الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفاهيم في الثقافة

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2023 / 1 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


للثقافة محاور عديدة وانماط مختلفة درج بعضها على اسس معينة واستلهم من تلك الاسس ما يجعل هذه الثقافة او تلك على محك وانماط تطور العصر فبعض المفكرين اصطلح على الثقافة بمسميات عديدة وكل مسمى من هذه المسميات يلائم عصرا من العصور التي تمر بها الثقافة وعلى سبيل المثال التقنية على مفهوم هايدغر تساوي الثقافة وتعادلها وكل ثقافة هي ولدة فكر وابداع ولا يمكن ان تحقق حضورها من فراغ ومن لاشيء حيث ان اللاشيء نفي مقصود لها ومرهون بالمصادفة وبالفطرية ومثل هذا لا يمكن للتقنية كاحدى مسميات الثقافة ان تعتمده مثلا .
واطلق البعض الاخر على الثقافة اسم الفكر ويرى بعض الكتاب ان الفكر العربي يطرح قضايا التراث والهوية والجذر التاريخي كلما واجهت الذات المتصدعة تحديا من الاخر يوقظها ويدفعها الى عملية الفعل ورد الفعل الا ان هذا الطرح وما يماثله في تعدد انماط الثقافة ومسمياتها كي تلائم العصور المختلفة لا يتيح لاصحابه فرصة اللحاق بالركب المتحضر لذلك ارتهن نفسه للزمان والمكان السالف وقد يكون سببا لصحوة الحاضر الا ان المسميات ظلت رهينة لما كانت لا لما سياتي وسيكون عليه الحاضر والمستقبل فالفكر هو المحرك وهو الذي يجدد ويضيف ومن هنا جاءت مصطلحات اعمار الثقافة وهي المصطلحات التي نحتاجها اليوم وبشدة ذلك لان ثقافتنا ليست بحاجة الى تغيير مسميات وابقاء على ما هي عليه ولكنها بحاجة الى اعادة صياغة في عصر بات اسمه عصر العولمة عصر التقنيات العالية
عصر الاحادية للكون كما اصطلح عليه الدكتور عبد السلام بن عبد العالي في منشورات افريقيا الشرق- الغرب .
فالسؤال الذي يطرح نفسه كيف نعمر ثقافتنا في عصر بات متطور كي نلحق بالركب المتحضر وقبل الاجابة عن هذا السؤال يجب ان نعرف ماهية الاعمار المقصود للثقافة .
وللاجابة نقول ان الاعمار يعني احداث تغييرات مقصودة على مستوى الافكار والقيم والسلوك مع اضفاء الفاعلية من خلال اسباغ الروح على الثقافة عبر تنشيط القيم والاساليب في احداثها التاثير والفاعلية الثقافية والعمليات الثقافية لا تتحقق من خلال ضخ المعلومات عن طريق وسائل الاتصال بقدر ما تتحقق عبر تناول ذكي يربط بين العلاقات لكل مكون ثقافي وتوفير الفرص للمجتمع لاداء الفعل الاجتماعي الثقافي الى جانب اسهام الاعلام في الميدان بحيث يشعر المجتمع بان له دورا في جوانب الاداء الثقافي ومن هنا فان نشر اتجاهات الثقافة لا يقتصر على اصدار النشرات والكتب والجرائد والمجلات وغيرها بل يتعدى ذلك الى الفعاليات التي يتحتم توفيرها للمجتمع كي تتسنى له المشاركة الثقافية على نطاق واسع.
وللاجابة عن السؤال الذي طرحناه الذي يخص اعمار الثقافة نقول ان لاعمار الثقافة مقومات ومنها :
1- الانفتاح على ثقافات العالم كي يتهيء للانسان التعامل مع مجمل الافكار الجديدة ويستطيع صياغتها بما يلائم ثقافته ويزيدها غنى ومعرفة .
2- اعادة تفسير بعض الدلالات الثقافية فلكي نعيد اعمار الثقافة لا يعني ذلك ان نلغي قيم وعناصر ثقافية اخرى بل ان نعيد تفسير الدلالات خاصة اذا عرفنا ان للعناصر الثقافية مدلولات متباينة في الاوضاع المختلفة ومن هنا فان تفسير الدلالات تتمثل في اضفاء معاني جديدة على تلك الدلالات وجعلها مرنة في مجال التطبيق وللاسف الشديد فقد داب اغلب مثقفينا في استخدام الدلالات الثقافية في العصور المتعددة .
3- تصحيح الانطباعات: في هذا المجال تتشكل في كل ثقافة ادراكات وتصورات اي انطباعات عن الافكار والاشخاص والجماعات وكثيرا ما تنجم عنها مواقف واتجاهات وقرارات ولما كان الكثير من الانطباعات قد تنشا في اطار ثقافة غير متوازنةلذا فان من تلك الانطباعات ما كان يعبر عن دلالات شوهاء ومنها ما اتخذ تعميمات متحيزة على شكل انطباعات جامدة فلكي نعمر الثقافة يجب ان نحاول تصحيح الانطباعات .
4- اقصاء الثقافات الدخيلة : حيث فرضت على مجتمعاتنا خلال العقود الاخيرة ان تستوعب ثقافات دخيلة مثل ثقافة العنف وثقافة الارهاب والطائفية وثقافة التعصب ومن بين هذه الثقافات ما دخل بصورة مقصودة عن طريق التنشئة الاجتماعية الرسمية ومنها ما كان نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي سادت البلاد وحيث ان لهذه الثقافات اخطاءها الحاضرة والمستقبلية لذا فان اعمار الثقافة يستدعي تصفية هذه الثقافات الدخيلة .
يبقى اذا مصطلح (الاصالة في ثقافة متحررة )مصطلحا يتاتى علة وجود الاصالة الثقافية في نشدان قيم مثل العقلانية والحرية والعدالة وان العوامل الاساسية التي ترسخ وتدعم اصالة الثقافة على الصعيد العقلي انفتاحها امام الاسئلة على عكس الجمود العقائدي وعلى الصعيد السياسي كما يقول الروائي المصري (ادوار الخراط): الديمقراطية الثقافية على عكس الشمولية التوتاليتارية اي الوصاية والاستبداد كما يحدث في البلاد العربية فالخيار الوحيد هنا هو اولوية ثقافة العقلانية الثقافة النسبية لا ثقافة المطلقات الجامدة .
ثقافة التسامح والحوار مع الذات والاخر على حد سواء فالالصالة التجديدية الثقافية لا نصورها على انها انتماء عنصري او عرقي بل انها تراكم وانصهار للمقومات بحيث تتجاوز الحدود السياسية لكنها مع ذلك تصدر عن منابع متعددة المرجعيات وكما يعبر عنها الروائي (ادوار الخراط): فيقول مثالها في مصر مرجعيات فرعونية ،قبطية ،اسلامية ومعاصرة وفي العراق اشورية وغيرها وفي لبنان وسوريا وفلسطين فينيقية وفي المغرب مرجعية بربرية امازيغية ومن المفارقة ان تراثا عربيا اسلاميا مشتركا يذهب شوطا بعيدا في تالف وتناغم هذه الثقافات والتراثيات المتنوعة وادماجها في كيان عضوي مركب فلا يمكن ان تزدهر و تعمر ثقافتنا الا بقدر ما تؤكد على حريتها الاصيلة وتنحي عنها طغيان الماضي ولكن كما اسلفنا لا بقطع جذوره الفكرية بمرجعيات كثيرة ولكن ان نحافظ على ذلك التوازن الدقيق بين سيادة العقل من جهة وبين التخلص من الثقافات الدخيلة من جهة اخرى والتي لا تخضع للسيطرة العقلائية وتبقى مسالة اللغة وهي من المسائل الثقافية المهمة فلغتنا العربية بحد التعريف التقليدي لها هي لغة مقدسة مطلقة بل تجري التقاليد بانها لغة الهية ومع ذلك فان اللغة العربية واسطة من وسائط الثقافة المعاصرة وما من بديل الا بان تكون مرنة وديناميكية وقابلة للانتقاد بما يطورها وبالتالي نستخلص ان اعمار الثقافة بحاجة الى صياغةواقعية مستلهمة من اسس الماضي وتطلعات الحاضر والمستقبل الاتي لا بتغيير الاسماء والمسميات وبالتالي عند اعادة صياغة المفاهيم الثقافية واعمارها بما يناسب الواقعوذلك بالغص في جوهرها لا باستلهام المظاهر فقط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت