الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في (فلسفة التاريخ عند فيكو) للمؤلفة أبو السعود ٣/٣

داود السلمان

2023 / 1 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نظرية المعرفة التاريخية
أولاً: مبدأ المعرفة
تؤكد الكاتبة إنّه مع مجيء القرن الثامن عشر جاءت دلالة محاولة فيكو في علمه الجديد عن الطبيعة المشتركة للأمم؛ فهو في جوهره محاولة لوضع مذهب تاريخي شامخ، لا هو مجرد تصنيف تأريخي، ولا هو مجرد إدراج للمعرفة التاريخية تحت التاريخ الديني المقدس، وإنما يريد أن يقدم صورة تاريخ مثالي خالد تسير طبقًا له تواريخ كل الأمم في الزمان، ومهمة هذا المسار أن يعرف الشعوب في أصولها وتقدمها وازدهارها وسقوطها، وأن يتتبع المسار التاريخي من البربرية إلى الحضارة، والمهم أنه ينظر إلى التاريخ على أنه هو تاريخ الإنسان وتاريخ عقلنا البشري، وبهذا يعرف الضرورة التاريخية التي بمقتضاها كان من المحتم أن يحدث شيء في الماضي ومن المحتم أن يحدث شيء في الحاضر والمستقبل، وقبل أن نتحدث عن طبيعة المعرفة التاريخية عند فيكو نود أن نقف أولًا عند تصوره للمعرفة بوجه عام.

وتضيف أن فيكو وضع مبدأ جديدًا للمعرفة لمعارضة النزعة العقلية الديكارتية وأتباعها الذين نظروا إلى التاريخ كمجموعة من الحقائق المضطربة وسلسلة من الحكايات السخيفة، وهاجم الأسس الثلاثة التي استند إليها ديكارت؛ فقد عارض الكوجيتو – تعني الكاتبة، أنا أفكر إذن أنا موجود - الشهير كمبدأ لليقين، ورأى أن الفعل الإنساني لا الوعي الذاتي هو مبدأ اليقين في علم التاريخ، ونقد أدلة وجود الله التي تستند إلى معرفةٍ أوليةٍ سابقةٍ على التجربة وعدَّ هذا تطاولًا على الذات الإلهية، كما عارض اليقين الرياضي كمعيارٍ للوضوح والبداهة وبالتالي كمعيارٍ للحقيقة.

وخلاصة نظرية المعرفة عند فيكو، بحسب أبو السعود، أن العقل يعرف نفسه من خلال دراسة الأشكال التي يظهر فيها، فيظهر مثلًا في التنظيمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفن والقانون واللغة … إلخ، أي يتجلَّى في كل مظاهر الحضارة، وبهذا يُعد فيكو أول من قدَّم نظرية تاريخية عن حقيقة التغير من خلال تفسيره للتاريخ باعتباره عملية عقلية منظمة خلَّاقة، فمن خلال التاريخ الذي يتألَّف من أحداث ووقائع ومؤسسات اجتماعية تعبِّر عن أحوال العقل يصبح هذا العقل نفسه موضوعًا للمعرفة، وهنا تكمن المشكلة الرئيسية في الدراسات التاريخية؛ إذ كيف تكون الذات العارفة هي نفسها موضوعًا للمعرفة؟ أو بمعنًى آخر كيف يمكن لصانع العلم أن يكون هو نفسه موضوعًا للعلم؟ للإجابة على هذا لا بد أن نطرق مشكلةً أخرى شغلَت المفكرين والفلاسفة وتبلورَتْ في السؤال الآتي: هل التاريخ علم؟.

ثانيا: هل التاريخ علم؟
هل التاريخ علم؟. تقول الكاتبة: سؤال أثار الكثير من الجدل واختلفت حوله آراء الفلاسفة على مر العصور بين مؤيِّدٍ ومعارض، والبعض يرى أنه ليس بعلمٍ بل هو دربٌ من دروب الفن. فهناك علاقة جَدلية بين الفن والتاريخ باعتبار الأول مصدرًا هامًّا من مصادر المعرفة التاريخية، ويُساعد المؤرِّخَ على كشف الحالة الوجدانية للعصور التاريخية المختلفة، فمِمَّا لا شك فيه أن الأشكال التعبيرية المتنوعة للإبداع الفني تُعين المؤرخ على إعادة تصوير الماضي وبَعْث روحه من جديد، خاصة بعد أن اتسع مفهوم التاريخ فلم يعد مقصورًا على سِيَر الأبطال والمعارك الحربية، بل يشمل الجوانب الحضارية المختلفة والمتعددة للإنجازات البشرية؛ وبالتالي تعدَّدَت مصادر المعرفة التاريخية فلجأ المؤرخ إلى أشكال الإبداع الفني المتنوعة ليجد مادة تاريخية خصبة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن الإنسان هو الموضوع المشترك بين الفن والتاريخ باعتباره مبدعًا للفن وأيضًا صانعًا لأحداث التاريخ، مما جعل رجال الأدب يذهبون إلى أن التاريخ سواء أكان علمًا أو غير علم فهو بلا ريب فنٌّ من الفنون، وأن العلم بالغًا ما بلغ لا يُعطينا من التاريخ سوى العظام اليابسة، وأنه لا مندوحة من خيال الشاعر إذا أُريد نشر تلك العظام وبعث الحياة فيها.

وتواصل الكاتبة الايضاح بقولها: وعلى العكس من هذا الرأي يرى بيري أن التاريخ قد عانى من كونه جزءًا من الأدب بينما التاريخ علم لا أكثر ولا أقل، وأن وقائعه يمكن أن تدرس موضوعيًّا كوقائع الجيولوجيا والفلك، أي أن تدرس على أنها أشياء خارج الذات؛ إذ لا يتسنَّى قيام علمٍ على أساس ذاتي، والوقائع التاريخية يمكن أن تُجمع وتُصنَّف وتُفسَّر كما هو الحال في أي علم.

مضيفة والسؤال الآن: إذا كان التاريخ علمًا فمن أي أنواع العلوم يعتبر التاريخ؟ إنه ليس كالفلك علم معاينة مباشرة، ولا الكيمياء علم تجربة واختبار، ولكنه علم نقد وتحقيق وأقرب العلوم الطبيعية شبهًا به الجيولوجيا؛ فكما أن الجيولوجي يدرس الأرض كما هي الآن ليعرف كيف صارت إلى حالتها الحاضرة، فكذلك المؤرِّخ يدرس الآثار المتخلفة عن الماضي ليفسِّر بواسطتها وبقدر إمكانه ظاهرة الحاضر. وكما أن الجيولوجي يجد مادته الأساسية في نفايات الطبيعة ليُثبت التطوُّرات الجيولوجية، فكذلك المؤرِّخ يعتمد في معرفة الوقائع الماضية على آثار ماديةٍ أو سجلاتٍ أو تقاليد سلمت مصادفة أو اتفاقًا من عوادي الزمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟