهطاوي قبل اكثر من مائة سنة من افكار ومسائل ؟ والجواب لا شيء في حقيقة الامر الا بعض الامور من هنا وهناك وافكار بسيطة جدا .
يقول الباحث محمود امين العالم ان مفهوم الحداثة مفهوم مراوغ جدا وقد نشا كمصطلح مع بروز النظام البرجوازي الاوربي على انقاض النظام الاقطاعي ومع ظهور القوميات وتطورها مع حركة التنوير الفكري والقيمي ثم مع الثورة الفرنسية كتحقق عملي تحديثي داخل البنية الاقطاعية وتجاوزا لها وهكذا برزت الحداثة كامكانية مفتوحة على امكانيات شتى بل قد تجتمع فيها نقائض فكرية مثل الراسمالية الليبرالية والماركسية والبنيوية والوجودية كما انها في جوهرها تعني الخروج عن دائرة الجمود والظلامية والاقطاعية والاستبداد السلطوي تاكيد لحرية الانسان الفردية والاجتماعية والفكرية والابداعية وفاعليته التغييرية في المجتمع والطبيعة ايضا وفي التقدير العام ان الحداثة والتحديث لا ينتميان الى الحاضر فحسب بل هما دلالتان تاريخيتان اي تعبران عن تحققات موضوعية يتجاوز بعضها بعضا دون الغاء الطابع الحداثي وهنا نتوقف ونتتسائل الى اي حد يمكن اعتبار دعوة رفاعة ا لطهطاوي هي دعوة حداثية ذات توجه تحديثي ؟ ان اغلب الدراسات التي تناولت رفاعة تعتبره مفكرا توفيقيا يسعى الى مد جسور بين الشريعة والمجتمع وتكاد تكون الشريعه لديه هي المصدر والمنطلق وهذا الراي نجده بمستوى متميز عند الشاعر الكبير ادونيس حيث يقول: ان الطهطاوي ينظر الى التمدن من موقع الايمان المطلق المسبق بالدين الاسلامي وصحته فاصلا بين العلم والدين وهو يرى تبعا لذلك ان معرفة الالات التي يتم بها تحسين الحياة والعمران ويتم التمدن اجمالا لا تتناقض مع الدين بل على العكس يحث على هذه المعرفة وعلى هذا يجب على المسلم طلب هذه المعرفة والسعي اليها وان كانت لدى غير المسلمن اي الكافرين ولكن يجب بالمقابل صد جميع الافكار التي تفسد الدين وتع مرفوضة بمقتضاه هناك اذن كما يقول ادونيس على مستوى تحسين الحياة امكان التوفيق بين الدين والعلم غير ان هناك انفصالا كاملا بينهما على مستوى النظر الى الله والوجود والاخرة ويخلص ادونيس من هذا الى اننا ((لا نرى عند الطهطاوي شيئا جديدا يضيفه نظريا الى الموقف التوفيقي الذي وقفه الفلاسفة العرب القدامى وخصوصا ابن رشد واكدوا فيه الوحدة بين الدين والفلسفة بل ان ابن رشد كان اكثر عمقا واكثر بعدا في التحليل العقلي واكثر حذرية)) ثم ينتهي ادونيس من هذا الى حكم عام على مرحلة عصر النهضة العربية كلها في القرن التاسع عشر قائلا : وفي هذا يمثل الطهطاوي نموذجا لعصر النهضة الذي ساد الحياة العربية الحديثة على مستوى النظام ومؤسساته .ويثير بعض المفكرين عدة اشكاليات على دعوة ادونيس هذه حول رفاعه الطهطاوي ومنها:
اولا:
انه يقرر ان الطهطاوي اقتصر الى الدعوة الى معرفة الالات وهذا غير صحيح بل لقد دعا الى معرفة ما وراء صناعة الالات من علوم نظرية بل حتى تلك العلوم النظرية التي تتناقض مع التعالم الدينية بل اتخذ من بعض الاحاديث النبوية اساسا داعيل بل فارضا ضرورة هذه المعرفة وبهذا فهو لم يفصل بين العلم والدين وان ميز بين بعض الحقائق العلمية النظرية والحقائق الدينية ووقف من ذلك التمييز والتعارض موقف التعجب او التشنيع او الرفض لا موقف الانفصال الكامل وهنا نذكر بيتين طريفين له في هذا الشان:
ايوجد مثل باريس ديار
شموس العلم فيها لاتغيب
وليل الكفر ليس له صباح
اما هذا وحقكم عجيب
ومثل قوله ان الفرنساوية من الفرق التي تعد التحسين والتقبيح من شان العقل (ولعله يذكرنا هنا بموقف المعتزله) ثم يقول ((واقول هنا انهم ينكرون خوارق العادات ويرون انه لا يمكن تخالف الامور الطبيعية اصلا وان الاديان انما جاءت لتدل الناس على فعل الخير واجتناب ضده وان عمارة الدنيا وتفرق الناس وتقدمهم في الاداب والضرافة تسد مسد الاديان ...الخ.
ثانيا:
وليس صحيحا ان الطهطاوي لم يضف جديدا الى الموقف التوفيقي الذي وقفه الفلاسفة المسلمون القدامى وخاصة ابن رشد،
أ‌- ان المقارنة من ناحية غير جائزة لان الفلاسفة المسلمين القدامى ومن بينهم ابن رشد وقفوا عند حدود الفكر النظري الخالص في محاولتهم التوفيق بين الشريعه والحكمة ولم تكن هذه المهمة الفكرية للطهطاوي فهو ليس فيلسوفا وانما هو فكر عملي او مبشر ديمقراطي تقدمي وان كنا نجد في الحقيقة هذا التوفي بالطبع في فكره وان لم يتعمقه فلسفيا ولكنه اشار اليه في اكثر من موضع .
ب‌- ان الطهطاوي تجاوز فضلا عن هذا الفكر النظري كما ذكرنا الى الفكر العملي التطبيقي اي الى تغيير الحياة بمقتضى المصلحة متمشيا مع فقهها وخاصة عند ابن القيم الجوزية وبمقتضى ما ومصل اليه الفكر العلمي الحديث رغم ما يقدم عليه من اسس لا تتفق مع حرفيا ما جاء به الشرع.
ت‌- ان جوهر فكر الطهطاوي وجوهر دعوته ليس هو اثبات الا تعارض بين الفكر العلمي والدين او التمسك في الدين اساسا اي ليست دعوته في جوهرها دعوة الى التوفيق وانما في تقديري جوهر دعوته هي العقلانية الديمقراطية في اطار الدين بل لعل دعوته الى الديمقراطية السياسي كانت تتضمن فصل الدين عن الدولة او حرية الاختيار السياسي دون التزام بدين محدد بحسب قاعدة المصلحة او بتعبير اخر كذلك : ان الجانب العقلاني العملي العمراني في فكره هو السمة المميزة لهذا الفكر او بتعبير ثالث اكثر وضوحا وحسما اننا نستطيع القول بانه حاول واجتهد في سبيل تطويع الدين لاحتياجات العصر بل تطوير الدين تطويرا يتفق واحتياجات التمدن والتحضر وبتعبير رابع هو مفكر عقلاني ينظر الى الدين من زاوية ضرورة التمدن والتحضر ولا ينظر الى التمدن والتحضر من زاوية الدين وبتعبير خامس اتجاسر بالقول بانه لم يتخذ الدين معيارا واساسا للتحضر والتمدن وانما العكس من ذلك اتخذ من التحضر والتمدن اساسل للنظر الى الدين.
ث‌- ولهذا فليس صحيحا ان يعتبر الطهطاوي نموذجا بالمعنى السان سيموني على حد تعبير الاستاذ محمود امين العالم اي نموذجا لفكر النهضة مستندا الى الفصل بين الدين والعلم وعلى التعارض بينهما او التوفيق بينهما من زاوية الجانب العملي الصناعي فقط ذلك ان عصر النهضة الاسلامي العربي كان يجمع بين اكثر من تيار فكري فالى جانب هذا الفكر العقلاني الديمقراطي الذي تعبر عنه كتابات الطهطاوي كان هناك الفكر الوهابي المتزمت الذي كان يذهب الى انه ((لا يصلح حاضرنا الا بما صلح به ماضينا )) وكان هناك الفكر العقلاني غير الديني مثل فكر شبلي شميل اي لم يكن هناك نموذج نهضوي واحد.
ه- تبقى ملاحظة اخيرة منهجية فيما يتعلق براي ادونيس وهي ان ادونيس استخلص رايه هذا من قرائته لكتاب تخليص الابريز وهو الكتاب الاول للطهطاوي وبصرف النظر عن صحة او عدم صحة ما استخلصه ادونيس من نتائج لقرائته لهذا الكتاب فان استخلاصه لفكر الطهطاوي كان ينبغي ان يكون من مجمل كتبه وخاصة من كتابه مناهج الالباب العصرية الذي يعد من اواخر كتبه وانضجها كذلك وهنا اتساءل هل لم يعرف ادونيس هذا الكتاب الحق انه كان يعرفه بل قام بعرضه باول الفصل المخصص لكتابته عن رفاعه رافع الطهطاوي ولخصه في امور خمسة هي:
1- ضرورة اشراك الشعب في الحكم وضرورة تربيته من اجل هذه الغاية وخاصة من الناحية السياسية.
2- ان الشرائع تتغير بتغير الضروف مما يعني تفسير الشريعه تفسيرا يتفق مع حاجات العصر
3- الالحاح على فكرة الوطن.
4- ضرورة دراسة العلوم الحديثة بحيث يتساوى الفتيان والفتيات .
5- ربط التغير بالحرية.
حيث يقدم ادونيس هذا التلخيص السريع للكتاب فيما يقرب من ربع صفحة كان يمكن ان يستخلص منها نتائج مختلفة عن تلك التي استخلصها كما راينا سابقا ولكته سرعان ما ينتقل الى الكتاب الاول تخليص الابريز ليعرضه في ثلاث صفحات واتساءل لماذا لم يستخلص ادونيس نتيجة مغايرة من تلخيصه لكتاب مناهج الالباب وبخاصة من قول الطهطاوي في هذا الكتاب ان الشرائع تتغير بتغير الضروف اتساءل لماذا ؟الحق ان ادونيس لم يقرا هذا الكتاب مناهج الالباب بل اكتفى بالاطلاع عليه في خلاصته في كتاب البرت حوراني الفكر العربي في عصر النهضة وفي الترجمة العربية لهذا الكتاب ودليلي على ذلك انه يسمي رفاعة الطهطاوي باسم رفعت الطهطاوي وهي التسمية التي اسماه اياها المترجم بل اقول ان قول ادونيس في بداية النص الذي ذكرنه والذي يقول فيه((ان الطهطاوي ينظر الى التمدن من موقع الايمان المطلق المسبق بالدين الاسلامي وصحته يكاد يكون تكرارا حرفيا لقول البرت حوراني بل لعل راي ادونيس عامة في الطهطاوي هو نفسه راي البرت حوراني الذي يقول كذلك في كتابه: ان الطهطاوي كان مشدودا بجذور المعتقدات الموروثة فلم ير يوضوح التناقض بين الاثنين وانه لا امكانية للتوفيق بينهما .
والواقع ان القراءة الدقيقة لكتاب مناهج الالباب تتعارض مع هذه النتائج التي انتهى اليها حوراني واعاد تكرارها ادونيس ولا تصلح حكما عاما على فكر الطهطاوي او على مجمل الحركة الفكرية والادبية العربية في عصر النهضة كما عرض لها ادونيس في الجزء الثالث من كتابه الثابت والمتحول .
وينبغي الاشارة مليا الى ان افكار الطهطاوي في التقدم من جوانبه المختلفة ليست حصيلة نظر عقلي وقراءة عميقة في التراث العربي والكتب الفرنسية وحسب بل هي في المقام الأول ثمرة معايشة للحياة الأوربية في باريس من عام 1826م-1831م وفهم لجوانبها المختلفة وللأسس التي تقوم عليها وسنناقش تواجد فكر الطهطاوي مع عدة مجالات ومنها :
اولا: الفكر السياسي: حيث كانت حياته قبل البعثة في فترة حافلة بالتحولات السياسية في مصر فقد ولد الطهطاوي في العام 1801م الذي رحلت فيه الحملة الفرنسية عن مصر وحضر فيه محمد علي اليها وتتابعت الاحداث فأصبح محمد علي حاكما عليها وقد ذكر الطهطاوي اهتمامه اثناء بعثته الى فرنسا بالكتب السياسية حيث يقول:وقرات في الحقوق الطبيعية مع معلمها كتاب برلماكي وترجمته وفهمته فهما جيدا وهذا الفن عبارة عن التحسين والتقبيح العقليين يجعله الافرنج اساسا لاحكامهم السياسية المسماة عندهم شرعية وقرات ايضا مع مسيو شواليه جزئين من كتاب يسمى ((روح الشرائع)) مؤلفه شهير بين الفرنساوية يقال له مونتسكيو وهو اشبه بميزان بين المذاهب الشرعية والسياسية ومبني على التحسين والتقبيح العقليين ويلقب عندهم بابن خلدون الافرنجي كما ان ابن خلدون يقال له عندهم منتسكيو الشرق اي مونتسكيو الاسلام.
وقرات ايضا في هذا المعنى كتابا يسمى ((عقد التانس والاجتماع الانساني )) مؤلفه يقال له روسو وهو عظيم في معناه وقرات ايضا في كازيطات ((كتب ومجلات)) العلوم اليومية والشهرية التي تذكر كل يوم ما يصل خبره من الاخبار الداخلية والخارجية المسماة البولتيقية ((السياسية)) وكنت مولعا بها غاية التولع ))حيث يوضح النص السابق معرفة الطهطاوي باهم كتب فلسفة السياسة التي كونت الفكر السياسي حتى ذلك الوقت ادرك الطهطاوي مدى اختلاف الفكر السياسي الحديث عن نظرية الحكم كما كانت مطبقة في مصر والعالم العربي في ذلك الوقت واستخدم الطهطاوي عبارة ((التحسين والتقبيح العقليين)) وصفا لتحكيم العقل واعماله وتطبيق النظريات التي يصل اليها الفكر في المجال السياسي ايضا دون الانطلاق من الكتب الدينية وعرف الطهطاوي السياسة باصطلاحها الاوربي البوليتيقيا وتتناول البوليتيقيا عند الطهطاوي احوال الداخلية والخارجية ((من جهة ادارتها وسياستها وما فيها من التولية والعزل ونحو ذلك))وقسم الطهطاوي البوليتيقيا التقسيم المتعارف عليه في اوربا الى بوليتيقيا خارجية وتتناول ما كان بين الدول والملل وبوليتيقيا داخلية ووتناول ما كان في دولة واحدة مما يتعلق بانتظامها وتدبيرها ))
واشار الطهطاوي الى مسالة مهمة في الامر السياسي الا وهي ان الفرنسيين فرضوا تعديلا هاما في لقب رئيس الدولة الفرنسية حيث كان الملوك السابقون تخذون لانفسهم في فرنسا لقب ((ملك فرنسا بفضل الله تعالى)) وكان ملكهم لفرنسا قد اتيح لهم على سبيل الحق او التفويض الالهي ولكن احداث سنة 1830م ارغمت الملك على ان يعدل هذا اللقب الى ملك الفرنسيين وان يعتبر هذا اللقب صادرا من الشعب فالشعب مصدر السلطات والحاكم يحكم بتفويض من الشعب وهذه المسالة شبيهة جدا لما حصل لدى ملوك المسلمين فيما مضى مما يعلمنا ان الحاكم الديني واحد في سماته بجميع الاديان مع اختلاف الشخصيات .
وتناول الطهطاوي في كتبه المتتالية تفاصيل اشكال مختلفة من ممارسة الحرية واهم هذه الاشكال حرية الدين وحرية الراي والحرية السياسية وحرية التملك .
اما الحرية الدينية فقد كانت موضوع المادة الخامسة من الميثاق الدستوري الفرنسي ونص هذه المادة في ترجمة الطهطاوي ((كل انسان موجود في بلاد الفرنسيين يتبع دينه كما يحب لا يشاركه احد في ذلك بل يعان على ذلك ويمنع من يتعرض له في عبادته )) .
كما تناول الطهطاوي حريات اخرى ذكرها في اطار الحقوق المدنية او الحقوق الاهلية منها حرية التحرك والتنقل وفي هذا يقول الطهطاوي بان المواطن حر يباح له ان ينتقل من دار الى دار ومن جهة الى جهة بدون مضايقة مضايق ولا اكراه مكره )) والى جانب هذا فلا يجوز ان ينفى مواطن الا بحكم قانوني فلكل انسان الحق المطلق في اختيار محل اقامته دون تعسف من السلطة الحاكمة.

ثانيا في الفكر الاقتصادي: شغلت القضية الاقتصادية جانبا هاما من فكر الطهطاوي في كتابه ((مناهج الالباب )) على وجه الخصوص وتناول فيه عدة جوانب من النظرية الاقتصادية والتاريخ الاقتصادي واهتم بصفة خاصة بقضية العمل وراس المال وبقضية العلاقة بين الانتاج والخدمات وبقضية دور الدولة بالحياة الاقتصادية .
ويعتبر الطهطاوي اول مؤلف عربي حديث يعرف للعمل حقه في حينه في الحياة الاقتصادية وينظر اليه باعتباره المقوم الاول للانتاج والازدهار وتفاوت الدول انما يرجع في راي الطهطاوي الى العمل والانتاج وفي هذا يقول (( ان الامة المتقدمة في ممارسة الاعمال والحركات الكدية ذات الكمالات في العملية المستكملة للادوات الكاملة والالات الفاضلة والحركة الدائمة قد ارتفعت الى اعلى في درجات السعادة والغنى بحركات اعمالها بخلاف غيرها من الامم ذات الاراضي الخصبة الواسعه الفاترة الحركة فان اهاليها لم يخرجوا من دائرة الفاقة والاحتياج فاذا قابلت بين اغلب اقاليم اوربا وافريقيا ظهر لك حقيقة ذلك)).
ثالثا: الفكر الاجتماعي:
كان لقاء الطهطاوي مع المجتمعات الاوربية اثناء اقامته في باريس وملاحظته للفروق بينها وبين مجتمعات الشرق الاسلامي في عصره اول ادراك منه لضرورة التغير المجتمعي في العالم الاسلامي وقد تناول الطهطاوي العديد من القضايا الاجتماعية ومنها قضية المراة وذكر اطهطاوي ان وقوع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء لا ياتي من كشفهن او سترهن بل منشا ذلك التربية الجيدة والخسيسة والتعود على محبة واحد دون غيره وعدم التشريك في المحبة والالتئام بين الزوجين فالعفة في راي الطهطاوي نتيجة التربية اما خروج المراة الى الحياة الاجتماعية فيعد قضية اخرى وقد لاحظ الطهطاوي (( ان العفة تستولي على قلوب النساء المنسوبات الى الطبقة الوسطى من الناس دون نساء الاعيان والرعاع فنساء هاتين المرتبتين يقع عندهم الشبهه كثيرا ويتهمون في الغالب)) .
كما اكد الطهطاوي ان الرقص والموسيقى والغناء يؤديانالى وظيفة الامتاع الفني في المجتمعات الاوربية ولا يعدان فيها من الملذات المبتذلة او الممارسات غير المقبولة.
وتناول الطهطاوي ايضا قضية اهل الذمة في المجتمع الاسلامي حيث يقوم رايه في هذا المجال على اساسين هما حرية العقيدة وضرورة التعامل بين كل ابناء الوطن في اطار المساواة وسيادة القانون.
رابعا :الفكر التربوي: حيث تعد التربية في رايه ضرورة للانسان لا يستطيع ان يستغني عنها فالانسان تميز عن سائر المخلوقات بالعقل وهو وسيلة حماية الانسان نفسه على عكس الحيوانات التي تمكنها قوتها الجسدية من ان تحمي نفسها وبهذا تعد التربية طريق التقدم فتربية الافراد على نحو اجتماعي سليم تؤدي الى رقي شان الامة وفيها يقول(( حسن تربية الاحاد ذكورا واناثا وانتشار ذلك فيهم يترتب عليه حسن تربية الهيئة مجتمعة يعني الامة بتمامها فالامة التي حسنت تربية ابنائها واستعدوا لنفع اوطانهم هي التي تعد امة سعيدة وملة حميدة وقد استشهد الطهطاوي لبيان ذلك بان الحضارة اليونانية انما ارتقت في سابق عهدها لاهتمام اليونان انذاك بالتربية بصفة عامة وفي هذا يقول(( ان السبب الاعظم في كثرة فحول الرجال وكبراء الابطال في بلاد اليونان في ايام جاهليتهم انما هو كان بعد احسانهم تربية الاطفال)).
وهكذا كان الطهطاوي رائد الفكر العربي الحديث في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعلمية وقد حاولنا تتبع اهم الافكار لدى مفكر النهضة الكبير فان الطهطاوي هو الذي فتح الباب واسعا لفكر وقاد ظل منتصرا على مدى سنين عديدة.
* منشور في صحيفة الزمان الدولية ، العدد 2898 الاربعاء، 23/1/2008 ، ص الف ياء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا