الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل العدالة أهم من الاديان ؟ ج 6

علي جواد

2023 / 1 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لماذا يحرص الفكر الديني على تقييد مساحة العدالة داخل الدولة ويعمل على التحكم بها ؟

والمقصود هنا ليس الإسلام بحد ذاته بالمعنى وأنما الكلام موجه للفكر الإسلامي المضاف أو ما يعرف بالفقه والاجتهادات المضافة على الإسلام نفسه، لذا نرى أن من أهم أولويات فكر الحركات والأحزاب الإسلامية هو سحب العدالة لتكون تحت عباءة الدين أو إظهار للناس أن العدالة هي منحة من الأحزاب الإسلامية أو مكرمة وعطاء يمنحونه للشعب، ولا يقتصر هذا على مفهوم الحرية إنما يتوسع ليشمل كل انعكاسات العدالة على المجتمع، فعندما تكون هناك عدالة تصاحبها الحرية والديموقراطية وهنا نشاهد عمل الفكر الإسلامي الحزبي على التدخل في تشكيل وتفصيل هذه المفاهيم الاجتماعية لكي تناسب وتظهر أنها عبارة عن عطايا ومظهر للتواضع من قادة الأحزاب الإسلامية وهم يوزعونها على الشعب بشكل مكارم ويتغنى بهذا الموالي والمحب وتضج قنوات الإعلام وصفحات المواقع بالتمجيد والتعظيم لهذه الأعمال في نشر العدل من شخصيات حزبية محسوبة على هذه الأحزاب الإسلامية

محاولة سحب هذه القيم الاجتماعية وجعلها تحت خيمة الفكر الإسلامي هي عبارة عن عملية ومحاولة من الأحزاب والحركات الدينية لإثبات "عدالة" ما بأيديهم من فكر ديني وهو سلاحهم المسلط على رقاب الناس وعلى الحكومات والأنظمة وهي لتأكيد نقطة أن ما يمتلكونه من فكر لا يتعارض مع مفاهيم العدالة بل على العكس نرى أن هناك إصرارا جنونيا في محاولات إثبات أن ما يمتلكه الفكر الإسلامي هو نفسه الذي يمتلكه وتوفره العدالة للناس وأبعاد الشبهات والشكوك عن وجود ظلم في المنهج الديني أو الفكر الإسلامي
وما نجده في الواقع بشكل حقيقي ظاهر وملموس هي حقائق وجود التميز والطبقية وتقسيم الناس إلى مستويات ولدينا أمثلة وشواهد كما يلي:-
o تميز الناس والمجتمع بحسب الاعتقادات الدينية، إذ نجد النص الديني يميز بين المسلم وغير المسلم وبالتالي قام المفكر الإسلامي بتفسير هذا النص على أنه تبرير في الأفضلية الإسلامية لمجرد العنوان والتسمية فقط ويمكن اعتبار هذا كافيا للمسلم لكسب استحقاقات هذا التميز !
o تميز في الجنس بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والمسؤوليات وحتى الميراث وتم تفسير هذه النصوص على أنها نوع من الامتيازات للرجل على المرأة لأنه مخلوق بهذا الجنس!
o تميز بين الحر وبين العبد في الحقوق والواجبات والمسؤوليات والمناصب وحتى يصل التمايز لدرجة الترتيب في صلاة الجماعة وتحديد أماكن صلاة العبيد حيث يقدم الحر على العبد!
o تميز حقوق غير المسلمين تحت حكم الفكر الإسلامي وهنا تم أخذ التفسير وثم الحكم من النص القرآني على أن غير المسلم له واحد من ثلاث أما دفع الدية أو الرحيل عن البلاد أو الدخول في الإسلام وإن كان هذا الغير مسلم مواطن صالح وذو تخصص مفيد وضرورة للناس والمجتمع، ونجد في قبال هذا لا يتم فرض أي شيء مما سبق على المسلم حتى وإن كان فاسق ضارا للناس إذ يكفي التسمية أنه مسلم لتحصينه من الدية أو الترحيل أو الدخول القسري في الإسلام.

وما سبق هي من الأمثال لوصف ما تتداوله جماعات الفكر الإسلامي وعينة من نقاط توقفاتهم في التضاد مع منظومة العدالة داخل المجتمعات وتأتي دائما متبوعه بتبرير أن هذه الأحكام هي لمصلحة الإنسان!!! فمنها هي لحكمة هم يضعونها كتبرير وجواب عن أي تساؤل مثل حفظ الأنساب هو سبب منع تعدد الأزواج للمرأة (برغم تطور علم الجينات وإمكانية معرفة الأنساب بدقة عالية) ومنها ما تبرر أنها لحكمة غير معلومة!!!
والأسلوب والمنهج المتبع عند مناقشة قضية العدالة الدينية مع الجماعات الإسلامية غالبا هو الهروب نحو مفهوم اعتماد مبدأ أن العدل يختلف عن المساواة! على أساس أن المساواة لا تعني العدالة وقد تكون على العكس هي ظلما وغبنا للحقوق
وهنا يجب ان نفهم ونستوعب مصطلح التساوي أو المساواة الوارد في النص القراني بين من ؟ ومع من ؟
اولا لنوضح رأي حيث احيانا المساواة يقصد بها العدالة ، أما التساوي فهو معناه أن الاشياء تكون على نفس الوزن والقياس او الطول والعرض او حال الشئ مقارنة بمثله وهو التماثل وليس التطابق
شأقرت دار الإفتاءالمصرية:- ( إن هناك فارقًا بين المساواة والتساوي؛ فإن الشرع الإسلامي مع إقراره للمساواة لم يُقرَّ التساوي المطلق بين الذكر والأنثى في الصفات الخلقية والفطرة الربانية والوظائف التكليفية؛ فإن اختلاف الخصائص يقتضي اختلاف الوظائف والمراكز، حتى يتحقق التكامل الذي أراده الله تعالى بالتنوع في خلقه سبحانه؛ والدعوةُ إلى جعل المرأة كالرجل في الأمور التي فرقت بينهما فيها الشريعة طعنٌ في حكمة التشريع، وإنكارٌ لهوية الإسلام، وتَعَدٍّ على النظام الاجتماعي العام.)
المساواة والتفاوت هما مفهومان معقدان ومتعددا الأوجه لن نجد معنى أو صورة بعينها هيمنت على نقاشات الحقل الفلسفي أو السياسي في زمن بعينه، وصنفت المساواة عنصرا أساسيا في تكوين مفهوم العدالة، وقد استعمل مصطلح العدالة، في مختلف حقب التاريخ، كشعار لعامة الناس والجماعات السياسية التي تعارض السياسات المتحيزة والتمييزية. وهذه إشارة واضحة إلى أن الفهم العام للمساواة، يعتبرها مكونا أساسيا لقيمة العدالة، وان التفريط فيها نقض للعدالة، لا بل يمكن اعتبار إن المساواة هي عملة تقيم ثراء أو فقر الشعوب والحكومات، إذ عندما نجد أن المجتمع غني في امتلاكه مظاهر العدالة فهذا يعني توفر مقدار كبير من المساواة أمام نظام العدالة وبالعكس عندما تقل العدالة فإن المجتمع فقير ويكاد لا يمتلك عملات من أي قيمة لمفهوم المساواة.
نرجع للفكر الإسلامي وفرقه عن النص الإسلامي الثابت في الاستعمال والتطبيق وكيف استخدمت النصوص القرآنية وفسرت على أنها هي العدالة حتى وإن كانت لا تطبق المساواة لكن على الجميع الرضا والتسليم بها لأنها أمر ألهى بحسب فكر وعقيدة هذه الجماعات وهنا ليس المقصود تحريف النصوص لكن هي عملية تطويع وتوسيع مساحة النص ليشمل إطارا أكبر مما هو مخصص له في المعنى الحقيقي للتفسير
لدينا نص قرآني يحمل معنى واضحا وصريحا
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ﴾ [الحجرات ١٣]هنا نجد -سبحانه وتعالى- أعطى أفضلية الكرامة سواء في الدنيا أو في الآخرة لمن هو امتاز عن غيره بالتقوى وليس الامتياز بالنسب أو الجنس أو العرق أو اللون... إلخ

لكن الفكر الإسلامي والفقه الإسلامي أوجد تفاوتا واختلافا في الحقوق بين الأجناس والأعراق والطوائف وحتى بين سكان المدن وبين المسلمين الأوائل والمتأخرين ونرى هذا عند مراجعة التاريخ مثلا في العطاء الشهري للمهاجرين والأنصار وبين الهاشميين والعلويين وبين باقي الناس وبين الكتابي غير المسلم وبين غير المسلم غير الكتابي، وهناك تفريق وتميز بين الناس في مقدار ما يحفظ المسلم من آيات القرآن الكريم من باب الذين يعلمون أفضل من الذين لا يعلمون وكأن حفظ الشيء وتكراره هو أفضل أو أحسن من فهم المعنى والعمل به، وبلغ التميز في الأبنية والمساجد معينة عن أخرى، وتميز أصحاب مظهر وهيئة معينة تبدو أنها إسلامية عن غيرهم

لا أريد القول أن الإسلام لا يتضمن مفهوم ومحتوى العدالة أو من الممكن أن يفهم أن المعنى هنا هو أن هناك تعارضا بين الإسلام وبين العدالة، هذا المعنى والمقصد ليس هو المقصود وأنما القصد والمعنى موجه إلى الفكر الإسلامي الاجتهادي المضاف على النص الإسلامي وهذا هو سبب تقيد الحريات، ويجب أن تجرى جراحة دقيقة للتاريخ وللفقه الإسلامي لتخليصه من الشوائب والأورام الخبيثة من الأفكار والمعتقدات غير الصحيحة إذ عرفنا سابقا أن هناك روايات وأحاديث موضوعة وغير صحيحة قسم منها سمي بالاسراءيليات وكثير من المؤلفين شرح هذا الموضوع، بالتالي هذا الكم الهائل من الافتراءات والتزييف خلق أفكار وانحرافات ظهرت في العقائد وفي المجتمعات

إذن وجدنا أن العدالة في تضاد مع الدين!
أو على الأصح وجدنا أن العدالة هي في تضاد مع فكر الجماعات والأحزاب الإسلامية وما ينادون إلى تطبيقه في المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ